كيف تكون من أولياء الله
أولياء الله في القرآن والسُّنة
وَرد ذكر أولياء الله في القرآن الكريم في قول الله تعالى: (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)، وقد ذكر الواحديّ في تفسيره معنى قول (أولياء الله): إنّهم من تولَّى الله -سبحانه- هُداهم، وقال بعض العُلماء: إنّهم كما ذكرهم الله -سبحانه- في الآية التي تليها: (الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ)، ويرى بعض العُلماء أنَّ أولياء الله -سبحانه- هم من تحابُّوا في الله وحده، وقرنوا بين هذه الآيات الكريمة، وبين حديث النبيّ -عليه السلام-: (إنَّ للهِ عزَّ وجلَّ عبادًا ليسوا بأنبياءَ، ولا شهداءَ، يغبِطُهم النَّبيُّون، والشُّهداءُ على منازلِهم، وقُربِهم من اللهِ)، فسأل أحدُ الصحابة النبيَّ عن هؤلاء العباد، فقال -عليه السلام-: (هم ناسٌ من أفناءِ النَّاسِ، ونوازعِ القبائلِ لم تصِلْ بينهم أرحامٌ مُتقارِبةٌ، تحابُّوا في اللهِ، وتصافَوْا، يضعُ اللهُ يومَ القيامةِ منابرَ من نورٍ فيجلِسون عليها، فيجعلُ وجوهَهم نورًا، وثيابَهم نورًا، يفزَعُ النَّاسُ يومَ القيامةِ، ولا يفزعون، وهم أولياءُ اللهِ لا خوفٌ عليهم، ولا هم يحزنون).
والوليّ كما عرَّفه ابن حجر -رحمه الله-: هو العالِمُ بالله تعالى، والمُواظِب على طاعته، والمُخلِص في عبادته، وفيه قال شيخ الإسلام : (فكلّ من كان مؤمناً تقيّاً كان لله وَليّاً)، وقد قَسَّم بعض العُلماء الولاية إلى قسمَين: ولايةٌ من الله للعبد، وولايةٌ من العبد لله؛ فولاية الله للعبد كما في قوله تعالى: (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ)؛ فالله تعالى يتولَّى عبده بتدبير أمور الحياة وشؤونها، سواءً كان مسلماً، أم كافراً، وإن كان المُسلم ينفرد عن غيره بهدايته، وتيسير سُبل الخير، والتأييد له، وهو يتميَّز بهذا عن الكافر، وأمَّا ولاية العبد لله -تعالى-؛ فهي كما في قوله -سبحانه-: (وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ)، وولاية العبد لربّه تتمثّل بالثقة به، وانتصروا له على أنفسهم.
الأمور التي تجعل المُسلم من أولياء الله
لا شكّ في أنَّ بلوغ درجة أولياء الله هو فضلٌ عظيمٌ يناله المُسلم، علماً بأنَّ هناك صفات يجب على المُسلم التحلِّي بها؛ حتى يَبلغ هذه الدرجة الرفيعة، بالإضافة إلى أعمال يجب المواظبة عليها؛ لنيل هذا الفضل العظيم، وممّا يجعل المسلم يبلغ درجة أولياء الله -تعالى- ما يأتي:
- الإيمان بالله تعالى؛ وهو أولى الخُطوات الواجب اتّباعها؛ حتى يكون العبد وَليّاً لله -سبحانه-؛ فالإيمان الحقيقيّ المُستقرّ في القلب يكون شاملاً لعدَّة معانٍ، وهي أركان الإيمان الستَّة، والمُتمثِّلة بالإيمان بالله تعالى، وملائكته، وكُتبه، ورُسله، واليوم الآخر ، والقَدَر خيره، وشرّه.
- تقوى الله سبحانه؛ وهذا أمرٌ جَليٌّ قد ذكره الله -سبحانه- في كتابه العزيز، وذلك عندما قَرَن بين أولياء الله، والتقوى في قوله: (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ*الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ)، فقد أبلغ الله -تعالى- عباده المُتَّقين درجة الأمن، والسكينة، والرِّفعة في الآخرة. ومن الجدير بالذكر أنَّ التقيَّ هو: من راقب الله -تعالى- في حركاته، وسَكناته جميعها، فإن لم يكن يرى ربَّه، فإنَّ ربَّه -عزَّ وجلَّ- يراه؛ لذلك عليه أن يُحسِن العمل، ويأتي الحلال، وينتهي عن الحرام؛ حتى يبلغ هذه الدرجة الرفيعة بإذن الله.
