كيف تكون مؤمناً حقيقياً
كيف أكون مؤمنا حقيقيا
يكون الإيمان حقيقيّاً برسوخه في قلب صاحبه كالجبال، فيبدو في خوف المؤمن وخشيته من خالقه، ويظهر على أقواله وأفعاله، وقد يكون الإيمان سبباً في سَبْق صاحبه المُخلص للكثير من أصحاب الأعمال الكثيرة التي لا يوجّهها إيمانهم، ويُمكن للإنسان الوصول إلى الإيمان الحقيقي من خلال الاتّصاف بمجموعةٍ من الصفات، وفيما يأتي ذكر بعضها:
- الرضا عما قدّره الله، وإظهاره بالكلام والأفعال؛ كفعل النبي -عليه الصلاة والسلام- عندما توفّي ابنه إبراهيم، حيث قال: (ولَا نَقُولُ إلَّا ما يَرْضَى رَبُّنَا، وإنَّا بفِرَاقِكَ يا إبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ).
- تذكّر الإنسان عظيم الأجر الذي يحصل عليه، وأن المؤمن أمره كُلّه له خير؛ ممّا يُنسيه مرارة الآلام؛ وذكر ابن الجوزيّ -رحمه الله- أن هُناك امرأةٌ جُرحت في أصبعها، فضحكت، فَسُئلت عن سبب ضحكها رغم ما سبّبه لها الجرح من الألم، فقالت: لذّة الثواب تُنسي مرارة الألم.
- الصبر على البلاء؛ وهو من أهم الوسائل الموصلة لزيادة الإيمان، لقوله -تعالى-: (وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا)؛ فالإيمان يزداد بالطاعة والعبادة، كالصبر، وتلاوة القُرآن ، وحُضور مجالس العلم، وينقص بالمعاصي .
- قول الخير والبُعد عن الشر، ومُراعاة حق الجار واجتناب كُل ما يُؤذيه، بالإضافة إلى إكرام الضَّيف، وهذه الصفات جاءت في حديث النبي -عليه الصلاة والسلام-: (مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ فلا يُؤْذِ جارَهُ، ومَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، ومَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أوْ لِيَصْمُتْ)، وتُعدّ استقامة اللّسان بقول الخير أساس استقامة القلب؛ لقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: (لا يَسْتَقِيمُ إِيمانُ عبدٍ حتى يَسْتَقِيمَ قلبُهُ، ولا يَسْتَقِيمُ قلبُهُ حتى يَسْتَقِيمَ لسانُهُ، ولا يدخلُ الجنةَ رجلٌ لا يَأْمَنُ جارُهُ بَوَائِقَهُ*).
- نشر الخير والدعوة إليه، والنهي عن المعاصي والمُنكرات؛ لحديث النبي -عليه الصلاة والسلام-: (مَن رَأَى مِنكُم مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بيَدِهِ، فإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسانِهِ، فإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وذلكَ أضْعَفُ الإيمانِ).
- الاتّصاف بصفات المؤمنين الصادقين؛ وهي الصفات التي توصل إلى البر والتقوى ، ومنها الأوصاف الواردة في قوله -تعالى-: (ليْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ)؛ وذلك من خلال الإيمان بالله -تعالى-، والتصديق بوجود الملائكة ، وجميع الكتب السماوية، وكذلك الصدقة على الفُقراء والمساكين وابن السبيل*، وأفضلها ما كان صاحبها في حال الصحة والقلّة التي يأمل صاحبها الغنى ويخاف الفقر، بالإضافة إلى الصبر على الفقر والمرض وغيرها من الأحوال التي تطرأ على حياة الإنسان.
- الخُشوع والسكون في الصلاة؛ لقوله -تعالى- عن صفات المؤمنين: (الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ)، ويتحقّق بخشوع القلب، والنظر إلى موضع السجود، وتفريغ القلب قبل الصلاة؛ بأن يُقبِل العبد على الصلاة ولا ينشغل قلبه وفكره بشيءٍ سواها، مع المُحافظة عليها في وقتها، لقوله -تعالى-: (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ).
