فليتك تحلو والحياة مريرة

فليتك تحلو والحياة مريرة

أبو فراس الحمداني

الحارث بن سعيد بن حمدان، ولد في مدينة الموصل، استقرّ في بلاد الحمدانيين في مدينة حلب، كان والياً على منبج، وكان يرصد تحرّكات الروم. وقع في أسر الروم مرتين وطال به الأسر، فكتب لابن عمّه سيف الدولة ليفتديه، لكنّه تباطأ وظلّ يُهملُه. من أكثر قصائده شهرة هي هذه القصيدة التي يمدح فيها سيف الدولة ليفكّ اسره، والتي اختلف الكثير في تفسير معانيها. نظم في سجنه ديوان الروميات الذي يعتبر من أروع الشعر الإنساني وأصدقه.

قصيدة ليتك تحلو والحياة مريرة

أمَا لِجَمِيلٍ عِنْدَكُنّ ثَوَابُ،

وَلا لِمُسِيء عِنْدَكُنّ مَتَابُ؟

لَقَد ضَلّ مَنْ تَحوِي هوَاهُ خَرِيدة ٌ

وقدْ ذلَّ منْ تقضي عليهِ كعابُ

ولكنني - والحمدُ للهِ - حازمٌ

أعزُّ إذا ذلتْ لهنَّ رقابُ

وَلا تَمْلِكُ الحَسْنَاءُ قَلْبيَ كُلّهُ

وإنْ شملتها رقة ٌ وشبابُ

وَأجرِي فلا أُعطي الهوَى فضْلَ مقوَدي،

وَأهْفُو وَلا يَخْفَى عَلَيّ صَوَابُ

إذا الخِلّ لَمْ يَهْجُرْكَ إلاّ مَلالَة ً،

فليسَ لهُ إلا الفراقَ عتابُ

إذَا لَمْ أجِدْ مِنْ خُلّة ٍ ما أُرِيدُهُ

فعندي لأخرى عزمة ٌ وركابُ

وَلَيْسَ فرَاقٌ ما استَطَعتُ، فإن يكُن

فراقٌ على حالٍ فليسَ إيابُ

صبورٌ ولوْ لمْ تبقَ مني بقية ٌ

قؤولٌ ولوْ أنَّ السيوفَ جوابُ

وَقورٌ وَأَحداثُ الزَمانِ تَنوشُني

وَلِلمَوتِ حَولي جيئَةٌ وَذَهابُ

وَألْحَظُ أحْوَالَ الزّمَانِ بِمُقْلَة ٍ

بها الصدقُ صدقٌ والكذابُ كذابُ

بِمَنْ يَثِقُ الإنْسَانُ فِيمَا يَنُوبُهُ

وَمِنْ أينَ للحُرّ الكَرِيمِ صِحَابُ؟

وَقَدْ صَارَ هَذَا النّاسُ إلاّ أقَلَّهُمْ

ذئاباً على أجسادهنَّ ثيابُ

تغابيتُ عنْ قومي فظنوا غباوة ً

بِمَفْرِقِ أغْبَانَا حَصى ً وَتُرَابُ

وَلَوْ عَرَفُوني حَقّ مَعْرِفَتي بهِم،

إذاً عَلِمُوا أني شَهِدْتُ وَغَابُوا

وَمَا كُلّ فَعّالٍ يُجَازَى بِفِعْلِهِ،

ولا كلِّ قوالٍ لديَّ يجابُ

وَرُبَّ كَلامٍ مَرَّ فَوقَ مَسامِعي

كَما طَنَّ في لَوحِ الهَجيرِ ذُبابُ

إلى الله أشْكُو أنّنَا بِمَنَازِلٍ

تحكمُ في آسادهنَّ كلابُ

تَمُرّ اللّيَالي لَيْسَ للنّفْعِ مَوْضِعٌ

لديَّولا للمعتفينَ جنابُ

وَلا شُدّ لي سَرْجٌ عَلى ظَهْرِ سَابحٍ،

ولا ضُرِبَتْ لي بِالعَرَاءِ قِبَابُ

و لا برقتْ لي في اللقاءِ قواطعٌ

وَلا لَمَعَتْ لي في الحُرُوبِ حِرَابُ

ستذكرُ أيامي " نميرٌ" و" عامرٌ"

و" كعبٌ " على علاتها و" كلابُ "

