كيف رفع الله عيسى الى السماء
كيف رفع الله عيسى عليه السلام
كانت كيفية رفع عيسى -عليه السلام- إلى السماء بعد أن ألقى الله -تعالى- عليه النوم، حيث قال الله -تعالى-: (إِذْ قَالَ اللَّـهُ يَا عِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ)، فقد ذهب جمهور العلماء إلى أنّ المقصود من لفظ (متوفّيك) الوارد ذكره في الآية السابقة هو الإنامة لا الإماتة.
وقد اتّفق العلماء على أنّ نبي الله عيسى -عليه السلام- لم يُقتل ولم يُصلب بل رُفِع إلى السماء وقد دلّ على ذلك قول الله -تعالى-: (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّـهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا* بَل رَّفَعَهُ اللَّـهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّـهُ عَزِيزًا حَكِيمًا)، كما ذهب جمهور المفسّرين إلى أنّ رفع عيسى -عليه السلام- إلى السماء كان لروحه وجسده، فالقول بأنّ الرفع كان لروحه دون جسده لا يُدحِض وينفي زعم اليهود والنصارى في دعواهم بصلبه -عليه السلام-.
موضع رفع عيسى عليه السلام وعمره حينئذ
ذكر بعض العلماء في كتبهم أنّ رَفع عيسى -عليه السلام- إلى السماء كان من جبل طور زيتا، ونقل هذا القول ابن الجوزي أيضاً في كتابه ونسبه لأبي هريرة، وقال الحسن البصري: كان عمره حينئذ أربعا وثلاثين سنة، وقيل ثلاثاً وثلاثين سنة، وهو ما نُقِل عن التابعيّ سعيد بن المسيب -رحمه الله-.
قصة رفع عيسى عليه السلام
المكر بعيسى عليه السلام ومحاولة قتله
عاد نبيّ الله عيسى -عليه السلام- إلى قومه بعد أن خرج عنهم مع أمّه، فدعاهم إلى الإيمان ، فبعضهم آمن به واتّبعه وسُمّوا بالحواريّين، وبعضهم الآخر كفر به، حيث قال الله -تعالى-: (فَآمَنَت طَّائِفَةٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ)، إلّا أنّ الذين كفروا به مكروا به وهمّوا باغتياله والتخلّص منه، حيث قال لله -تعالى-: (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّـهُ وَاللَّـهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ)، لكنّ الله -تعالى- لم يُمكّنهم من نيل مرادهم، فَمَكَر -سبحانه- بهم، وهناك عدّة وجوه تحتمل المعنى المراد من مكر الله -تعالى-:
- أوّلها: إنّ الله -تعالى- حكّم فيهم ملك فارس وسلّطه عليهم فقتل منهم ما قتل، حيث قال الله -تعالى-: (بَعَثنا عَلَيكُم عِبادًا لَنا أُولي بَأسٍ شَديدٍ فَجاسوا خِلالَ الدِّيارِ)،
- ثانيها: إنّ الله -تعالى- أعلى دينه وشريعته وأذلّ أعداءه وقهرهم بعد أن حاولوا إبطال وإخفاء الدين.
- ثالثها: إنّ الله -تعالى- شبّه لليهود شخصا على أنّه عيسى -عليه السلام- فقتلوه وصلبوه، حيث قال الله -تعالى-: (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّـهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ)، وكان ذلك بأن اجتمع عيسى -عليه السلام- مع حوارييه في أحد البيوت، فأحاط بهم اليهود وحاصروهم، فجعل الله -تعالى- جميع من كان في البيت في صورة عيسى -عليه السلام-، فأُشكِل ذلك على اليهود فما استطاعوا تمييز عيسى -عليه السلام- من غيره حتى همّوا بقتل الجميع ما لم يخرج -عليه السلام- من بينهم.