- الإعراض عن اللغو؛ لقوله -تعالى-: (وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ)؛ ويكون بالابتعاد عن الباطل والشِّرك والمعاصي، وترك ما لا فائدة منه؛ سواءً أكان بالقول أو الفعل.
- الزكاة؛ لقول الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ)؛ وهي أداء زكاة المال بالمقدار الذي حدّده الإسلام، ويُحتمل منها أيضاً تزكية النفس، كالبُعد عن المعاصي والشرك، لقوله -تعالى-: (قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا* وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا).
- حفظ الفرج؛ لقوله -تعالى-: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ* إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ)، ويكون حفظ الفرج من خلال البُعد عن الزنا أو اللّواط ومقدّمات كلّ ذلك وغيرها.
- حفظ الأمانة والعهد؛ لقوله -تعالى-: (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ)، وذلك بأداء الأمانة إلى أصحابها، والمُحافظة على الوعود والعهود والمبادرة للوفاء بها.
- الإيمان بالغيب؛ لقوله -تعالى- عن صفات المُتّقين : (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ)، وذلك من خلال الإيمان بكل ما جاء في القُرآن الكريم والسنّة الصحيحة من أُمور الغيب؛ كالجنة، والنار، والكُتب، والرُسل، والقدر، وغير ذلك من الغيبيّات.
- الهجرة والجهاد؛ لقوله -تعالى-: (وَالَّذينَ آمَنوا وَهاجَروا وَجاهَدوا في سَبيلِ اللَّـهِ وَالَّذينَ آوَوا وَنَصَروا أُولـئِكَ هُمُ المُؤمِنونَ حَقًّا لَهُم مَغفِرَةٌ وَرِزقٌ كَريمٌ).
- ذكر الله -تعالى- مع التوكل عليه؛ لقوله -تعالى-: (وَاذكُر رَبَّكَ في نَفسِكَ تَضَرُّعًا وَخيفَةً وَدونَ الجَهرِ مِنَ القَولِ بِالغُدُوِّ وَالآصالِ وَلا تَكُن مِنَ الغافِلينَ)؛ وذلك بالإكثار من ذكر الله -تعالى- في الصباح والمساء، والتوجّه إليه في حال الرغبة والرهبة، مع شكره على نعمه، قال -سبحانه-: (مَّا يَفْعَلُ اللَّـهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللَّـهُ شَاكِرًا عَلِيمًا).
آثار الإيمان الحقيقي على المؤمن
إنّ للإيمان الحقيقيّ العديد من الآثار التي تعود على صاحبها، وهي فيما يأتي:
- دفع المكاره، والنجاة من الشدائد، والحفظ من الأعداء، لقول الله -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا).
- السعادة في الحياة وطيب المعيشة فيها، لقوله -تعالى-: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً).
- طهارة النفس وابتعادها عن الخُرافات؛ لأن الإيمان يجعل الإنسان يتعلّق بالله -تعالى- وحده، ويخاف منه، ولا يتعلّق بغيره من البشر.
- نيل الفوز والفلاح في الدنيا والآخرة، وإدراك الإنسان لما يطلب ويتمنّى، لقوله -تعالى-: (أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).
- الفوز برضا الله -سبحانه وتعالى-، وجنّته، ونعيمها الدّائم، ورحمته -عزّ وجلّ-.
- حصول الأمن للمؤمن، والاهتداء التامّ في الدُنيا والآخرة، لقوله -تعالى-: (الَّذينَ آمَنوا وَلَم يَلبِسوا إيمانَهُم بِظُلمٍ أُولـئِكَ لَهُمُ الأَمنُ وَهُم مُهتَدونَ).