أنا الجارُ لا زادي بطيءٌ عليهمُ

وَلا دُونَ مَالي لِلْحَوَادِثِ بَابُ

وَلا أطْلُبُ العَوْرَاءَ مِنْهُمْ أُصِيبُهَا،

وَلا عَوْرَتي للطّالِبِينَ تُصَابُ

وَأسْطُو وَحُبّي ثَابِتٌ في صُدورِهِمْ

وَأحلُمُ عَنْ جُهّالِهِمْ وَأُهَابُ

بَني عَمّنا ما يَصْنعُ السّيفُ في الوَغى

إذا فلَّ منهُ مضربٌ وذبابُ ؟

بَني عَمِّنا لا تُنكِروا الحَقَّ إِنَّنا

شِدادٌ عَلى غَيرِ الهَوانِ صِلابُ

بَني عَمّنَا نَحْنُ السّوَاعِدُ والظُّبَى

ويوشكُ يوماً أنْ يكونَ ضرابُ

وَإِنَّ رِجالاً ما اِبنَكُم كَاِبنِ أُختِهِم

حَرِيّونَ أَن يُقضى لَهُم وَيُهابوا

فَعَنْ أيّ عُذْرٍ إنْ دُعُوا وَدُعِيتُمُ

أبَيْتُمْ، بَني أعمَامِنا، وأجَابُوا؟

وَمَا أدّعي، ما يَعْلَمُ الله غَيْرَهُ

رحابُ " عليٍّ " للعفاة ِ رحابُ

وأفعالهُ للراغبين َ كريمة ٌ

وأموالهُ للطالبينَ نهابُ

ولكنْ نبا منهُ بكفي صارمٌ

وأظلمُ في عينيَّ منهُ شهابُ

وَأبطَأ عَنّي، وَالمَنَايَا سَرِيعة ٌ،

وَلِلْمَوْتِ ظُفْرٌ قَدْ أطَلّ وَنَابُ

فَإِن لَم يَكُن وُدٌّ قَديمٌ نَعُدُّهُ

وَلا نَسَبٌ بَينَ الرِجالِ قُرابُ

فأَحْوَطَ لِلإسْلامِ أنْ لا يُضِيعَني

ولي عنهُ فيهِ حوطة ٌ ومنابُ

ولكنني راضٍ على كل حالة ٍ

ليعلمَ أيُّ الحالتينِ سرابُ

و ما زلتُ أرضى بالقليلِ محبة ً

لديهِ وما دونَ الكثيرِ حجابُ

وَأطلُبُ إبْقَاءً عَلى الوُدّ أرْضَهُ،

وذكرى منى ً في غيرها وطلابُ

كذاكَ الوِدادُ المحضُ لا يُرْتَجى لَهُ

ثوابٌ ولا يخشى عليهِ عقابُ

وَقد كنتُ أخشَى الهجرَ والشملُ جامعٌ

وفي كلِّ يومٍ لقية ٌ وخطابُ

فكيفَ وفيما بيننا ملكُ قيصرٍ

وَللبَحْرِ حَوْلي زَخْرَة ٌ وَعُبَابُ

أمنْ بعدِ بذلِ النفسِ فيما تريدهُ

أُثَابُ بِمُرّ العَتْبِ حِينَ أُثَابُ؟

فَلَيْتَكَ تَحْلُو، وَالحَيَاة ُ مَرِيرَة ٌ،

وَلَيْتَكَ تَرْضَى وَالأَنَامُ غِضَابُ

وَلَيْتَ الّذي بَيْني وَبَيْنَكَ عَامِرٌ

وبيني وبينَ العالمينَ خرابُ

إذا صَحَّ منك الودّ فالكُلُّ هَيِّنٌ

وكُلُّ الذي فَوقَ التُّرابِ تُرابِ

قصائد أخرى للشاعر

من القصائد الخالدة لأبي فراس الحمداني ما يأتي:

أراك عصيّ الدمع

أرَاكَ عَصِيَّ الدّمعِ شِيمَتُكَ الصّبرُ،

أما للهوى نهيٌّ عليكَ ولا أمرُ؟

بلى أنا مشتاقٌ وعنديَ لوعة ٌ

ولكنَّ مثلي لا يذاعُ لهُ سرُّ !

إذا الليلُ أضواني بسطتُ يدَ الهوى

وأذللتُ دمعاً منْ خلائقهُ الكبرُ

تَكادُ تُضِيءُ النّارُ بينَ جَوَانِحِي

إذا هيَ أذْكَتْهَا الصّبَابَة ُ والفِكْرُ

معللتي بالوصلِ، والموتُ دونهُ

إذا مِتّ ظَمْآناً فَلا نَزَل القَطْرُ!

