كيف تكون إنساناً صبوراً
الصبر
يطلق الصبر في اللغة على الحبس والمنع والتحمّل، دون شكوى وتضجّرٍ واستعجالٍ للأمور، وعرّف شيخ الإسلام ابن تيمية الصبر الجميل بأنّه الصبر الذي لا يكون فيه شكوى ولا معه، أمّا الصبر اصطلاحاً: فهو الثبات على الأحكام الواردة في القرآن الكريم، والسنّة النّبوية ، ومنع النفس من السخط والجزع والتضجّر، وعلى المسلم أن يتحلّى بالصبر، فقد ذكر الله تعالى الصبر في أكثر من تسعين موضعاً في القرآن الكريم، ربطه وقرنه بالصلاة ، وكلّ أمور الدين متعلقةٌ بالصبر، فالقيام بالطاعات، والعبادات، وترك المعاصي والفواحش يحتاج إلى صبرٍ عظيمٍ، وللصبر ثلاثة أنواع؛ فإمّا أن يكون صبراً على الطاعات والعبادات، أو صبراً عن المحرّمات والفواحش، أو صبراً على الابتلاءات والمحن، والصبر من الأوامر التي أمر بها الله تعالى عباده، حيث قال: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ)، ومن الثمار التي يُجنيها العبد بصبره؛ تحقيق الإيمان في القلب، فرُوي عن عبد الله بن مسعود أنّه قال: (الصّبر نصف الإيمان)، وبالصبر يتحقّق الخضوع والتذلّل لله تعالى، وتحقيق ووصول للصدق والتقوى والهداية، ونيلٌ للرحمة من الله تعالى، وتكفيرٌ للذنوب والسيئات، ونيلٌ للأجر العظيم.
كيفية التخلّق بالصبر
يمكن للعبد أن يتخلّق بالصبر بمجموعةٍ من الوسائل، وفيما يأتي بيان البعض منها:
- العلم بأنّ كلّ المُلك لله تعالى، حيث ورد في القرآن الكريم قول الله تعالى: (لا يُسأَلُ عَمّا يَفعَلُ وَهُم يُسأَلونَ)، فالله تعالى الحاكم دون أيّ تعقيبٍ بعده، ودون الاعتراض على حكمته، وقدره، وعدله، ولطفه، وقد نصّ على ذلك ابن كثير في تفسيره للآية السابقة، وفي قوله تعالى: (كَذَٰلِكَ اللَّـهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ)، دليل على أنّ الله تعالى حاكمٌ لجميع الأمور، وهو المقدّر لها.
- العلم بأنّ جميع الأمور مكتوبة عند الله تعالى في علم الغيب، حيث إنّ الإيمان بالقضاء والقدر ركنٌ من أركان الإيمان الستة، وذلك ممّا يعين العبد على تقبّل أحكام الله وما قدّر وحكم، فالمرض والصحة والغنى والفقر والفرح والحزن والخير والشرّ ممّا قدّر الله تعالى، دون القدرة على الفرار والهروب ممّا هو مقدّرٌ ومكتوبٌ.
- العلم بأنّ المصائب من الأمور التي تصيب جميع العباد، وذلك امتحانٌ من الله تعالى لعباده، واختباراً لصبرهم، وبيانٌ للعباد المتقين ، فإن نجحوا في ذلك فإنّ الجنّة من نصيبهم في الحياة الآخرة، كما أنّ في ذلك تكفيرٌ للذنوب والسّيئات، وفي ذلك قال الشعراوي رحمه الله: (إنّ المصيبة واقعة على المرء لا محالة، وأنّه ليس للإنسان أن يمنع وقوع المصيبة، أو أن يدفعها).
- الاسترجاع إلى الله تعالى عند وقوع المصيبة، حيث قال الله تعالى: (الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّـهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)، أي أنّ المخلوقات ملك لله تعالى، كما أنّهم راجعين إليه، وبناءً على ذلك فالله تعالى له الحقّ الكامل في التصرّف في أمور عباده، بدايةً ونهايةً وما بين ذلك، كما أنّ الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- حثّ المسلمين على الاسترجاع عند وقوع المصيبة، كما ورد عنه الدعاء بقول: (اللهمَّ أْجُرْني في مصيبتي وأَخلِفْ لي خيراً منها)، وذلك ما فعلته أم سلمة رضي الله عنها عند وفاة زوجها، فأبدلها الله تعالى خيراً بزواجها من الرّسول عليه الصلاة والسلام.
- العلم بأنّ علم الإنسان قاصرٌ عن معرفة مواطن الخير له، ليتقرّب منها، كما أنّه قاصرٌ عن معرفة مواطن الشّر ليبتعد عنها ويتجنبها، وقد بيّن ذلك قول الله تعالى: (وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ)، فقد يعتقد الإنسان بأنّ الأمور التي تصيبه شراً، إلّا أنّه بعد مدّةٍ من الزمن يعلم بأنّ كلّ الخير كان فيها.
- اليقين بقدرة الإنسان، فالله تعالى لم يأمر العباد بما لا يستطيعونه من التكاليف والعبادات والطاعات، أو بحلول المصائب والابتلاءات عليهم التي لا يطيقونها، والتي لا بدّ أنّ لها العديد من الحكم، منها: التفكّر في النفس وأعمالها.
- العلم بأنّ الدنيا في الحقيقة محطةً لا غير، حيث قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (الدُّنيا سِجنُ المؤمنِ وجنةُ الكافرِ)، فالفرق بين المؤمن والكافر أنّ المؤمن يُؤجر على المصائب والامتحانات التي تُصيبه، فالطعام والشراب والرزق والامتحانات تصيب المؤمن والكافر على حدٍ سواءٍ.
صبر الرسول
تحمّل الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- الأذى الشديد في سبيل الدعوة ونشر رسالة الإسلام، وصبر على ذلك صبراً عظيماً، ومن ذلك تحمّله للأذى الجسدي من قومه وأهله وقبيلته وهو في مكة المكرمة ، فمن الابتلاءات التي تدلّ على ذلك ما حصل معه عندما كان يصلّي في حجر الكعبة، فذهب إليه عقبة بن أبي معيط، ووضع ثوبه في عنق النبي، وحبس أنفاسه، وخنقه خنقاً شديداً، حتى ذهب إليه أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- ليُبعده عن النبي عليه الصلاة والسلام، ومن الأذى النفسي الذي تحمّله اتهامه بالجنون والكهانة والسحر، وبأنّه شاعر، واتهامه أيضاً بأنّ الآيات التي أُرسل بها ما هي إلّا أساطير الأولين، ومن ذلك ما قاله له أبو جهل : (اللهمّ إن كان هذا هو الحقّ من عندك فأمطر علينا حجارةً من السّماء أو ائتنا بعذابٍ أليمٍ)، فأنزل الله تعالى قوله: (وَما كانَ اللَّـهُ لِيُعَذِّبَهُم وَأَنتَ فيهِم وَما كانَ اللَّـهُ مُعَذِّبَهُم وَهُم يَستَغفِرونَ*وَما لَهُم أَلّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّـهُ وَهُم يَصُدّونَ عَنِ المَسجِدِ الحَرامِ)، وكان أبا جهلٍ يكذّب النبي في كلّ الأماكن التي يدعو فيها إلى توحيد الله تعالى.