كيف خلق الله الإبل
عظمة خلق الله في الكون
تعجز كلمات الإنسان عن وصف إبداع الله -تعالى- في خلقه، فإنّ الآيات الرّبانية المعجزة، في الطبيعة من زُرقة سمائها، وزقزقة عصافيرها، ومروجها الخضراء، وبحارها المائجة، كلّ ذلك يدلّ على أنّ الله -تعالى- هو الذي خلقها، ويدعوه إلى الإيمان بأنّه الله -تعالى- هو معبوده الوحيد، ورازقه، والمُنعم عليه بكلّ أنواع النعم الظاهرة والباطنة، ولو تأمّل الإنسان ولو للحظةٍ واحدةٍ في روعة الكون، وزخرفته، وجماله، لدمعت عينه، ورقّ قلبه وخشع، ولو خلا الإنسان بالله -تعالى- ثوانٍ معدودةٍ، حتى يراجع نفسه، ويحسب خطواته، ويمسح عن قلبه آثار القسوة، وعن روحه آثار الضياع؛ لأدرك قيمة نفسه، وضعف حاله وشأنه، أمام عظمة الله، وإنّ الإنسان عندما يرى تطوّر العلم؛ فيذهل بإنجازاته العديدة، إلّا أنّه لو تأمّل وتفكّر قليلاً لتساءل عن خالق العقل، وواهب ملكاته للإنسان؛ ولعلم بالقطع أنّه الله العظيم، فسلّم نفسه إلى الله تعالى، وانقاد لأوامره، وتظلّ شواهد الدنيا ومظاهر الإعجاز في خلقها تنادي الإنسان؛ علّه يفقه كلماتها، فينعتق من أصناف القيود التي كبلته، وأغلقت أمامه أبواب الرحمة .
يجدر بالمؤمن وينبغي له أن يتأمّل في آيات الله تعالى، ومظاهر خلقه؛ حتى يعظّمه ويقدره حقّ قدره، حيث يقول الله تعالى: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُون)، فعندما يتأمّل الإنسان في خلق الله -تعالى- للسماوات والأرض، والجبال، والدواب في ستة أيّامٍ، مع أنّه قادرٌ على خلقها بلمح البصر، إلّا أنّ حكمته اقتضت ذلك، ولو تأمّل الإنسان خلق نفسه ؛ لرأى فيها مظاهر العظمة في الخلق، فقد خلق الله آدم من سلالةٍ من طينٍ، ثمّ جعل نسله من سلالةٍ من ماءٍ مهينٍ، يخرج ذلك الماء من بين الصلب والترائب، ثمّ يستقرّ في قرارٍ مكينٍ، فلا يعتريه شيءٌ من بردٍ، ولا من حرٍ، ولا من شمسٍ، ولا من هواءٍ، فهو في ظلماتٍ ثلاثةٍ: ظلمة بطن الأم، وظلمة رحمها، وظلمة الغشاء، ويظلّ نطفةً أربعين يوماً، ثمّ يجعله الله علقةً بأمره، لأربعين يوماً، ثمّ يصبح مضغةً أربعين يوماً أيضاً، وبعدها يأمر الله الملك الموكّل بالأجنّة؛ فينفخ فيه الروح، فإذا هو إنسانٌ، بعد أن كان جماداً، فتبارك الله أحسن الخالقين.
كيفية خلق الله للإبل
وجّه الله -تعالى- عباده في القرآن الكريم ، إلى التفكّر في مخلوقاته، ودعاهم إلى أن يكون نظرهم وتأملهم في تلك الآيات جميعاً سبباً للإيمان بقدرة الله تعالى، وبأنّه المستحقّ للعبادة، حيث قال الله تعالى: (أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ*وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ*وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ*وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ)، والسبب في توجيه العباد إلى التأمّل في خلق الله -تعالى- للإبل، وحثّهم على ذلك، عائدٌ إلى جعل الله -عزٌ وجلٌ- الإبل متاعاً للناس، وتمكينها من حمل أثقالهم على ظهورها؛ لنقلها من مكانٍ إلى آخرٍ، كما أباح الله -تعالى- للناس الأكل من لحومها، والانتفاع من ألبانها بشربها، بل جعل لهم في بعرها فائدةً أيضاً؛ فهم يوقدون بها، وجعل في جلودها منافع عظيمةً، وقد أجمل الله -تعالى- المنافع المتحصّلة من الأنعام بقوله في القرآن الكريم: (وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ*وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ*وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ).
كما أبدع الله -تعالى- في تسخير الإبل، وتذليلها للإنسان، إذ إنّها تبرك على الأرض؛ حتى تحمل متاعه، فإذا حملته نهضت به، والغاية من نظر الإنسان في خلق الإبل، وتفكّره فيها أن يعتبر بذلك، فيعلم بأنّ الله -تعالى- الذي خلقها لا يعجز عن خلق كلّ ما أخبر عنه، من أمور الجنة والنار، وأنّ القدرة التي خلق الله -تعالى- الإبل فيها، تمكّنه من خلق أيّ شيءٍ يشابهها، ومن مظاهر إعجاز خلق الله -تعالى- في الإبل، أن جعل حجمها مناسباً لرمال الصحراء، فلو كانت أصغر من حجمها الطبيعي لما تناسب ذلك مع الكثبان الرملية، التي تحيط بها في الصحراء، ولا مع المسافات الكبيرة التي يجب عليها أن تقطعها، كما أنّ الله -سبحانه- جعلها تتحمل العطش؛ لأنّ بيئة الصحراء التي تعيش فيها، بيئةٌ قاحلةٌ، ليس فيها نباتٌ ولا ماءٌ، فهي لذلك تتحمّل العطش لمدة عشرة أيّامٍ، تشرب مرةً واحدةً كلّ أربعة أيّامٍ في أحوالها العادية؛ لأنّ الله -تعالى- جعل لها مستودعاتٍ مائيةٍ في جسدها، والسبب في اختيار الله -تعالى- للإبل، بشكلٍ خاصٍ في التوجيه إلى النظر في خلقها، أنّ القرآن الكريم كان يخاطب العرب، وحيث إنّ العرب يسكنون الصحراء، وكان الجمل يحتل فيها المرتبة الأولى، فكان العرب يعيشون مع الإبل، ويهتمون بها.
ما يوجبه تعظيم الله ومعرفته على المسلم
إنّ تفكّر الإنسان في خلق الله تعالى، وآياته العظيمة، ومخلوقاته الباهرة، تقوده إلى تعظيم الله -تعالى- ومعرفته، وإنّ ذلك ما يوجب عليه عبادته وحده دون شريكٍ له، وكذلك إفراد الله بكلّ معاني العبودية؛ من خوفٍ، ورجاءٍ، ورهبةٍ، وتوكلٍ، واستعانةٍ، واستعاذةٍ، وصلاةٍ، وصومٍ ، وزكاةٍ ، ونحو ذلك من أنواع العبادات، كما يُوجب على الإنسان ترك مظاهر الشرك القديمة والحديثة؛ من مثل: التعلّق بالأموات ، والأضرحة، ودعاؤهم من دون الله تعالى، فإنّ الله قد أمر عباده بالتوجه إليه مباشرةً، دون وساطة أحدٍ، كما أنّ معرفة الله وعظمته تُوجب على المسلم أن يشكره ، ويحمده ، ويستغفره ، وأن يكثر من ذكره في سائر أحواله.