حفظتُ وضيعتِ المودة َ بيننا

وأحسنَ، منْ بعضِ الوفاءِ لكِ، العذرُ

و ما هذهِ الأيامُ إلا صحائفٌ

لأحرفها، من كفِّ كاتبها بشرُ

بنَفسي مِنَ الغَادِينَ في الحَيّ غَادَة ً

هوايَ لها ذنبٌ ، وبهجتها عذرُ

تَرُوغُ إلى الوَاشِينَ فيّ، وإنّ لي

لأذْناً بهَا، عَنْ كُلّ وَاشِيَة ٍ، وَقرُ

بدوتُ، وأهلي حاضرونَ، لأنني

أرى أنَّ داراً، لستِ من أهلها، قفرُ

وَحَارَبْتُ قَوْمي في هَوَاكِ، وإنّهُمْ

وإيايَ ، لولا حبكِ، الماءُ والخمرُ

فإنْ كانَ ما قالَ الوشاة ُ ولمْ يكنْ

فَقَد يَهدِمُ الإيمانُ مَا شَيّدَ الكُفرُ

وفيتُ ، وفي بعضِ الوفاءِ مذلة ٌ

لآنسة ٍ في الحي شيمتها الغدرُ

وَقُورٌ، وَرَيْعَانُ الصِّبَا يَسْتَفِزّها،

فتأرنُ، أحياناً، كما يأرنُ المهرُ

تسائلني: منْ أنتَ ؟، وهي عليمة ٌ

وَهَلْ بِفَتى ً مِثْلي عَلى حَالِهِ نُكرُ؟

فقلتُ، كما شاءتْ، وشاءَ لها الهوى:

قَتِيلُكِ! قالَتْ: أيّهُمْ؟ فهُمُ كُثرُ

فقلتُ لها: " لو شئتِ لمْ تتعنتي

وَلمْ تَسألي عَني وَعِنْدَكِ بي خُبرُ!

فقالتْ: " لقد أزرى بكَ الدهرُ بعدنا!

فقلتُ: "معاذَ اللهِ! بلْ أنت لاِ الدهرُ

وَما كانَ للأحزَانِ، لَوْلاكِ، مَسلَكٌ

إلى القلبِ؛ لكنَّ الهوى للبلى جسرُ

وَتَهْلِكُ بَينَ الهَزْلِ والجِدّ مُهجَة ٌ

إذا مَا عَداها البَينُ عَذّبَها الهَجْرُ

فأيقنتُ أنْ لا عزَّ، بعدي، لعاشقٍ

وَأنُّ يَدِي مِمّا عَلِقْتُ بِهِ صِفْرُ

وقلبتُ أمري لا أرى لي راحة ً

إذا البَينُ أنْسَاني ألَحّ بيَ الهَجْرُ

فَعُدْتُ إلى حكمِ الزّمانِ وَحكمِها

لَهَا الذّنْبُ لا تُجْزَى به وَليَ العُذْرُ

كَأني أُنَادي دُونَ مَيْثَاءَ ظَبْيَة ً

على شرفٍ ظمياءَ جللها الذعرُ

تجفَّلُ حيناً، ثم تدنو كأنما

تنادي طلا بالوادِ أعجزهُ الحضرُ

فلا تنكريني، يابنة َ العمِّ، إنهُ

ليَعرِفُ مَن أنكَرْتِهِ البَدْوُ وَالحَضْرُ

ولا تنكريني، إنني غيرُ منكرٍ

إذا زلتِ الأقدامِ واستنزلَ النضرُ

وإني لجرارٌ لكلِّ كتيبة ٍ

معودة ٍ أنْ لا يخلَّ بها النصرُ

و إني لنزالٌ بكلِّ مخوفة ٍ

كثيرٌ إلى نزالها النظرُ الشزرُ

فَأَظمأُ حتى تَرْتَوي البِيضُ وَالقَنَا

وَأسْغَبُ حتى يَشبَعَ الذّئبُ وَالنّسرُ

وَلا أُصْبِحُ الحَيَّ الخَلُوفَ بِغَارَة ٍ

وَلا الجَيشَ مَا لمْ تأتِه قَبليَ النُّذْرُ

وَيا رُبّ دَارٍ، لمْ تَخَفْني، مَنِيعَة ٍ

طلعتُ عليها بالردى، أنا والفجرُ

و حيّ ٍرددتُ الخيلَ حتى ملكتهُ

هزيماً وردتني البراقعُ والخمرُ

وَسَاحِبَة ِ الأذْيالِ نَحوي، لَقِيتُهَا

فلمْ يلقها جهمُ اللقاءِ، ولا وعرُ

وَهَبْتُ لهَا مَا حَازَهُ الجَيشُ كُلَّهُ

ورحتُ، ولمْ يكشفْ لأثوابها سترُ

ولا راحَ يطغيني بأثوابهِ الغنى

ولا باتَ يثنيني عن الكرمِ الفقر

وما حاجتي بالمالِ أبغي وفورهُ ؟

إذا لم أفِرْ عِرْضِي فَلا وَفَرَ الوَفْرُ

أسرتُ وما صحبي بعزلٍ، لدى الوغى

ولا فرسي مهرٌ، ولا ربهُ غمرُ !

