كيفية اداء سجدة الشكر
كيفية أداء سجدة الشكر
يكون سجود الشكر بأداء سجدة واحدة لا سجدتين كما في الصلاة، وتكون من دون ركوع ولا غيره من أركان الصلاة، بحيث لا تكون هذه السجدة داخلة في سجدات إحدى الصلوات التي يؤدّيها المصلي، وإنما تكون من السجدات التي هي خارج الصلاة، وتكون هذه السجدة من دون تكبير ولا تسليم، وإنما هي مجرد السجود فحسب.
ومسألة شروط سجود الشكر وهل يشترط لها شروط الصلاة أما لا من المسائل التي تعدّدت وجهات النظر فيها عند الفقهاء المسلمين، ولفقهاء المسلمين في هذه المسألة رأيان اثنان، وهما:
- يشترط لسجود الشكر شروط الصلاة
ذهب بعض الفقهاء إلى أنه يشترط لسجود الشكر شروط الصلاة المكتوبة، أو شروط الصلاة المسنونة ذاتها؛ من طهارة تامة؛ طهارة الحدث الأكبر، وطهارة الحدث الأصغر، ويشترط لها استقبال القبلة، وستر للعورة.
وغير ذلك من الشروط الواجب توافرها من أجل القيام بالصلاة، وهذا الرأي هو رأي بعض من أجاز سجود الشكر من فقهاء المالكية، وهو رأي الفقهاء في المذهب الشافعي، وكذلك هو رأي الفقهاء في المذهب الحنبلي.
- لا يشترط لسجود الشكر شروط الصلاة
يرى بعض الفقهاء أنه لا يشترط لسجود الشكر شروط الصلاة، وإنما تجوز سجدة الشكر دون تحقق شيء من الشروط السابقة، أو غيرها من شروط الصلاة، وهذا الرأي هو رأي بعض من يقول بمشروعية سجود الشكر من المالكية، واختار هذا الرأي شيخ الإسلام ابن تيمية من فقهاء الحنابلة.
متى تؤدى سجدة الشكر
تستحب سجدة الشكر في الحالتين التاليتين:
- عن البشائر والفرح
يستحب سجود الشكر في حالات حدوث الفرح، وفي البشرى ببشائر يحبّها الإنسان، على الصعيدين الديني والدنيوي؛ كمن يُبشّر بفتح بلد من البلدان، أو بإسلام قوم من الأقوام، أو يفرح لنفسه أو لشخص يحبه؛ مثل حصوله على وظيفة، أو مولود يسرّ به، أو نجاح، أو أي أمر يُدخل على قلبه السعادة.
- عند زوال الضرر
يستحب سجود الشكر في حالات رفع الحرج والضرر والمكروه، وهذا أيضاً على الصعيدين الديني والدنيوي؛ كانحسار العدو، أو انهزامه وخروجه من بلد من بلدان المسلمين، أو رفع البلاء عن المسلمين، أو السماح بالصلاة في المساجد.
ومثل فتح مراكز التحفيظ في البلاد التي يحظر فيها تلاوة القرآن، أو رفع البلاء الدنيوي عن الرجل أو عمن يخصه؛ كبراءة السجين، والعفو عن الدين، وشفاء المريض، أو أي ضرر من الأضرار التي تزول عن الرجل، أو عن شخص يخصه ويحبه.
ما يُقال في سجود الشكر
يُقال في سجود الشكر ما يُقال في سجود الصلوات المفروضة، أو ما يقال في سجود الصلوات المسنونة من التسبيح لله -تعالى-، كأن يقول: سبحان الله، سبحان العظيم، وغير ذلك، قال ابن باز: "ويحمد الله، ويثني عليه، ويشكره على ما من به عليه؛ من صحة، أو ولد، أو نصر للإسلام، أو فتح للمسلمين، أو نحو ذلك، مما يسرّه، أو يسرّ المسلمين".
حكم سجود الشكر
للفقهاء في هذه المسألة آراء، وهي كما يأتي:
- إن حكم سجود الشكر مستحب
وهذا هو قول جمهور أهل العلم من الشافعية والحنابلة والحنفية وبعض المالكية.
- إن حكم سجدة الشكر الكراهة
ومعنى الكراهة؛ أي إنها ليست من السنن، وهذا هو القول الأشهر عند المالكية، ونقل عن الحنفية.
- حكم سجود الشكر حرام
وهذا القول وارد عند بعض المالكية.
أدلة القائلين بعدم الاستحباب
استدلّ القائلين بعدم استحباب سجود الشكر بما يأتي:
- لم يرد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولو ورد عنه لنقله عنه أصحابه -رضوان الله عليهم-.
- إن السجدة الواحدة ليست بقربة يتقرب العبد بها إلى ربه إلا في سجود الشكر.
- إن نعم الله -تعالى- كثيرة غير منقطعة، ولو أراد المسلم أن يشكر الله على نعمه لما رفع رأسه من السجود؛ لوفرة نعم الله -تعالى- عليه.
- إن نبي الله داود -عليه السلام- لما شكر الله -تعالى- لم يسجد، وإنما ركع ركوعاً، وذلك من قول الله -تعالى-: (وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ)، فذكرت الآية الركوع؛ و هذا يعني أن الشكر لا يكون إلا بصلاة تامة ؛ أي بركعتين كاملتين.
أدلة القائلين باستحباب سجود الشّكر
استدلّ القائلين باستحباب سجود الشكر بما يأتي:
- قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)
وجه الدلالة من الآية: قال الإمام ابن حزم: "سجود الشكر حسن، إذا وردت لله تعالى على المرء نعمة فيستحب له السجود، لأن السجود فعل خير".
- قال الله -تعالى-: (وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ)
وجه الدلالة من الآية: إن الركوع يأتي بمعنى السجود، والذي جعل داود -عليه السلام- يسجد هو فرحه بالتوبة، وقبول الله ذلك منه، فسجد شكرا لله -تعالى-.
- (بعَثَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خالدَ بنَ الوليدِ إلى اليمنِ يَدعوهم إلى الإسلامِ، فذَكَر الحديثَ في بعثِه عليًّا، وإقفاله خالدًا، ثم في إسلامِ هَمْدان، قال: فكتَب عليٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْه إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بإسلامِهم، فلمَّا قرأَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الكتابَ خرَّ ساجدًا، ثم رفَع رأسَه، فقال: السَّلامُ على هَمْدان، السَّلامُ على هَمْدان)
وجه الدلالة من الحديث هي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يسجد لحدوث النعم والخير.
- عن كعب بن مالك قال: (فبَيْنا أنا جالسٌ على الحالِ التي ذَكَر اللهُ؛ قد ضاقتْ عليَّ نفْسي، وضاقتْ عليَّ الأرضُ بما رَحُبتْ، سمعتُ صوتَ صارخٍ، أَوْفَى على جبلِ سَلْعٍ بأَعْلى صوتِه: يا كعبُ بنَ مالكٍ، أَبْشِر، قال: فخررتُ ساجدًا، وعرفتُ أنْ قد جاء فرَجٌ، وآذنَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بتوبةِ اللهِ علينا حين صَلَّى صلاةَ الفجرِ، فذَهَبَ الناسُ يُبشِّرونَنا)
وجه الدلالة من الحديث: قال ابن حجر: "وفيها مشروعية سجود الشكر، والاستباق إلى البشارة بالخير".