- فأخبر عيسى -عليه السلام- أصحابه بأنّ مَن يأخذ صورته ويخرج لليهود له الجنّة ، فخرج أحدهم فقتلته اليهود وصلبته ظنّا منهم أنّه عيسى -عليه السلام-، وقيل إنّ أحد المجتمعين في البيت كان منافقا ودلّ اليهود على مكان عيسى -عليه السلام-، فجعله الله -تعالى- في صورة عيسى -عليه السلام-، فأخذوه اليهود وقتلوه وصلبوه.
معنى وفاة عيسى عليه السلام
قال الله -تعالى-: (إِذْ قَالَ اللَّـهُ يَا عِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ)، وتعدّدت أقوال العلماء في تفسير لفظ (مُتَوَفِّيكَ) الوارد في الآية السابقة والمعنى المراد منه، إلّا أنّ هناك ثلاثة معاني صحيحة في تفسيره:
- أوّلها: إنّ المعنى المراد هو الإنامة لا الإماتة كما ذُكر سابقاً، وقد قال بذلك جمهور العلماء، وذلك لعدّة أسباب:
- أوّلها: ذكر الوفاة بمعنى النوم في بعض الآيات القرآنية، كقول الله -تعالى-: (وَهُوَ الَّذي يَتَوَفّاكُم بِاللَّيلِ)، وقوله -تعالى-: (اللَّـهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا)، وفي دعاء رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بعد قيامه من النوم: (الحَمْدُ لِلَّهِ الذي أحْيانا بَعْدَ ما أماتَنا وإلَيْهِ النُّشُورُ).
- ثانيها: التوفي بمعنى الإنامة هو المعنى الذي يُلائم ويناسب رفع عيسى -عليه السلام- إلى الله -تعالى-، حيث لا جدوى من رفعه إليه ميتاً.
- ثالثها: البشارة التي وعد الله -تعالى- بها عيسى -عليه السلام- بتطهيره وإنجائه من براثن اليهود في قوله -تعالى-: (وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا)، لا تتحقق بالقول بأنّ معنى التوفي هو الإماتة؛ لأنّ في ذلك إعانة من الله -تعالى- لليهود للوصول إلى مرادهم، وهو التخلّص منه -عليه السلام- بالموت أو القتل.
- رابعها: مقابلة مكر الله -تعالى- لمكر اليهود في قوله -تعالى- : (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّـهُ وَاللَّـهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ)، لا يتناسب مع رفع عيسى -عليه السلام- ميتاً إلى الله -تعالى- قبل أن يصل إليه اليهود فيقتلوه، بل برفعه حيّاً حتى يحين آخر الزمان فينزل -عليه السلام- إلى الأرض منتقما ممّن كادوا به.
- ثانيها: إنّ المعنى المراد من التوفي هو القبض والاستيفاء، وذلك كما يُقال: توفيت من فلان مالي عليه، وقد قال بذلك ابن جرير.
- ثالثها: إنّ الكلام في الآية فيه تقديم وتأخير، وتقدير ذلك: "إنّي رافعك ومتوفّيك" بعد النزول إلى الأرض في آخر الزمان، وقد قال بذلك قتادة.
نزول عيسى عليه السلام آخر الزمان
هناك العديد من الأحاديث النّبويّة المتواترة التي تُخبر بنزول عيسى -عليه السلام- في آخر الزمان، ومن ذلك قول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (وَالَّذِي نَفْسِي بيَدِهِ، لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمُ ابنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَدْلًا، فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلَ الخِنْزِيرَ، وَيَضَعَ الجِزْيَةَ، وَيَفِيضَ المَالُ حتَّى لا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ، حتَّى تَكُونَ السَّجْدَةُ الوَاحِدَةُ خَيْرًا مِنَ الدُّنْيَا وَما فِيهَا)، ويكون نزوله -عليه السلام- شرق دمشق عند المنارة البيضاء وقت صلاة الفجر، فيتكفّل بقتل الدجّال، وكسر الصليب، ونشر العدل في الأرض، والحكم بشريعة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، ويعدّ نزوله -عليه السلام- من علامات الساعة الكبرى.