و لكنْ إذا حمَّ القضاءُ على أمرىء ٍ

فليسَ لهُ برٌّ يقيهِ، ولا بحرُ !

وقالَ أصيحابي: " الفرارُ أوالردى ؟ "

فقُلتُ: هُمَا أمرَانِ، أحلاهُما مُرّ

وَلَكِنّني أمْضِي لِمَا لا يَعِيبُني،

وَحَسبُكَ من أمرَينِ خَيرُهما الأسْرُ

يقولونَ لي: "بعتَ السلامة َ بالردى"

فَقُلْتُ: أمَا وَالله، مَا نَالَني خُسْرُ

وهلْ يتجافى عني الموتُ ساعة ً

إذَا مَا تَجَافَى عَنيَ الأسْرُ وَالضّرّ؟

هُوَ المَوْتُ، فاختَرْ ما عَلا لك ذِكْرُه،

فلمْ يمتِ الإنسانُ ما حييَ الذكرُ

ولا خيرَ في دفعِ الردى بمذلة ٍ

كما ردها، يوماً بسوءتهِ "عمرو"

يمنونَ أنْ خلوا ثيابي ، وإنما

عليَّ ثيابٌ، من دمائهمُ حمرُ

وقائم سيفي، فيهمُ، اندقَّ نصلهُ

وَأعقابُ رُمحٍ فيهِمُ حُطّمَ الصّدرُ

سَيَذْكُرُني قَوْمي إذا جَدّ جدّهُمْ،

(وفي الليلة ِ الظلماءِ ، يفتقدُ البدرُ)

فإنْ عِشْتُ فَالطّعْنُ الذي يَعْرِفُونَه

وتلكَ القنا، والبيضُ والضمرُ الشقرُ

وَإنْ مُتّ فالإنْسَانُ لا بُدّ مَيّتٌ

وَإنْ طَالَتِ الأيّامُ، وَانْفَسَحَ العمرُ

ولوْ سدَّ غيري، ما سددتُ، اكتفوا بهِ

وما كانَ يغلو التبرُ، لو نفقَ الصفرُ

وَنَحْنُ أُنَاسٌ، لا تَوَسُّطَ عِنْدَنَا،

لَنَا الصّدرُ، دُونَ العالَمينَ، أو القَبرُ

تَهُونُ عَلَيْنَا في المَعَالي نُفُوسُنَا

ومنْ خطبَ الحسناءَ لمْ يغلها المهرُ

أعزُّ بني الدنيا، وأعلى ذوي العلا،

وَأكرَمُ مَن فَوقَ الترَابِ وَلا فَخْرُ

أوصيك بالحزن

أوصيكَ بالحزنِ، لا أوصيكَ بالجلدِ

جلَّ المصابُ عن التعنيفِ والفندِ

إني أجلكَ أن تكفى بتعزية ٍ

عَنْ خَيرِ مُفْتَقَدٍ، يا خَيرَ مُفتقِدِ

هيَ الرّزِيّة ُ إنْ ضَنّتْ بِمَا مَلَكَتْ

منها الجفونُ فما تسخو على أحدِ

بي مثلُ ما بكَ منْ جزنٍ ومنْ جزعٍ

وَقَدْ لجَأتُ إلى صَبرٍ، فَلَمُ أجِدِ

لمْ يَنْتَقِصْنيَ بُعدي عَنْكَ من حُزُنٍ،

هيَ المواساة ُ في قربٍ وفي بعدِ

لأشركنكَ في اللأواءِ إنْ طرقتْ

كما شركتكَ في النعماءِ والرغدِ

أبكي بدَمعٍ لَهُ من حسرَتي مَدَدٌ،

وَأسْتَرِيحُ إلى صَبْرٍ بِلا مَدَدِ

وَلا أُسَوِّغُ نَفْسي فَرْحَة ً أبَداً،

وقدْ عرفتُ الذي تلقاهُ منْ كمدِ

وأمنعُ النومَ عيني أنْ يلمَّ بها

عِلْمَاً بإنّكَ مَوْقُوفٌ عَلى السُّهُدِ

يا مُفْرَداً بَاتَ يَبكي لا مُعِينَ لَهُ،

أعانَكَ اللَّهُ بِالتّسْلِيمِ والجَلَدِ

هَذا الأسِيرُ المُبَقّى لا فِدَاءَ لَهُ

يَفديكَ بالنّفسِ والأَهْلينَ وَالوَلَدِ

أما يردع الموت أهل النوى

أما يردعُ الموتُ أهلَ النهى

وَيَمْنَعُ عَنْ غَيّهِ مَنْ غَوَى !

أمَا عَالِمٌ، عَارِفٌ بالزّمانِ

يروحُ ويغدو قصيرَ الخطا

فَيَا لاهِياً، آمِناً، وَالحِمَامُ

إليهِ سريعٌ ، قريبُ المدى

يُسَرّ بِشَيْءٍ كَأَنْ قَدْ مَضَى ،

ويأمنُ شيئاً كأنْ قد أتى

إذا مَا مَرَرْتَ بِأهْلِ القُبُورِ

تيقنتَ أنكَ منهمْ غدا

و أنَّ العزيزَ، بها، والذليلَ

سَوَاءٌ إذا أُسْلِمَا لِلْبِلَى

غَرِيبَيْنِ، مَا لَهُمَا مُؤنِسٌ،

وَحِيدَيْنِ، تَحْتَ طِبَاقِ الثّرَى

فلا أملٌ غيرُ عفوِ الإلهِ

وَلا عَمَلٌ غَيْرُ مَا قَدْ مَضَى

فَإنْ كَانَ خَيْراً فَخَيْراً تَنَالُ؛

وإنْ كانَ شراً فشراً يرى

أراني وقومي

أرَاني وَقَوْمي فَرّقَتْنَا مَذَاهِبُ،

وإنْ جمعتنا في الأصولِ المناسبُ

فأقْصَاهُمُ أقْصَاهُمُ مِنْ مَسَاءتي،

وَأقْرَبُهُمْ مِمّا كَرِهْتُ الأقَارِبُ

غَرِيبٌ وَأهْلي حَيْثُ مَا كانَ ناظِري

وَحِيدٌ وَحَوْلي مِن رِجالي عَصَائِبُ

نسيبكَ منْ ناسبتَ بالودِّ قلبهُ

وجاركَ منْ صافيتهُ لا المصاقبُ

و أعظمُ أعداءِ الرجالِ ثقاتها

وأهونُ منْ عاديتهُ منْ تحاربُ

وَشَرّ عَدُوّيْكَ الّذي لا تُحَارِبُ،

وخيرُ خليليكَ الذي لا تناسبُ

لقد زدتُ بالأيامِ والناسِ خبرة ً

وجربتُ حتى هذبتني التجاربُ

وَما الذّنبُ إلاّ العَجزُ يَرْكبُهُ الفَتى،

وما ذنبهُ إنْ طارتهُ المطالبُ

وَمَن كان غَيرَ السّيفِ كافِلُ رِزْقِهِ

فللذلِ منهُ لا محالة َ جانبُ

وَمَا أُنْسُ دارٍ لَيْسَ فِيهَا مُؤانِسٌ،

وما قربُ قومٍ ليسَ فيهمْ مقاربُ ‍!؟

أبيتُ كأنّي للصبابة صاحب

أبِيتُ كَأني لِلصَّبَابَة ِ صَاحِبُ،

وللنومِ مذْ بانَ الخليطُ، مجانبُ

وَمَا أدّعِي أنّ الخُطُوبَ تُخِيفُني

لَقَدْ خَبّرَتْني بِالفِرَاقِ النّوَاعِبُ

ولكنني ما زلتُ أرجو وأتقي

وَجَدَّ وَشِيكُ البَيْنِ وَالقَلْبُ لاعِبُ

وما هذهِ في الحبِّ أولَ مرة ٍ

أسَاءَتْ إلى قَلبي الظّنُونُ الكَوَاذِبُ

عليَّ لربعِ " العامرية " وقفة ٌ

تُمِلّ عَليّ الشّوْقَ وَالدّمعُ كاتِبُ

فلا، وأبي العشاقِ، ما أنا عاشقٌ

إذا هيَ لَمْ تَلْعَبْ بِصَبرِي المَلاعِبُ

ومنْ مذهبي حبُّ الديارِ لأهلها

وَللنّاسِ فِيمَا يَعْشَقُونَ مَذَاهِبُ

عتادي لدفعِ الهمِّ نفسٌ أبية ٌ

وَقَلبٌ على مَا شِئتُ مِنْهُ مُصَاحِبُ

حَسُودٌ عَلى الأمرِ الذي هُوَ عَائِبُ

وَخُوصٌ كأمْثَالِ القِسِيّ نَجَائِبُ

تكاثرَ لوامي على ما أصابني

كأنْ لم تنبْ إلا بأسري النوائبُ

يقولونَ: " لمْ ينظرْعواقبَ أمرهِ "

