كيف خلق الله الكون
كيف خلق الله الكون
إنّ خلق الكون والسماوات والأرض من الغيب الذي لم يشهده أحد سوى الله -سبحانه-، فقد قال الباري -عز وجل-: (مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا)، وقد أخبر -سبحانه- في القرآن الكريم عن خلقه لهذا الكون العظيم وآياته الباهرة فيه، وهو ما أيّد القرآن به العلم الحديث.
والمتدبّر في هذه الآيات يجد الإبداع والإتقان في أبهى صوره، وسيتمّ فيما يأتي ذكر الآيات الكريمة المتعلّقة بخلق الكون مع تفسيرات أهل العلم والمختصّين:
مرحلة الفتق والرّتق
قال الله -عز وجل-: (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ)، وفي هذه الآية يبيّن -سبحانه- كيف أنّ الوجود كان منضماً وملتئماً على بعضه، ثمّ بقدرته -تعالى- فتق وفصل بعضه عن بعض، وهذا ما أسفر عنه العلم الحديث.
إذ يقول علماء الفلك المعاصرون: "إن الكون كان كتلة غازية بالغة الكثافة متماسكة، ثم حدث الانفجار الكوني العظيم"، ومعنى الآية الكريمة: ألم يرَ هؤلاء المنكرين كيف كانت السماوات والأرض شيئاً واحداً متراكبا، ثمّ فصلهما الله فجعل السماوات سبع والأرض مثل ذلك، وجعل بينهما هواءً، فأمطرت السماء وأحيت الأرض بالنبات.
والرتق يعني الجمع والضم والالتحام، وهو عكس الفتق الذي يدلّ على التباعد والانشطار والفصل، يقول د. محفوظ علي عزام: "هذه الحقيقة القرآنية عجيبة كبرى يؤيد القرآن بها العلم الحديث في قوله بأن الكون كله كان شيئا منبثا واحدا قبل أن توجد فيه أرض أو نجم أو سديم"، وقد فُسّرت الآية الكريمة على عدة وجوه، ومن ذلك:
- قول كعب: "خلق الله السموات والأرض ملتصقتين، ثم خلق ريجًا توسطتهما ففتقهما بها".
- قول ابن عباس: "إن السموات والأرض كانتا رتقًا بالاستواء والصلابة، ففتق الله السماء بالمطر، والأرض بالنبات والشجر"، وهو أيضاً قول الحسن وأكثر المفسّرين.
مرحلة تحوّل الجرم الأول إلى دخان
ابتدأ خلق الكون من جرم أوّل -مرحلة الرتق-، ثمّ فُتِق هذا الجرم -مرحلة الفتق-، ونشأ عن ذلك الدّخان الكوني الذي خُلق منه السماوات والأرض، قال الله -عز وجل-: (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ).
ويرى أكثر المفسّرين أنّ هذا الدخان هو "بخار الماء المتصاعد منه حين خلقت الأرض"، ثمّ نادى الله -جلّ جلاله- الأرض والسماء بأن جيئا طوعاً أو كرهاً بما جعلته فيكما من المنافع والفوائد والمصالح وأخرجاها لخلقي، فأتت طائعة وأجابت الله -سبحانه-.
وقد اتّفق العلماء على أنّ خلق السماوات والأرض وما بينهما تمّ في ستّة أيام، ودلّ على ذلك نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، قال -عزّ من قائل-: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ).
تمدّد الكون وتوسّعه
بدأ الكون يتّسع ويتمدّد تحت تأثير ضغط الغاز الساخن -أي الدخان-، قال الله -عز وجل-: (وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ)، وهو كذلك ناتج عن الفتق بعد الرتق، وسيظلّ إلى أن يشاء الله، ومعنى الآية الكريمة: "قد وسعنا أرجاءها وجعلنا بينها وبين الأرض سعة، ورفعناها بغير عمد واستقلت كما هي".