كيف خلقت حواء
كيف خلقت حواء
الرأي الأول: خلق حواء من ضلع آدم
خلق الله -عزّ وجلّ- آدم -عليه الصلاة والسّلام- من التّراب، وجعله أصل الخلقة البشريّة كلها، ثمّ خلق بعد ذلك منه زوجته حواء، وخلق بعدها منهما البشر جميعا، وذلك هو قول النصوص الشرعية في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وكذلك هو قول علماء الأمة ومَن جاء بعدهم، فقد قال الله -تعالى- في كتابه الكريم: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّـهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)، وعليه فإن رأي جمهور المفسّرين هو أنّ الله -سبحانه وتعالى- قد خلق آدم -عليه السلام- ثم خلق بعد ذلك حواء من ضلعه، وممن قد قال بهذا القول ابن عباس -رضي الله عنه-، والرازي، والطبري، وابن كثير.
وقالوا إنّ سيدنا آدم -عليه السلام- نام ثمّ خلق الله -سبحانه وتعالى- حواء من ضلع من أضلاعه اليسرى، فلمّا أفاق رآها فاستأنس بها واستأنست به كونها خُلقت منه -عليه السلام-، ولهذا القول دليل من السنة النبوية الشريفة، وهو ما رواه الصحابي الجليل أبو هريرة -رضي الله عنه- عن النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، فقد فقال النبي: (إنَّ المَرْأَةَ خُلِقَتْ مِن ضِلَعٍ لَنْ تَسْتَقِيمَ لكَ علَى طَرِيقَةٍ، فَإِنِ اسْتَمْتَعْتَ بهَا اسْتَمْتَعْتَ بهَا وَبِهَا عِوَجٌ، وإنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهَا، كَسَرْتَهَا وَكَسْرُهَا طَلَاقُهَا)، كما أنّ هذا القول يُوافق ما ورد في التوراة أيضاً، وقد تعدّدت آراء العلماء في تفسير معنى لفظ الضّلع في الحديث الشريف إلى رأيين:
- قال ابن حجر والنووي: إنّ حواء خلقت من ضلع آدم -عليه السلام- في الحقيقة.
- قال محمد رشيد رضا والألباني إنّ لفظ الضّلع في الحديث الشريف محمولٌ على المجاز لا على الخقيقة، وذلك بدليل عدم ورود لفظ في الحديث يدل على أنّ حواء قد خُلقت من ضلع سيدنا آدم -عليه السلام-.
وقد وردت نصوص أخرى في القرآن الكريم تدلّ على أنّ الله -سبحانه وتعالى- قد خلق حواء من آدم -عليه السلام- غير ما ورد في سورة النساء، فقد قال الله -سبحانه وتعالى- في سورة الأعراف: (هُوَ الَّذي خَلَقَكُم مِن نَفسٍ واحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنها زَوجَها)، وقد قال الله -تعالى- في سورة الزمر: (خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا)، أمّا النفس الواحدة المذكورة في الآيات الكريمة فالمراد بها هو آدم -عليه السلام- الذي خلق الله -سبحانه وتعالى- منه حواء، من أجل الحفاظ على نسل الجنس البشري،
الرأي الثاني: خلْق حواء من جنس ما خلُق منه آدم
يقول أصحاب الرأي الثاني إنّ الله -تعالى- خلق آدم -عليه السلام- ثمّ خلق حواء من نفس جنسه، فكانت مساويةً له في الإنسانية، وفي قول الله -تعالى-: (مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ)، دلالة على أنّ أصل الجنس البشري واحد، وهو آدم -عليه السلام-، ثمّ خلق الله -تعالى- منه حواء التي جاء منها جميع البشر، كما قد يقال للشيء أنّه منه إذا اشترك معه في العنصر والأصل، فقيل بناءً على ذلك: "خُلقت حوّاء من ضلع آدم -عليه السلام-"، وجميع الآيات والدلائل التي تنصّ على أنّها خلقت منه تحتمل أنّها من جنسه، وقد جعله الله -تعالى- زوجاً لها، وجعلهما أساس تواجد البشرية، ولا يُعارض ذلك كون أحدهما ذكر والآخر أنثى، فالله -تعالى- خلق آدم -عليه السلام- من تراب، ثمّ خلق حواء من التراب.
وقد قالت عائشة عبد الرحمن: إن لفظ ضلع لم يرد في القرآن، ممّا يُفهم أنّ آدم -عليه السلام- وحواء مخلوقين من نفسٍ واحدة، كما أنّ القرآن الكريم يستخدم لفظ الزوج للمذكّر والمؤنث، فهو زوجها وهي زوجه، ويعدّ هذا إقراراً بأنّهما من نفسٍ واحدة، وليس أحدهما فرع عن الآخر أو جزء منه، أمّا لفظ الضلع الذي ورد في الأحاديث فإنّه من باب الرّفق والملاطفة من أجل التعامل معها بما يناسب طبيعتها التي خلقها الله -تعالى- عليها، أمّا الحديث فإنّه لا يختصّ بخلق حواء فقط، بل يشمل النساء عامة، والغاية من الحديث الحثّ على معاملتهنّ بطيبٍ ورفقٍ ولينٍ، والضّلع يتّجه نحو المعنى المجازي بتشبيه المرأة بالضلع، وقول الرازي يتّجه نحو هذا المعنى، أي من جنسها، مثل قول الله -تعالى-: (لَقَدْ مَنَّ اللَّـهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ).
سبب الخلاف في كيفية خلق حواء
يعود سبب الخلاف في كيفيّة خلق حواء إلى أنّ الآيات القرآنية الكريمة ذكرت كيفية خلق آدم -عليه السلام- ومراحله ولم تذكر ذلك فيما يتعلّق بحواء، لِذا قال العلماء بناءً على ذلك يصحّ إن قيل إنّها خلقت من ضلع آدم -عليه السلام-، ويصحّ القول بأنها من جنس ما خلق الله -تعالى- منه آدم -عليه السلام-، فلفظ (مِنْهَا) في الآيات الكريمة السابقة؛ يصحّ أن تكون تبعيضيّة؛ بمعنى أنّ الله -تعالى- أخذ جزءاً من آدم -عليه السلام- وخلقها منه، ويمكن أن تكون غير تبعيضية؛ بمعنى أنّ الله -تعالى- خلقها بنفس الطريقة والجنس، والتفسيرين محتملين وصحيحين، فالله -تعالى- لم يذكر الكيفية بالضبط، وإنّما قال: (وَجَعَلَ مِنها زَوجَها) وحسب.