ومثلي منْ تجري عليهٍِ العواقبُ

ألألمْ يعلمِ الذلانُ أنَّ بني الوغى

كَذاكَ، سَليبٌ بِالرّمَاحِ وَسَالِبُ

أرى ملءَ عيني الردى فأخوضهُ

إذِ المَوْتُ قُدّامي وَخَلْفي المَعَايِبُ

وَإنّ وَرَاءَ الحَزْمِ فِيهَا وَدُونَهُ

مَوَاقِفَ تُنْسَى دُونَهُنّ التّجَارِبُ

وأعلمُ قوماً لو تتعتعتُ دونها

لأجهَضَني بالذّمّ مِنهُمْ عَصَائِبُ

و مضطغنٍ لمْ يحملِ السرَّ قلبهُ

تَلَفّتَ ثمّ اغْتَابَني، وَهوَ هَائِبُ

تردى رداءَ الذلِّ لمَّـا لقيتهُ

كما تتردى بالغبارِ العناكبُ

ومنْ شرفي أنْ لا يزالَ يعيبني

حسودٌ على الأمرِ الذي هوَ عاتبُ

رَمَتْني عُيُونُ النّاسِ حَتّى أظُنّهَا

ستحسدني، في الحاسدينًَ، الكواكبُ

فَلَسْتُ أرَى إلاّ عَدُوّاً مُحارباً،

وآخرَ خيرُ منهُ عندي المحاربُ

وَيَرْجُونَ إدْرَاكَ العُلا بِنُفُوسِهِمْ

وَلَمْ يَعْلَمُوا أنّ المَعَالي مَوَاهِبُ

فكمْ يطفئونَ المجدَ واللهُ موقدٌ

وَكَمْ يَنْقُصُونَ الفَضْلَ وَاللَّهُ وَاهبُ

وهلْ يدفعُ الإنسانُ ما هوَ واقعٌ

وَهَلْ يَعْلَمُ الإنسانُ ما هوَ كاسِبُ؟

وهلْ لقضاءِ اللهِ في الخلقِ غالبٌ

وهلْ لقضاءِ اللهِ في الخلقِ هاربُ؟

وهلْ يرتجي للأمرِ إلا َّرجالهُ

وَيأتي بصَوْبِ المُزْنِ إلاّ السّحائِبُ!؟

وعنديَ صدقُ الضربِ في كلِّ معركٍ

وليسَ عليَّ إنْ نبونَ المضاربِ

إذا كانَ "سيفُ الدولة ِ" الملكُ كافلي

فلا الحَزْمُ مَغلوبٌ ولا الخصْمُ غالِبُ

إذا اللَّهُ لَمْ يَحْرُزْكَ مِمّا تَخَافُهُ،

عَليّ لِسَيْفِ الدّولَة ِ القَرْمِ أنْعُمٌ

وَلا سَابِقٌ مِمَّا تَخَيّلْتَ سَابِقٌ،

ولاَ صاحبٌ مما تخيرتَ صاحبُ

أأجْحَدُهُ إحْسَانَهُ فيّ، إنّني

لكافرُ نعمى، إنْ فعلتُ، مواربُ

لَعَلّ القَوَافي عُقْنَ عَمّا أرَدْتُهُ،

فلا القولُ مردودٌ ولا العذرُ ناضبُ

و لا شكَّ قلبي ساعة ً في اعتقادهِ

وَلا شَابَ ظَني قَطّ فِيهِ الشّوَائِبُ

تُؤرّقُني ذِكْرَى لَهُ وَصَبَابَة ٌ،

وَتَجْذُبُني شَوْقاً إلَيْهِ الجَوَاذِبُ

وَلي أدْمُعٌ طَوْعَى إذا مَا أمَرْتُها،

وَهُنّ عَوَاصٍ في هَوَاهُ، غَوَالِبُ

فلا تخشَ " سيفَ الدولة ِ" القرمَ أنني

سِوَاكَ إلى خَلْقٍ مِنَ النّاسِ رَاغبُ

فلا تُلبَسُ النّعمَى وَغَيرُكَ مُلبِسٌ،

وَلا تُقْبَلُ الدنيَا وَغَيرُكَ وَاهِبُ

وَلا أنَا، مِنْ كُلّ المَطاعِمِ، طَاعِمٌ

وَلا أنَا، مِنْ كُلّ المَشَارِبِ، شَارِبُ

وَلاَ أنَا رَاضٍ إنْ كَثُرْنَ مكاسِبي،

إذا لمْ تكنْ بالعزِّ تلكَ المكاسبُ

و لا السيدُ القمقامُ عندي بسيدٍ

إذا اسْتَنْزَلَتْهُ عَن عُلاهُ الرّغَائِبُ

أيَعْلَمُ مَا نَلْقَى ؟ نَعَمْ يَعْلَمُونَهُ

على النأيِ أحبابٌ لنا وحبائبُ

أأبْقَى أخي دَمْعاً، أذاقَ كَرى ً أخي؟

أآبَ أخي بعدي، منَ الصبرِآئبُ؟

بنَفسِي وَإنْ لمْ أرْضَ نَفسِي لَرَاكِبٌ

يُسَائِلُ عَني كُلّمَا لاحَ رَاكِبُ

قريحُ مجاري الدمعِ مستلبُ الكرى

يُقَلْقِلُهُ هَمٌّ مِنَ الشوْقِ نَاصِبُ

أخي لا يُذِقْني الله فِقْدَانَ مِثْلِهِ!

