كيف خلق الإنسان من تراب
كيف خُلق الإنسان من تراب
إنَّ أوَّلَ مَن خُلِقَ من البشر هو سيدنا آدم -عليه الصلاة والسلام-، وقد أخبرنا الله -عز وجل- عن خلقه لآدم -عليه السلام- في القرآن الكريم، وفصَّلَ في ذلك ليجعلَ المكوِّنَ الأساسيَّ في هذه العمليَّة هو التُّراب، وقد عَبَّرَ عنه بالتُّرابِ تارةً وبالطينِ تارةً وبالصلصالِ تارةً أخرى، ولنتعرَّف كيفية ذلك والفرقَ بينَ هذه التعبيرات، نَعرِضُ مراحل خلق سيدنا آدم -عليه السلام- بصفته الإنسان الأوَّل ممَّا جاءَ في آياتِ القرآن الكريم فيما يأتي:
- أوَّلاً: التُّراب؛ والتُّرابُ هو بدايةُ كلِّ شيءٍ، إذ قال الله -تعالى- في سورةِ آل عمران : (إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ اللَّـهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ)، وتُسمَّى هذه المرحلة بالمرحلة التُّرابية.
- ثانياً: إضافةُ الماءِ إلى التُّرابِ وتَشكُّل الطين؛ إذ قالَ -تعالى- في سورةِ السّجدة : (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ).
- ثالثاً: جمودُ الطينِ؛ إذ قال -تبارك وتعالى- في سورةِ الصَّافات: (إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لَّازِبٍ)، ولازب أي جامِد.
- رابعاً: تغيُّر الطينِ؛ وهي مرحلةُ الحَمأ المسنون كما سمَّاهُ الله -سبحانه وتعالى- في سورةِ الحِجر، إذ قال: (وَلَقَد خَلَقنَا الإِنسانَ مِن صَلصالٍ مِن حَمَإٍ مَسنونٍ)، والحمأُ هو الطينُ الأسود ذو الرائحة، والمسنون يعني المتغيِّر، وبجمعِ الخطوتينِ الثَّالثة مع والرَّابعة تسمّى المرحلةُ الفُخّاريَّة.
- خامِساً: تشكيله على هيئةِ بشرٍ ونفخ الرُّوحِ فيه؛ إذ قال -تعالى-: (وَإِذ قالَ رَبُّكَ لِلمَلائِكَةِ إِنّي خالِقٌ بَشَرًا مِن صَلصالٍ مِن حَمَإٍ مَسنونٍ* فَإِذا سَوَّيتُهُ وَنَفَختُ فيهِ مِن روحي فَقَعوا لَهُ ساجِدينَ)، وهذه هيَ المرحلةُ الأخيرة والعاملُ الأهم؛ نفخُ الرُّوحِ فيه.
ويظهَرُ ممَّا تقدَّم أنَّ الله -سبحانهُ وتعالى- خلقَ سيدنا آدم -عليه السلام- من ترابٍ وهو الإنسانُ الأوَّل، ولكن هل يعني هذا أنَّ الخَلقَ جميعهم خُلِقوا مِن ترابٍ أيضاً؟ إنَّ القرآنَ الكريم يبيِّنُ لنا كيفيَّةَ خلقِ الإنسان في مواضعَ أخرى، إذ قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلً)، إذ يأتي التُّرابُ في المرتبةِ الأُولى، ثمّ تأتي النُّطفة، فالتُّرابُ إذاً اختصَّ به سيّدنا آدم -عليهِ السلام- ابتداءاً، وهو أبو البشريَّة، وكلُّ ما فينا يرجِعُ إليه ولو بطريقةٍ مختلفةٍ، فابتداءُ خلق ذريَّة آدم -عليه السلام- من نطفةٍ لا يتعارضُ مع كونِ أصلها تُراباً،
فالماءُ والتُّرابُ أصلانِ خلقهما الله -تعالى- ابتداءاً قبل خَلقِ الإنسانِ، ثمَّ جعل جسم الإنسانِ من جمعِهِما؛ لأنَّه شاءَ ذلك، ولو شاءَ لخلقَ الإنسانَ دون هذينِ الأصلينِ، ولكنَّها مشيئته -عز وجل-. وقد أشارَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى ذلك فقال: (إن اللهَ تعالى خلقَ آدمَ من قبضةٍ قبضها من جميعِ الأرضِ، فجاءَ بنو آدمَ على قدرِ الأرضِ، فجاءَ منهم الأحمرُ، والأبيضُ، والأسودُ، وبين ذلكَ، والسهلُ، والحَزنُ، والخبيثُ، والطيّبُ)، ويُستَدلُّ منَ الحديثِ أنَّ أصلَ البشريَّةِ كلُّها يعودُ إلى الأرضِ، والأرضُ مُتباينةٌ فيها السهول والجبال والوديانُ وفيها الشَّجرُ والحجر، وكذلك بنو آدم أتوا مُتباينين كتبايُنِها.
