كيف تكون من القانتين
القانتين
ذكر الله -تعالى- الصّفات التي يجب على المسّلم التحلّي بها؛ حيث قال في القرآن الكريم: (لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ*الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ*الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ)، فقرن الله -تعالى- في الآية السّابقة بين مجموعةٍ من الأعمال التي يقوم بها المسّلم لتجعله من المقبولين عند الله تعالى، وأهلاً للمدح والثّناء، ومن بين الصّفات ورد ذكْر القنوت؛ حيث ذُكر القنوت بعد الصّبر والصّدق؛ لأنّ الصّبر يحتاج إلى صدق مع الله -تعالى- لينال المسّلم الأجر عليه، وقد يكسل المسّلم عن أداء عباداته ولا يُلازمها فذُكر القنوت لجعْله صفة دائمة للمسّلمين، والمعنى المفهوم من سياق الآية أنّ لفظ القانتين ذُكر للدلالة على المواظبة والاجتهاد في الطّاعات، وملازمة العبادات في أوقاتها وإتقانها وكذلك للتنبيه على أنّها عبادة نفسيّة وجسديّة، وقال الله -تعالى- في موضعٍ آخر في القرآن الكريم امتداحاً بالنبيّ إبراهيم عليه السّلام: (إِنَّ إِبراهيمَ كانَ أُمَّةً قانِتًا لِلَّهِ حَنيفًا وَلَم يَكُ مِنَ المُشرِكينَ)، أيْ أنّ إبراهيم -عليه السّلام- لزِم الطّاعات التي أمره الله -تعالى- بها.
تعريف القنوت
يرتبط تعريف القنوت لغةً بتعريفه اصطلاحاً، وفيما يأب بيانهما:
- تعريف قَنتَ لغةً: ذلّ وخضعَ واستكان، والقانت هو الخاضع العابد المُطيع.
- تعريف القنوت لغةً: هو الخضوع والدّعاء، ويُقال: امرأة قَنوت؛ أي امرأة مُطيعة لزوجها.
- تعريف القانت اصطلاحاً: هو المطيع والخاضع، وقيل: هو المُمسك عن الكلام، وقيل: القانت هو المُطيل في الطاعات والمواظب عليها.
- تعريف القنوت اصطلاحاً: هو طول القيام، وهو أيضاً دعاء مسّنون يؤدّى في صلاة الوِتر، وله لفظ خاصّ متواتر عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ويكون جهريّاً في صلوات الجماعة.
كيفيّة القنوت لله تعالى
قال الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- واصفاً القانتين: (مَن حافظَ على هؤلاءِ الصَّلَواتِ المَكتوباتِ لَم يكُن مِن الغافلينَ، ومَن قرأَ في ليلةٍ مئةَ آيةٍ لَم يُكتَبْ مِن الغافلينَ، أو كُتِبَ مِن القانتينَ، مَن صلَّى في ليلةٍ بمئةِ آيةٍ لَم يُكتَبْ مِن الغافلينَ، ومَن صلَّى في ليلةٍ بمئتَيْ آيةٍ كُتِبَ مِن القانتينَ المُخلصينَ)، فالإكثار من قراءة القرآن الكريم يعدّ سبباً للوصول إلى درجة القنوت، ومن الوسائل التي تُوصل العبد إلى طاعة الله -تعالى- والمواظبة عليها:
- معرفة أهميّة الصّلاة وفضلها عند الله تعالى، ممّا يجعل المسّلم يجاهد نفسه ليخشع في صلاته ويتقنها ليرضى الله -تعالى- عنه.
- الدّعاء والإلحاح على الله -تعالى- بتمام الهدية والثّبات على الطّاعات والصّالحات ، وذلك سنّة الأنبياء -عليهم السّلام-من قبل؛ إذْ قال إبراهيم -عليه السّلام- في دعائه: (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ).
- المُحافظة على جماعة صالحة وصُحبة خيّرة؛ لأنّ الإنسان ضعيف أمام شهوات ورغبات نفسه، فيذكّر الإخوان بعضهم بعضاً بالصّالحات ويشجّعون بعضهم على الثّبات.
- تجديد التّوبة النّصوح لله تعالى.
- مُجاهدة النّفس وخاصّة في قيام الليل لعظيم أجرها، وفي الصّلاة عموماً؛ لأنّها السّبيل لطاعة الله -تعالى- وتحقيق القنوت له، وإنّ تحقيق الخشوع ليس يسيراً إلّا بعد وقتٍ طويلٍ واجتهادٍ في الوصول إليه، ومن المُعينات التي تُوصل إلى الخشوع في الصّلاة:
- اختيار المكان المناسب للصّلاة؛ بحيث يكون بعيداً عن الأحاديث والضّوضاء والإزعاج.
- الاستعاذة بالله -تعالى- من الشّيطان الرّجيم عند الشّروع بالصّلاة ؛ دفعاً لوساوسه وشروره.
- التأمّل في آيات القرآن الكريم عند تلاوتها، واستحضار الخضوع والخشوع لله -تعالى- في الرّكوع والسّجود وغيرها من أفعال الصّلاة.
- المداومة على ذكر الله تعالى، ومنها: أذكار الصّباح والمساء، فإنّها تجعل المرء مرتبطاً بالله -تعالى- ذاكراً لفَضْله واستشعار مراقبته طول الوقت.
- الابتعاد عن المعاصي والمحرّمات؛ لأنّها تُميت القلب وتُشغل وتُبعد عن ذكر الله تعالى.
فضل القنوت لله تعالى
ورد القنوت بعدّة معانٍ؛ منها: السّكوت وصلاة الليل وغيرها من المعاني، وبالمجمل فالقانت هو الخاشع لله -تعالى- والمتعبّد والمُطيع له، وهو القائم بصلوات الليل كذلك، وممّا يُجنيه المسّلم من ثمرات القنوت لله تعالى:
- القنوت لله -تعالى- سبب لدخول الجنّة يوم القيامة ونيل رضى الله تعالى؛ حيث قال: (لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ*الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ*الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ).
- القنوت لله -تعالى- يعدّ وسيلة من وسائل شُكر الله -تعالى- على نعمه وأفضاله على المرء.
- القنوت لله -تعالى- يقرّب العبد إلى ربّه عزّ وجلّ، فإذا كان القانت لله -تعالى- قائماً بالليل؛ فإنّه سيحظى بفَضْل المستغفرين بالأسحار الذين امتدحهم الله -تعالى- وأثنى عليهم في عدّة مواضع في القرآن الكريم .
- القنوت لله -تعالى- ينهى صاحبه عن الإثم والفحشاء، فالقانت الذي يؤدّي الصّلاة على وجهها الأكمل تنهاه عن المنّكر والفواحش.
- القنوت لله -تعالى- بأداء صلاة الليل تُكسب المسّلم نوراً في وجهه؛ لأنّ العبد اختلى بالله -تعالى- في ظُلمة الليل فيملأ الله -تعالى- وجهه نوراً، ويضع حبّ قائم الليل في قلوب النّاس ممّن حوله.
- القنوت لله -تعالى- وعبادته سبب لزيادة الرّزق والكسب والنِّعَم؛ فقال الله تعالى في القرآن الكريم: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى).