كيف يرضى الله عني
رضا الله تعالى
لا شكّ أنّ غاية كلّ إنسانٍ مسلمٍ عرف ربّه تعالى؛ أنْ يحقّق رضاه وحبّه، ويعيش في ظلال ذلك طوال عمره، وإنّ مَن نال ذلك الفضل العظيم نال معه ثمراتٍ يتذوق حلاوتها في أيّامه، فإنّ مَن رضي الله -تعالى- عنه أسعده وأرضاه، حتى وإن ابتلاه؛ فكما قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (عجباً لأمر المؤمن؛ إنّ أمره كلّه خيرٌ، وليس ذاك لأحدٍ إلّا للمؤمن، إن أصابته سرّاءُ شكر، فكان خيراً له، وإنْ أصابته ضرّاءُ صبر، فكان خيراً له)، وقد خصّص النبيّ -صلّى الله عليه و سلّم- أنْ ذلك الحال لا يكون إلّا للمؤمن؛ لأنّ المؤمن قد اتصل بربّه، وأوكل أمره إليه فرضي الله عنه وأرضاه، فمرّت فيه الظروف؛ إمّا خيراً شكر الله -تعالى- عليه، وإمّا مكروهاً صبر وانتظر الأجر والعِوض من الله تعالى.
والرّضا كما جاء في مدارج السّالكين لابن القيّم هو باب الله الأعظم، وجنّة الدنيا، ومستراح العارفين، وحياة المحبّين، ونعيم العابدين، وقُرّة عيون المشتاقين، ويكسب المسلم هذا الرضا وجميل أثره بالطّاعات والعبادات، والإكثار من التذلّل والخضوع بين يديّ الله سبحانه، والاعتراف بجميل صنعه وفيض عطائه، وقد ورد في القرآن الكريم ذكر رضا الله -تعالى- عن العبد، وربطها برضا العبد عن ربّه وحاله المتقلّب فيها في الدنيا، قال الله تعالى: (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ).
كيفيّة نيل رضا الله
ذكر الله -تعالى- في كتابه الكريم مجموعةً من الصفات التي إنْ تحلّى بها المسلم فاز برضا الله تعالى، ولقد ربط الله -تعالى- في القرآن الكريم بين محبّته لعبده وبين إغداق رضاه عليه، وفيما يأتي ذكرٌ لصفاتٍ يحبّها الله -تعالى- في عباده، جاء ذكرها في آياتٍ كريمةٍ، وأخرى ربط الله تؤكّد حبّ الله -تعالى- لمن اتصف بتلك الصفات:
- موالاة المؤمنين، فالله -تعالى- يرضى لعبده المؤمن أن يكون موالياً للمؤمنين في الشّدة والرخاء، وأن يتبرّأ من الكافرين؛ أعداء الله ودينه، فلا يُعينهم ولا ينصرهم على أخيه المؤمن؛ قال الله تعالى: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ).
- شكر النّعم والاعتراف بفضل الله سبحانه، قال الله تعالى: (وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ)، فالعبد بدوام شكر ربّه -سبحانه- يستحقّ نيل رضاه ومحبّته.
- الإيمان بالله وخشيته، والعمل الصالح بعمومه، قال الله -تعالى- في ذلك: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ*جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ).
- حُسن التوكل على الله تعالى، وإيكال الأمور كلّها إليه؛ ثقةً به وبحُسن تدبيره، فقد ذكر الله -سبحانه- في كتابه حبّه للمتوكلين عليه، حيث قال: (إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ).
- دوام الاتصال بالله سبحانه؛ وذلك بكثرة التوبة ، والإنابة، والتطهّر، استعداداً لأداء الطاعات والصلوات وما يحبّه الله ويرضى عنه، قال الله تعالى: (إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ).
- الابتعاد عن الأمور التي نهى الله -تعالى- عباده عنها، وقد جاء ذكر بعضها في القرآن الكريم مثل:
- المشي بين الناس فخراً بتكبّرٍ ؛ قال الله تعالى: (إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا).
- الخيانة والإثم؛ قال الله تعالى: (إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا).
- الإسراف وبذل الزيادة عن الحاجة في الإنفاق وسائر أمور الحياة، قال الله تعالى: (إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ).
علامات رضا الله عن العبد
إذا نال العبد رضا الله -تعالى- ومحبّته فإنّه سيرى أثر ذلك في حياته، ومن علامات رضا الله -تعالى- عن عبده:
- التوفيق والزيادة في الطاعات والإقبال عليها؛ ومن ذلك زيادة النوافل من الصلاة، والصيام، والصدقات، والحج، والعمرة.
- التوفيق للتوبة والإنابة، وكثرة الاستغفار، والله -تعالى- يحبّ التوابين كما ذكر في كتابه الكريم، فكان التوفيق للتوبة والاستغفار دليل محبّةٍ ورضا من الله -تعالى- على عبده، وفي ذلك قال الغزاليّ رحمه الله: (إذا أحبّه الله تاب عليه قبل الموت).
- حفظ الله -تعالى- لعبده من السقوط في الحرام والمعاصي، ويكون ذلك بترغيبه في الإقبال على الطاعات وبغضه للمحرّمات، قال -تعالى- في الحديث القدسيّ: (وما يزالُ عبدي يتقرَّبُ إليَّ بالنَّوافلِ حتَّى أُحبَّه، فإذا أحببتُه: كنتُ سمعَه الَّذي يسمَعُ به، وبصرَه الَّذي يُبصِرُ به، ويدَه الَّتي يبطِشُ بها، ورِجلَه الَّتي يمشي بها)، وفي ذلك توفيقاً للجوراح في إتيان الطاعات وترك المنكرات.
- كسب العبد حبّ الخلق ورضاهم عنه، فإذا رضي الله -تعالى- عن عبده حبّبه إلى خلقه، ووضع له الرضا بينهم؛ ففي الحديث قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (إذا أحَبَّ اللهُ العبدَ قال لجبريلَ: قد أحبَبْتُ فلاناً فأحِبَّه فيُحِبُّه جبريلُ ثمَّ يُنادي في أهلِ السَّماءِ: إنَّ اللهَ قد أحَبَّ فلاناً فأحِبُّوه فيُحِبُّه أهلُ السَّماءِ ثمَّ يوضَعُ له القَبولُ في الأرضِ).
- نُزول البلاء على العبد؛ فإذا أحبّ الله -تعالى- عبداً ابتلاه؛ وذلك لتكفير سيئاته ورفع درجاته، حتى يلقى الله -تعالى- يوم القيامة في أرفع الدرجات وأحسن المنازل، وفي ذلك قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (إذا أرادَ اللَّهُ بعبدِه الخيرَ عجَّلَ لَه العقوبةَ في الدُّنيا، وإذَا أرادَ اللَّهُ بعبدِه الشَّرَّ أمسَك عنهُ بذنبِه حتَّى يوافيَ بِه يومَ القيامة).