وأينَ لهُ مثلٌ، وأينَ المقاربُ؟

تَجَاوَزَتِ القُرْبَى المَوَدّة ُ بَيْنَنَا،

فأصْبَحَ أدْنَى مَا يُعَدّ المُنَاسِبُ

ألا لَيْتَني حُمّلْتُ هَمّي وَهَمّهُ،

وَأنّ أخي نَاءٍ عَنِ الهَمّ عَازبُ

فَمَنْ لمْ يَجُدْ بالنّفسِ دون حبيبِهِ

فما هوَ إلاَّ ماذقُ الودِّ كاذبُ

أتَاني، مَعَ الرُّكْبَانِ، أنّكَ جَازِعٌ،

وَغَيرُكَ يَخْفَى عَنْهُ لله واجِبُ

وَمَا أنْتَ مِمّنْ يُسْخِطُ الله فِعلُهُ

وإن أخذتْ منكَ الخطوبُ السوالبُ

وَإني لَمِجْزَاعٌ، خَلا أنّ عَزْمَة ً

تدافعُ عني حسرة ً وتغالبُ

و رقبة َ حسادٍ صبرتُ لوقعها

لها جانبٌ مني وللحربِ جانبُ

فكمْ منْ حزينٍ مثلَ حزني ووالهٍ

ولكنني وحدي الحزينُ المراقبُ

ولستُ ملوماً إنْ بكيتكَ منْ دمي

إذا قعدتْ عني الدموعُ السواكبُ

ألا ليتَ شعري هلْ أبيتنَّ ليلة ً

تناقلُ بي فيها إليكَ الركائبُ؟

5شعر عربي
مزيد من المشاركات
كيف أهيئ نفسي للحمل

كيف أهيئ نفسي للحمل

الحمل يعتبر الحمل من أهم المشاريع التي يخطط لها الزوجان بعد زواجهما مباشرةً، أو بفترةٍ قصيرةٍ، وحتى يكون المشروع ناجحاً يجب التخطيط له بشكلٍ جيدٍ، حاله كحال أيّ مشروعٍ آخر، فالحمل يحتاج لتخطيطٍ مسبقٍ، وتهيئةٍ واستعدادٍ تام حتى يمرّ على الأم بخيرٍ، ولا تعاني من أي مشاكل تهددها وتهدد صحة جنينها، وفي هذه المقالة سنتعرف على كيفية تهيئة النفس والجسم للحمل. كيفية تهيئة الجسم للحمل التخطيط للحمل أسلوبٌ صحيٌّ يعطي نتائج إيجابيةً للأم ولجنينها، كما أنّه يساعدها على الابتعاد عن العادات السيّئة قبل
أكلات هندية شعبية

أكلات هندية شعبية

الفول بالكاري مدّة التحضير عشرون دقيقة مدّة الطهي ثلاثون دقيقة تكفي لِ أربعة أشخاص المكوّنات ملعقتان كبيرتان من الزبدة . خمس حبات من الهال الأسود المطحون قليلاً. عود من القرفة . حبتان من كبش القرنفل. بصلة كبيرة مقطعة ناعماً. ملعقة كبيرة من الزنجبيل الطازج المبشور. ملعقة كبيرة من الثوم المبشور. نصف حبة من الفلفل الأخضر الحار المفروم ناعماً. ملعقة صغيرة من كلٍ من: الشطة الكشميرية البودرة. الجارام ماسالا. بودرة ورق الحلبة. ثلاث ملاعق كبيرة من معجون الطماطم. مئتا ملليلتر من كريم دوبل أو كريمة
الأبراج بتاريخ الميلاد

الأبراج بتاريخ الميلاد

الأبراج بتاريخ الميلاد يُعتبر موضوع الأبراج من أكثر المواضيع التي يهتم بها الناس، لكونهم يشعرون بالمتعة في الاطلاع عليها، ولهذا نجد القليل من الأفراد لا يعرفون البرج الذي ينتمون إليه، ولكن في حال أراد الجميع التأكد من أبراجهم، ومعرفة بعض صفاتها، فبإمكانهم الاطلاع على الترتيب التالي للأبراج المرتبة حسب تاريخ الميلاد: الحمل (من 21/3 إلى 20/4): الإيجابيات: امتلاك الشجاعة، وعنصر التحدّي الذي يمكّنهم من المخاطرة في سبيل تحقيق النجاح، عن طريق المشاركة في التنافس مع الآخرين. السلبيات: الانفعال
طريقة عمل خضار سوتيه على البخار