مراحل خلق الإنسان من تراب
تحدثنا فيما تقدَّم عن كيفيَّة خلق الله -عز وجل- للإنسان من ترابٍ بتبسيطٍ للمراحل، ونذكر الآن المراحلِ وأسماءها كما تحدّث عنها العُلماءُ فيما يأتي:
- المرحلة الأولى: المرحلة الطينيَّة؛ إذ أشارَ القرآن الكريمُ إلى أنَّ بداية الخلق كانت من طينٍ، وذلك في سورةِ السّجدة، قال -تعالى-: (وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ)، ويكونُ الطينُ فيها على صفةِ اللّزوجةِ والجمود؛ لقولهِ -تعالى-: (إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لَّازِبٍ).
- المرحلة الثانية: المرحلة الحمئيَّة؛ وهي مرحلة وعملية تغيُّر الطين، فيصبح على إثرها أسوداً مُتغيِّراً مُنتِناً.
- المرحلة الثالثة: المرحلة الصلصاليَّة؛ وهي مرحلةُ تغيُّر الطين ليصبح صلصالاً، وورد ذلك في سورةِ الحجر إذ قالَ -تعالى-: (وَإِذ قالَ رَبُّكَ لِلمَلائِكَةِ إِنّي خالِقٌ بَشَرًا مِن صَلصالٍ مِن حَمَإٍ مَسنونٍ* فَإِذا سَوَّيتُهُ وَنَفَختُ فيهِ مِن روحي فَقَعوا لَهُ ساجِدينَ)، وقد وردَ وصفُ الصلصالِ بأنَّه كالفخارِ في سورة الرحمن ، إذ قال -تعالى-: (خَلَقَ الْإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ).
نَجِدُ أنَّ ورودَ مراحل الخلق في القرآن تصبُّ كلُّها في أصلٍ واحدٍ؛ وهو أنَّ التُّراب هو أصلُ هذه البشريَّة، فيكونُ تُراباً ثمَّ طيناً ثمَّ حَمَإٍ ثمَّ صلصالاً، حتّى إذا نَفَخَ الله -سبحانه وتعالى- فيه من روحه أصبحَ بشراً، إذ يلزمُ لاكتماله أن يشاءَ الله -تعالى- له ذلك، قال -تعالى-: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ اللَّـهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ)، وإنَّما يخبرنا الله -عز وجل- عن مراحلِ خلقه إيّانا لنعلم قدرته على إخراجِ مخلوقٍ عاقلٍ ذكيٍّ منفرد الإرادة من موادٍ كالتُّرابِ والماء.
الحكمة من خلق الإنسان من تراب
تتجلى الحكمةُ من خلقِ الإنسانِ من تُراب في أمورٍ عدّة، نَذكُرُ منها ما يأتي:
- أوّلاً: دليلٌ على قدرةِ الله -عز وجل- وعظمته؛ فتحويل موادٍ خامٍ بسيطةٍ إلى إنسانٍ يفكِّر ويختار، يسمَعُ ويبصرُ ويتحرك، ليسَ بالأمر السَّهل أبداً، وإنَّ العِلمَ بهذه القدرةُ توجبُ الإيمانَ بالله -عز وجل-.
- ثانياً: دليلٌ على وحدانيَّته -سبحانه-؛ ذلكَ أنّ البشرَ كلّهم سواءٌ من طينٍ واحدٍ ولو اختلفت أوصافهم، ولو كان هناكَ أكثرُ من إلهٍ لتغيَّر الخلقُ واختلفت كيفيَّته.
- ثالثاُ: يوجِبُ عدم التكبُّر؛ إنّ الإنسانَ إذا عَلِمَ أنَّه خُلِقَ من ترابٍ ثمَّ من نطفَةٍ صغيرةٍ؛ أيقنَ صِغَرَ شأنِهِ وأدركَ عِظمَ شأنِ خالقه، فيتواضعُ ولا يتكبَّر على غيره ولا على الإيمانِ بالله -عز وجل-.
- رابعاً: يدعو الإنسانَ إلى التفكُّرِ والتّدبُّر؛ إذ أمرنا الله -عز وجل- بالتفكُّر في أنفسنا، إذ قال: (وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ* وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ)، فلا شكَّ أنّ خلقَ الإنسانِ بأحسنِ تقويمٍ من تُرابٍ لآيةٌ من آياتِ الله -سبحانه- في الخلق.
- خامساً: دليلُ الإبداعِ والإتقان؛ إنّ خلقَ الإنسان على هذه الصِّفة الإعجازيَّة من وظائفَ حيويَّةٍ في جسمه، وقدرةِ إبصاره، وانضباط حواسّه لدليلٌ على حُسنِ إبداع الخالق الكريم -سبحانه وتعالى-.