- استحقاق المؤمن لوعد الله -تعالى- بالاستخلاف والقوة والتمكين في الأرض، لقوله -تعالى-: (وَعَدَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا).
- حلول الخيرات والبركات بسبب الإيمان، لقوله -تعالى-: (وَلَو أَنَّ أَهلَ القُرى آمَنوا وَاتَّقَوا لَفَتَحنا عَلَيهِم بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالأَرضِ وَلـكِن كَذَّبوا فَأَخَذناهُم بِما كانوا يَكسِبونَ)، بالإضافة إلى نيل ولاية الله -عزّ وجلّ-، لقوله -تعالى-: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّـهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ).
- حطّ السيّئات وتكفيرها، لقوله -تعالى-: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ)، كما أنه يمدّ العبد بقوّة التوكّل على خالقه، لقوله -سبحانه-: (وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ فَهُوَ حَسْبُهُ).
من صور صدق الإيمان في القرآن
توجد العديد من الصّور التي تدُلّ على صدق الإيمان في القُرآن الكريم، ومنها ما يأتي:
- تقوى الله -تعالى-؛ فقد كان الخِطاب القُرآني في سورة الحُجرات لأهل الإيمان يُركّز على التقوى، وأنّ أكرم الناس عند الله -تعالى- هم المُتّقون، قال -تعالى-: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ)، فالإيمان الحقيقيّ ما كان صاحبه مُتّصفاً باليقين، مع جهاده بالمال والنفس، قال -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ أُولَـٰئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّـهِ وَاللَّـهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ).
- الصبر على أمور الدين، وتحليل الحلال، وتحريم الحرام، وفعل الطاعات والتكاليف الشرعية؛ كالصلاة، والبُعد عن المُنكرات، وعلى قضاء الله -تعالى- وقدره، فقد أنزل الله -تعالى- أكثر من خمسين آية يحثّ فيها المؤمنين على الصبر على ما أصابهم في غزوة أُحُدٍ من الجراح والضرب والقتل، منها قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
- قيام الليل ؛ لفعل النبي -عليه الصلاة والسلام-، فقد كان يقوم من الليل حتى تتورم قدماه؛ لاستشعاره بحقيقة عُبوديّته لخالقه -سبحانه-، وكُلّ ذلك في جميع عباداته، فقد جاء في الحديث: (كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُصَلِّي حتَّى تَرِمَ، أوْ تَنْتَفِخَ قَدَمَاهُ، فيُقَالُ له، فيَقولُ: أفلا أكُونُ عَبْدًا شَكُورًا)، كما أنها من صفات المُحسنين والمؤمنين، لقوله -تعالى- في وصفه للمؤمنين: (كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ)؛ والهُجوع هو النوم بالليل، وقد كان من وصايا النبي -عليه الصلاة والسلام- لبعض صحابته بقيام الليل والمُحافظة عليه.
حقيقة الإيمان
يُعرّف الإيمان بالله -تعالى- بأنه التصديق الجازم النابع من القلب بالله -تعالى- ووجوده، ووحدانيّته، وألوهيّته، وأسمائه ، وصفاته، فهو الأول، والآخر، والظاهر، والباطن، والأحد، الصمد، لقوله -تعالى-: (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ* وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ)، ويُعدّ الإيمان من أهم درجات الدين، ويتحقّق بظهور صفاته على صاحبه؛ كتحقيق التوحيد قولاً وعملاً، وإقام الصلاة ، وغيرها من الأعمال والأوصاف التي تُميّز المؤمن عن غيره، وسُنبيّن في هذا المقال كيفية الوصول إلى الإيمان الحقيقيّ، وأثر ذلك على الشخص، ثُم ذكر بعض الصور التي تدُلّ على صدق الإيمان.
الهامش
*ابن السبيل: هو المسافر الذي نفذت أمواله، فيُتصدق عليه ما يعينه على الرجوع إلى بلده.
*بوائقه: بوائق جمع بائقة، وهي الشر.