طريقة عمل خضار سوتيه على البخار

الخضار على البخار يعتبر تحضير الخضار على البخار من الطرق الصحيّة جداً في الطبخ؛ حيث تحتفظ فيه الخضروات بجميع خصائصها، وفوائدها، ومحتواها من الفيتامينات والأملاح المعدنية، والمركّبات، والألياف الطبيعية، وحتى نكهتها وطعمها، وبالنسبة للأشخاص الذين يتبعون حميةً غذائيةً لتخفيف أوزانهم تعتبر هذه الطريقة في الطبخ مثاليةً جداً؛ لأننا لا نستهلك فيها كميّةً كبيرةً من الدهن أو الزيت، كما أنّها طريقة سهلة ومريحة، ولا تأخذ الكثير من الوقت والجهد. ويعتبر هذا الطبق خياراً ممتازاً للأشخاص الّذين يُعانون من
طريقة صبغ شعر بالبني الفاتح

طريقة صبغ شعر بالبني الفاتح

صبغ اللون البني الفاتح يعتبر اللون البني الفاتح من ألوان الصبغة الهادئة التي تمنح المرأة جاذبية من نوع خاص، فهو لون طبيعي، يليق على كافة ألوان البشرة، لذا نجد أنّ غالبية النساء يفضلن صبغه على بقية الألوان، كونه لون لا يحتاج لسحب لون، أو خطوات طويلة في الصبغة، إضافة لقدرته على تغطية الشيب بنسبة مئة في المئة، مما يمنح المرأة شعوراً بالشباب، والثقة بنفسها أكثر. ويمكن استخدام تدرجات اللون البني في تغطية عيوب الشعر، كالشعر المسحوب الذي تظهر فيه الألوان الانعكاسية المزعجة كاللون البرتقالي، والذهبي،
أورام الرحم الخبيثة

أورام الرحم الخبيثة

أنواع أورام الرحم الخبيثة يمكن تقسيم أورام الرحم الخبيثة كما يأتي: سرطان بطانة الرحم يُعدّ سرطان بطانة الرحم (بالإنجليزية: Endometrial cancer) من أكثر أنواع السرطانات التي تُصيب الجهاز التناسلي الأنثوي انتشاراً، كما يُعد من أكثر أنواع أورام الرحم الخبيثة انتشاراً، ويحدث سرطان بطانة الرحم عند نمو خلايا بطانة الرحم بمعدل غير طبيعي وبشكل خارج عن السيطرة، وتندرج تحت هذا النوع عدة أنواع فرعية تُقسّم بحسب شكل الخلايا المكونة لها تحت المجهر. الساركوما الرحمية تُعدّ الساركوما الرحمية (بالإنجليزية:
أمثلة على الرياء

أمثلة على الرياء

أمثلة على الرياء تعريف الرياء يعدّ الرياء من المعاصي الخفية، وهو كبيرةٌ من الكبائر ، لذا قد يُبتلى به المسلم وهو لا يشعر، والرياء في اللغة : يرجع إلى الجذر اللغوي رأى ومصدره الرؤية، والاسم منها الرياء بمعنى السمعة، وهو أن يتعمد الإنسان أن يرى الناس منه غير حقيقته، والفرق بين الرياء والسمعة أنّ الرياء يقصد به أن يراه الناس على خير، والسمعة يقصد بها أن يفعل الخير ليسمع الناس عنه. ويعرَّف الرياء في الاصطلاح بعدة تعريفات منها: طلب الدنيا وطلب الثناء من الناس. فعل العبادات لإرضاء الناس. طلب حمد
شعر جبران خليل جبران

شعر جبران خليل جبران

شعر جبران خليل جبران نبذة من قصيدة أعطني الناي الخيرُ في الناسِ مصنوعٌ إذا جُبروا والشرُّ في الناسِ لا يفنى وإِن قُبروا وأكثرُ الناسِ آلاتٌ تحركها أصابعُ الدهر يومًا ثم تنكسرُ فلا تقولنَّ هذا عالم علمٌ ولا تقولنَّ ذاك السيد الوَقُرُ فأفضل الناس قطعانٌ يسير بها صوت الرعاة ومن لم يمشِ يندثر ليس في الغابات راعٍ لا ولا فيها القطيعْ فالشتا يمشي ولكن لا يُجاريهِ الربيع خُلقَ الناس عبيدًا للذي يأْبى الخضوعْ فإذا ما هبَّ يومًا سائرًا سار الجميعْ أعطني النايَ وغن فالغنا يرعى العقولْ وأنينُ الناي أبقى