- الاجتهاد في التقرُّب إلى الله -تعالى- فيما يُحبّ؛ وقد فصَّل الله -تعالى- ذلك في الحديث القُدسيّ الصحيح بقوله: (من عادَى لي وليَاً فقد آذنتُه بالحرب، وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيءٍ أحبَّ إليَّ ممَّا افترضتُ عليه، وما يزالُ عبدي يتقرَّبُ إليَّ بالنَّوافلِ حتى أُحبَّه، فإذا أحببتُه: كنتُ سمعَه الذي يسمَعُ به، وبصرَه الذي يُبصِرُ به، ويدَه التي يبطِشُ بها، ورِجلَه التي يمشي بها، وإن سألني لأُعطينَّه، ولئن استعاذني لأُعيذنَّه)، علماً بأنّه عندما يتقرَّب المُسلم إلى ربِّه -عز وجل- بالطاعات، والقُربات، ويحفظها؛ ابتغاء رضوانه، يُقرِّبه الله -تعالى- إليه؛ بحفظه عن الحرام، والزلّات، ويعصمه عن كلّ مكروه، وسوء قد يلحق به، ويُؤمِّنه ممَّا يُخيفه، ويحميه ممَّا يضرُّه بإذنه.
فضل أولياء الله في الدنيا والآخرة
يُؤكِّد الله -سبحانه- في الآيات الكريمة على أنّ فضل أوليائه، والنعيم الذي يلحق بهم يشملُهم في الدنيا، والآخرة، فيقول تعالى: (لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)، وهذا تحقيقٌ بأنَّ أولياء الله مُتنعِّمون في قُربهم من ربّهم -سبحانه- في الدنيا قبل الآخرة، وقد قال العُلماء في معنى (لهم البشرى): إنَّهم يُبَشَّرون بالقبول في الدنيا، وذلك في الثناء الحَسن من الناس عليهم، وعلى الرغم من أنَّ التقيَّ المُخلص لله -تعالى- لا يُحبُّ سماع الثناء من الناس، ولا ينتظر شُكر عمله إلّا من الله تعالى، إلّا أنَّ الله -تعالى- يجعل في قلوب من حوله الحُبَّ، والرضا عنه، فيمدحونه، ويذكرونه بالخير؛ لأنَّهم ما وجدوا منه سوى ذلك، ومن الجدير بالذكر أنَّ البُشرى قد تكون رؤيا صالحة يراها العبدُ لنفسه، أو يراها أحدٌ عنه، ويخبره بها، وتلك من عاجل بُشرى المُؤمن أن يُبشَّر بالرضا، والقبول وهو حيٌّ يتقلَّب في الدنيا، وقد تكون بُشرى أولياء الله بدَين يُثقل الكاهل، فيقضيه الله تعالى عنه، وقد تكون بمرضٍ عُضال قد استيأس الأطبَّاء منه، فيشفيه الله -تعالى- بفضلٍ منه، ومِنّة.
ويكون تمام البُشرى لأولياء الله بعد الموت، وفي الآخرة، فحين تأتي الملائكة لقبض الرُّوح، فإنَّها تأتي بوجوه جميلة، وصُور بهيَّة، ثمّ يُوضَع العبد المُؤمن في القبر ، فيأتيه من ريح الجنَّة، ومن هوائها، فتكون بشارة أُخرى بأنّ العبد قد نزل مَنزلة رضا من الله تعالى، ثمّ إذا بدأ الحساب، وتوزَّع الناس بين الجنَّة، والنار، فإنَّ عبد الله التقيّ الوليّ يُبشَّر بأنَّه نجا من النار، وسُمومها، وعذابها، ثمّ يَنقلِب إلى نعيم خالد لا يزول في الجنَّة بإذنه -سبحانه-،علماً بأنَّ أرفع الدرَجات في الجنَّة هي أن يرى العبدُ ربَّه -سبحانه- لا يُضَام في رُؤيته، وتلك من بشائر العبد المُؤمن كذلك، فضلاً من الله، ونعمة.