كيف نمحي الذنوب
مغفرة الذنوب
من رحمة الله -سبحانه وتعالى- بعباده أن شرع لهم أسباب الرحمة ، وجعل لهم طرقاً ووسائل يغفر بها ما ارتكبوه من ذنوبٍ وسيّئاتٍ، ومن رحمته بعباده المسلمين أن جعل لذنوبهم مكفّراتٍ مسقطةً لعقوبته أو مخففات لموجب سخطه، وقد وعد الله -سبحانه وتعالى- عباده المسلمين بأن يغفر لهم ذنوبهم وسيئاتهم التي ارتكبوها إن رجعوا عنها وفق شروط وضوابط حدّدها وبيّنها تعالى، فالمسلم بطبيعته البشرية مهما بلغ من التقوى والصلاح معرضٌ لأن يُخطئ ويُذنب ويُقصّر، لكنّ ذلك كلّه يزول إذا ما لجأ إلى الله نادماً تائباً، ومغفرة الذنوب ليست من الصعوبة بمكانٍ إذ يمكن لكلّ مسلمٍ أن يدرك تلك المنزلة إذا ما فعل ما دعاه الله لفعله لتُغفر ذنوبه، وقد شرع الله -سبحانه وتعالى- مجموعةً من الأمور التي من خلالها تُغفر ذنوب العباد صغيرها وعظيمها، وفي هذه المقالة سيتم بيان الأساليب والوسائل التي تيسّر للمسلم -بعد مشيئة الله- مغفرة ذنوبه ومحوها.
كيفيّة محو الذنوب
تعتبر الذنوب والمعاصي من الأمور الموجبة لسخط الله -سبحانه وتعالى- وعقابه، وقد دلت نصوص القرآن الكريم والسنّة النبويّة المطهَّرة على أنّ عقوبة الذنوب قد تزول عن العبد إن هو قام بجملةٍ من الأسباب أو أحدها، وفيما يأتي بيانٌ للكيفيّة التي يستطيع بها العبد أن يمحو بها ذنوبه وخطاياه:
- التوبة: تعتبر التوبة أول سببٍ من الأسباب التي تمحى بها الذنوب عن العبد، وهذا باتفاق علماء المسلمين ، ومصداق ذلك قول الله -سبحانه وتعالى- في سورة الزمر: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ* وَأَنِيبُوا إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ).
- الاستغفار: فقد جاء في الحديث النبويّ الشريف الذي يرويه الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه، أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال في الاستغفار : (إنَّ عبدًا أصاب ذنبًا، وربما قال: أذنب ذنبًا، فقال: ربِّ أذنبتُ، وربما قال: أصبتُ، فاغفِرْ لي، فقال ربُّه: أَعَلِمَ عبدي أنَّ له ربًّا يغفر الذنبَ ويأخذ به؟ غفرتُ لعبدي، ثم مكث ما شاء اللهُ ثم أصاب ذنبًا، أو أذنب ذنبًا، فقال: ربِّ أذنبتُ -أو أصبتُ- آخر فاغفِرْه؟ فقال: أَعَلِمَ عبدي أنَّ له ربًّا يغفر الذنبَ ويأخذ به؟ غفرتُ لعبدي، ثم مكث ما شاء اللهُ، ثم أذنب ذنبًا، وربما قال: أصاب ذنبًا، قال: ربِّ أصبتُ - أو قال: أذنبتُ آخرَ فاغفِرْه لي، فقال: أعَلِمَ عبدي أنَّ له ربًّا يغفر الذَّنبَ ويأخذُ به؟ غفرتُ لعبدي ثلاثًا، فليعملْ ما شاء)، فإذا أذنب العبد ثمّ استغفرّ، غفر الله ذنوبه وخطاياه كما أشار الحديث.
