كيف يكون الإسراف في المال في الإسلام؟
كيف يكون الإسراف في المال في الإسلام؟
مفهوم الإسراف في المال
يُطلق الإسراف في اللغة على تجاوز الحدّ، وعرّفه الجرجاني فقال: هو تجاوز الحدّ في النفقة، وفي الاصطلاح الشرعي؛ هو تجاوز الحدّ في الكمية المقررة، وجهل بالمقادير اللازمة.
وإذا تمّ تخصيص الإسراف وجعله في المال؛ فهو إنفاقه في وجه من وجوه الحرام، وقيل هو إنفاق المال في ناحية من غير الحاجة، كما قيل أنّه ما يكون من الإنفاق الزائد في غير ما يعود على صاحبه بالنفع، حتى يصير الإنفاق إهداراً للمال، ويعدّ الإنفاق في المعاصي أشدّ إثماً من الإسراف.
أوجه الإسراف في المال
يُقسم الإسراف في المال من حيث الجهة التي يكون فيها إلى العديد من الأقسام، وذلك على النحو الآتي:
- الإسراف في الشر
ويعتبر من الصفات التي ذمّها الله -تعالى-؛ ويشمل هذا الإسراف ما كان في المال وما كان في غيره، وسواء كان الإسراف قليلاً أم كثيراً، فقال -تعالى-: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) .
وقد يكون هذا الإسراف في مجال الطاعات؛ من الإسراف في العقائد، أو العبادات، أو المعاملات، أو العقائد، ومنه كذلك الشرك والكفر ، والإلحاد، ومنه كبائر الذنوب والمعاصي؛ كالزنا، والسرقة، وشرب الخمر.
ومنه ترك ما أوجب الله على عباده؛ كالصلاة، والصيام، والزكاة، والحج، ويشمل كذلك ما في إصرار على صغائر الذنوب، وفيما يتعلق بالإنفاق فهو الإنفاق في معصية الله، كما قال -تعالى-: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا)، ويتبعه الإنفاق في المكروهات كذلك.
- الإسراف في الخير
وهو تعدّي الحدّ الذي وضعته الشريعة وحددته لما يعتبر من الابتداع في الدين؛ لقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (مَن عَمِلَ عَمَلًا ليسَ عليه أمْرُنا فَهو رَدٌّ)، وقد ذكر الإمام الشاطبي -رحمه الله- أنّ العلماء عدّوا هذا الحديث ثلث الإسلام.
وذلك لأنّه شمل كل ما فيه مخالف لما أخبر عنه رسول الله، وتشمل هذه المخالف ما إن كان بدعة أم معصية. أمّا إن كان غير محدد في الشريعة بعدد معين فالزياد فيه من الخير، وذلك مثل التطوع في الصلاة والصيام.
- الإسراف في المباحات
وقد عرّف علماء أصول الفقه المباحات بأنها ما خيّر الشرع فيه بين الفعل والترك، ولم يرد فيه مدح ولا ذمّ، ويعدّ كل ما لم يرد فيما يتعلق بالإنفاق فيه حكم من الأمر أو النهي من المباحات، ويشمل ذلك العديد من الوجوه؛ كالإنفاق في المأكل، والمشرب، والمسكن، ووسيلة الركوب.
ويعدّ الإسراف على هذا الوجه من المباحات مما ذمّه الله -تعالى- فقال: (وَكُلوا وَاشرَبوا وَلا تُسرِفوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ المُسرِفينَ)، فقال ابن كثير -رحمه الله- في الآية؛ أي ينفقون فيما أباح الله لهم من الأكل والشرب، فلا يتجاوزون الحدّ، ولا يمتنعون من الإنفاق؛ بل يتوسطون في ذلك.