علامات المنافقين
علامات المنافقين
يقصد بالنّفاق هنا النّفاق الأصغر؛ وهو النّفاق العملي، وليس النّفاق الاعتقادي الذي يخرج صاحبه من الملّة والإيمان، وإنما يدّعي صاحبه أنّه طائعًا لله ورسوله، ولكنّه يقوم بأعمال حذّر رسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم- من القيام بها؛ لأنها تُعدُّ نفاقًا، ويستحق صاحبها الوعيد الذي وعد الله به.
قال الله تعالى: (وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّـهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّـهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا). وقد ذكر الرسول -صلى الله عليه وسلم- آيات وصفات ظاهرة تدلّ على النّفاق، ومن يقوم بها يُعدُّ منافقًا.
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أَرْبَعٌ مَن كُنَّ فيه كانَ مُنَافِقًا -أَوْ كَانَتْ فيه خَصْلَةٌ مِن أَرْبَعَةٍ كَانَتْ فيه خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ- حتَّى يَدَعَهَا: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وإذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وإذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وإذَا خَاصَمَ فَجَرَ)، وسنفصل هذه العلامات فيما يأتي:
الكذب في الحديث
إنّ أولى خصال المنافق الكذب ، وهي أن يحدّث الناس بحديث عارٍ عن الصّحة، وينتشر بين الناس، فيستحق العذاب بسببه، والكذب ليس على درجةٍ واحدةٍ وإن كانت كلّها محرمة وعليها عقاب، فأشدّ الكذب وأسوأه ما يكون على الله ورسوله، ويليها الكذب العام أو الخبر الكاذب الذي ينتشر بين الناس، ثم الكذب على أفراد الناس.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إلى البِرِّ، وإنَّ البِرَّ يَهْدِي إلى الجَنَّةِ، وإنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حتَّى يَكونَ صِدِّيقًا. وإنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إلى الفُجُورِ، وإنَّ الفُجُورَ يَهْدِي إلى النَّارِ، وإنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا).
إخلاف الوعد
إخلاف الوعد ثاني خصال المنافق، وذلك بأن يقوم إنسان بوعد غيره وفي نيّته وداخله عدم الوفاء بالوعد، وقد حثّنا الرسول صلى الله عليه وسلم على الصدق في الوعد وغرسه في نفوس المسلمين، ففي الحديث الآتي:
(أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قَالَ: آيَةُ المُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وإذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وإذَا وعَدَ أخْلَفَ)، وقال الله تعالى: (وَمِنهُم مَن عاهَدَ اللَّـهَ لَئِن آتانا مِن فَضلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكونَنَّ مِنَ الصّالِحينَ* فَلَمّا آتاهُم مِن فَضلِهِ بَخِلوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُم مُعرِضونَ* فَأَعقَبَهُم نِفاقًا في قُلوبِهِم إِلى يَومِ يَلقَونَهُ بِما أَخلَفُوا اللَّـهَ ما وَعَدوهُ وَبِما كانوا يَكذِبونَ).
خيانة الأمانة
وهي ثالث خصال المنافق، ويقصد بها غدر من ائتمن غيره على شيءٍ من ماله أو عرضه أو نفسه أو في سرٍ أسرّه له، ومن فرّط في الأمانة، وأفشى السّر وغدر، ونقض العهد؛ فقد اقترف كبيرة، واستحق حساب الله له، قال تعالى: (ضَرَبَ اللَّـهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّـهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ).
وذُكر أنّ الله -عز وجل- يغفر ذبوب من قُتل في سبيله جميعها إلا الأمانة، فيُسأل عنها يوم القيامة إن أدّاها أو لم يؤدّها فيعاقب بها، قال ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه: "القتلُ في سبيلِ اللهِ يُكفِّرُ الذُّنوبَ كلَّها إلَّا الأمانةَ، قالَ: يؤتَى بالعبدِ يومَ القيامةِ وإن قُتلَ في سبيلِ اللَّهِ، فيقالُ لَهُ: أدِّ أمانتَك، فيقولُ: أي ربِّ كيفَ وقد ذَهبتِ الدُّنيا؟ فيقالُ: انطلقوا بِهِ إلى الْهاويةِ، وتمثَّلُ لَهُ الأمانةُ كَهيئتِها يومَ دُفِعت إليْهِ، فيراها فيعرفُها، فيَهوي في أثرِها حتَّى يدرِكَها".
الفجور في الخصومة
الفجور في الخصومة هي الخصلة الرابعة من خصال المنافق، وهذه الخصلة قد تدخل في الخصلة الأولى التي تتحدث عن الكذب، وذلك إذا خاصم الرجل الآخر في أمرٍ من أمور الدّين أو الدنيا، وانتصر للباطل، وجعل السامع يصدّق أنّه على حقّ، مع أنه أظهر الحقّ بصورة الباطل، فيكون قد اقترف أمرًا حذّر منه النبيّ الكريم، ويُعدّ من أشد خصال النّفاق.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أبغض الرجال إلى الله الأَلَدُّ الخَصِم)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ، ولَعَلَّ بَعْضَكُمْ أنْ يَكونَ ألْحَنَ بحُجَّتِهِ مِن بَعْضٍ، فأقْضِيَ له علَى نَحْوٍ ممَّا أسْمَعُ منه، فمَن قَطَعْتُ له مِن حَقِّ أخِيهِ شيئًا، فلا يَأْخُذْهُ، فإنَّما أقْطَعُ له به قِطْعَةً مِنَ النَّارِ).