- فعل الحسنات الماحية للذنوب والمعاصي: حيث قال الله -سبحانه وتعالى- في كتابه: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ ۚ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ۚ ذَٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ)، وكما قال رسوله الكريم صلّى الله عليه وسلّم؛ تأكيداً لذات المعنى: (الصَّلواتُ الخمسُ والجمُعةُ إلى الجمعةِ ورمضانُ إلى رمضانَ مُكفِّراتٌ ما بينَهنَّ إذا اجتنَبَ الْكبائرَ)، فالحسنات تُذهب السيّئات، وفعل الطاعات يغفر المنكرات، ما لم يكن بينهنّ كبيرةٌ.
- دعاء المؤمنين للمؤمن: ومثال ذلك ما يحصل في أثناء الصلاة على جنازته بعد موته من الدعاء له بالمغفرة وتكفير الذنوب ونحو ذلك من الدعاء المحمود، كما أنّه روي أنّ أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (ما من ميِّتٍ تُصلِّي عليه أمَّةٌ من المسلمين يبلغون مائةً، كلُّهم يشفعون له، إلَّا شُفِّعوا فيه).
- أعمال البر التي تُفعل للميت: كالصدقة، والحجّ، والعتق، والولد الصالح الذي يدعو له بالمغفرة، وغير ذلك.
- شفاعة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: فالنبيّ يشفع في أهل الذنوب من أمّته يوم القيامة .
- المصائب: فإنّ بعض المصائب والكروب التي تُصيب العبد، يُكفّر الله -سبحانه وتعالى- بها الذنوب والخطايا في الدنيا.
- ما يحصل في القبر: فإنّ ما قد يحصل للعبد في القبر من فتنةٍ، وضغطةٍ، وروعةٍ؛ فكلُّ ذلك يخفف من ذنبه التي ارتكبها في الدنيا.
- أهوال يوم القيامة: فإنّ شدائد يوم القيامة وكربها قد تخفّف عن العبد شيئاً ممّا فعله في الدنيا.
- رحمة الله تعالى: فقد تحلّ على العبد رحمةٌ من الله تعالى ومغفرةٌ بكرمٍ ولطفٍ منه تعالى، لا سبب للعبد فيها.
معنى الذنوب
للذنوب في اللغة والاصطلاح عدّة معانٍ، وذلك بحسب موقعها من الجملة والمراد منها، وبيان تلك المعاني من الناحية اللغويّة والاصطلاحيّة على النحو الآتي:
- الذنوب في اللغة: جمع ذنب، والذَّنب بهذه الصياغة يُقصد به الخطيئة والمعصية، وأذنب الرجل يُذنب إذناباً؛ أي ارتكب معصيةً ، وهو مذنبٌ وذَنوب؛ أي كثير الذنوب، ويومٌ ذَنوب: كثير الشرور، وتكفير الذنوب يعني محوُها وإزالتها وكأن لم تُرتكب، ومنه كذلك؛ مغفرة الذنوب بمعنى التجاوز عنها، وسأل الرجل من الله مغفرة ذنوبه؛ أي طلب منه أن يمحوها عنه ويتجاوز عنها ويغفرها، ويُجمع الذَّنْب على ذُنوبٌ وجمع ذُنوب ذُنُوباتٌ.
- الذنوب في الاصطلاح: يمكن تعريف الذنوب في الاصطلاح الشرعي بأنّها؛ ترك العبد لما أمره الله -سبحانه وتعالى- به من المأمورات والواجبات، أو أن يفعل ما نهاه عنه الله -سبحانه وتعالى- من المحظورات، أو ترك فعل ما أوجبه الله -سبحانه وتعالى- وفرضه عليه من خلال كتابه أو على لسان نبيّه المصطفى صلّى الله عليه وسلّم، وارتكابه لما نهى عنه الله -سبحانه وتعالى- أو رسوله -صلّى الله عليه وسلّم- من الأقوال والأعمال الظاهرة منها والباطنة، قال الله -سبحانه وتعالى- في كتابه العزيز في هذا السياق: (وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ).