كيف تصلى صلاة التهجد
كيف تُصلى صلاة التهجدِ
تُصلّى صلاةُ التهجُد بعد القيام من النومِ في اللّيلِ، ويُسَنّ للمسلمِ أن ينوي القيام عند نومهِ، فإن غلبَه نومه ولم يقم كُتبَ له ما نوى، وإذا استطاع القيام يمسح النوم عن وجههِ، ثُمّ يقرأ العشر آيات الأخيرة من سورةِ آل عمران، ثُمّ يستعمل السِّواك، ويتوضّأ، ثُمّ يُصلّي ركعتين خفيفتين، لِقول النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (إذا قامَ أحَدُكُمْ مِنَ اللَّيْلِ، فَلْيَفْتَتِحْ صَلاتَهُ برَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ)، ثُمّ يُصلّي تهجُّدهَ ركعتين ركعتين، لِجواب النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- للرجُلِ الذي سألهُ عن كيفية صلاةِ اللّيل، ويجوز أن يُصلّي أربعَ ركعاتٍ مرةً واحِدة، والأفضل أن يكون للشخصِ عددُ ركعاتٍ معلومة، وأن يكون في بيتِه، ويوقظُ أهله، ويُصلّي بهم جماعة، ويقرأ بالجهر تارّة، وبالسِّر تارّة، وإذا مرَّ بآيةِ رحمة سأل الله، وإذا مرَّ بآيةِ عذاب استعاذ بالله، ثُم يَختم قيامه بصلاةِ الوتر.
كما يجوزُ للمسلمِ صلاتُها بعد سُنةِ العِشاء وقبل النوم، أو وسط الليل، أو في آخِره، ويُصلّي ما شاء، ويبدأ بركعتين خفيفتين، ثُمّ يوتر، فإن صلّاها إحدى عشر ركعة فيُسنُّ لهُ السلام بعد كُلِّ ركعتين، وإن صلّاها سبع ركعات فالأفضل صلاتها مرةً واحدة بِسلامٍ واحِد، ويجوزُ له التشهُّد بعد السادسة من غير سلام، ويُسلِّمُ بعد الركعة السابعة، وإن صلّاها خمس ركعات؛ فيُسنُّ له السلامُ في آخرها، وإن كانت ثماني ركعات؛ فالأفضل لهُ السلام بعد كُلِ ركعتين، وإن كانت تسعاً؛ فيُسنُّ له صلاتُها مرّةً واحِدة بِسلامٍ واحد، ولكنَّه يتشهّد بعد الركعة الثامنة التشهُّد الأول، والأفضل صلاةُ اللّيل ركعتين ركعتين، ثُمّ يوتر بعد ذلك؛ إمّا بركعةٍ واحِدة أو ثلاثُ ركعات، ويجوزُ له صلاتُها سرّاً أو جهراً ، بِحسبِ الأصلح لحالِ قلبه، والأقرب إلى الخُشوعِ والطُمأنينةِ، والأفضل الجمعُ بينهُما، لِفعل النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-.
وإن جمع المسلم صلاة العشاء إلى صلاةِ المغرب فصلّاها في وقتِ صلاة المغرب؛ فيبدأ وقتُها من بعد صلاةِ العِشاء المجموع مع المغرب، ومن خافَ على نفسِه عدم القيام في آخر الليل فيُسنّ له الصلاة قبل النوم، ومن غَلب على ظنِّه القيام ولم يقُم، فإنَّهُ يقضيها خلال النهار شفعاً لا وتراً، فمن كانَ من عادته صلاةُ خمسُ ركعات؛ فإنّهُ يُصلّيها خلال النهار ستّاً، لِفعل النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ كانَ إذَا فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ مِنَ اللَّيْلِ مِن وَجَعٍ، أَوْ غيرِهِ، صَلَّى مِنَ النَّهَارِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً)، ويُسَنّ أن يقرأ المسلم في تهجُّدهِ جُزءاً من القُرآن الكريم، لِفعل النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-، وإن فاته التهجّد فيُستحبّ قضاؤه ما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر.
وقت صلاة التهجد
يبدأ وقتُ صلاة التهجُّد بعد صلاةِ العِشاء ويمتدُّ إلى أذان الفجر الثاني، وأفضلُ وقتهِ الثلثُ الأخير من اللّيل، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- أنَّ رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - قال: (أَحَبُّ الصَّلَاةِ إلى اللَّهِ صَلَاةُ دَاوُدَ عليه السَّلَامُ، وأَحَبُّ الصِّيَامِ إلى اللَّهِ صِيَامُ دَاوُدَ، وكانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ ويقومُ ثُلُثَهُ، ويَنَامُ سُدُسَهُ)، فيقوم في الثُلثِ الأول من النصف الثاني، وينامُ في آخر الليل، كما يجوز أداؤها في أيِّ وقتٍ ما بين صلاة العشاء وصلاة الفجر ، والأفضل في آخرِ اللّيل لمن غلبَ على ظنِّه القيام في ذلك الوقت، لقولِ النبي -عليه الصلاة والسلام-: (مَن خَافَ أَنْ لا يَقُومَ مِن آخِرِ اللَّيْلِ فَلْيُوتِرْ أَوَّلَهُ، وَمَن طَمِعَ أَنْ يَقُومَ آخِرَهُ فَلْيُوتِرْ آخِرَ اللَّيْلِ، فإنَّ صَلَاةَ آخِرِ اللَّيْلِ مَشْهُودَةٌ، وَذلكَ أَفْضَلُ)، فإنَّ صلاة آخر اللّيل أفضل، وذهب جُمهور الفُقهاء إلى أنَّ الأفضل تقسيمُ الليل إلى ثلاثةِ أثلاث، فيكون أفضلها أوسطه، ويرى المالكيّة أنَّ الثُلث الأخير أفضل لِمن اعتاد الاستيقاظ آخر اللّيل.
ويُعلَّل كون الثُلث الأخير من اللّيل أفضل؛ لأنَّ في ذلك تعرُّض لنفحاتِ الله -تعالى-، وإجابة الدُعاء ، لِقول النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (يَنْزِلُ اللَّهُ إلى السَّماءِ الدُّنْيا كُلَّ لَيْلَةٍ حِينَ يَمْضِي ثُلُثُ اللَّيْلِ الأوَّلُ، فيَقولُ: أنا المَلِكُ، أنا المَلِكُ، مَن ذا الذي يَدْعُونِي فأسْتَجِيبَ له، مَن ذا الذي يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَن ذا الذي يَسْتَغْفِرُنِي فأغْفِرَ له، فلا يَزالُ كَذلكَ حتَّى يُضِيءَ الفَجْرُ).
المقصود بصلاة التهجد
تُطلق كلمةُ التهجُّد في اللُّغةِ على النومِ والسّهرِ معاً، فهي من الكلماتِ ذات الأضداد، فيُقال تهجَّدَ فُلان: إذا نام، ويُقال تهجَّدَ فُلان: إذا سهر، ويًقال هَجَدَ: أي نام باللّيل، فهو هاجد، والجمعُ هُجُودٌ، وهَجَدَ: أي صلّى باللّيل، وأمّا في الاصطلاح؛ فتُطلق على أي صلاة في اللّيل غير المفروضة، وذهبَ جُمهور الفُقهاء إلى أنَّها أيّ صلاة تطوع تكون في اللّيل بعد الاستيقاظ من النومِ، وفرَّق بعضُ العُلماء بين التهجُّدِ وقيام اللّيل ، فقالوا: إن القيام ما يُصلّيه المُسلم قبل نومِه، وأمّا التهجُّد فيكونُ بعد القيامِ من النوم.
فضل صلاة التهجد
إنّ لِصلاةِ التهجُّد الكثير من الفضائل، منها:
- ذِكر النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- لها بأنّها أفضلُ الصلواتِ بعد الفريضة، لِما فيها من السريّةِ والإخلاصِ، وقُرب العبد من ربِّه، ولذّةِ مُناجاته، والمشقة الحاصلة بتركِ النوم، لِقولهِ -تعالى-: (إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلً)، بالإضافةِ إلى وُجود أوقاتٍ تُستجابُ فيها الدعوة.
- نيل الأجر العظيم من الله -تعالى-، وهي علامةٌ تدلُ على صلاح الإنسان وتقواه، ومما يدلُ على عظيمِ فضلِها أنّ الله -تعالى- أمرَ بها نبيّهُ مُحمد -عليه الصلاةُ والسلام-، فقال -سبحانه وتعالى-: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً).
- ثناءُ الله -تعالى- ومدحهِ على القائمين والمُتهجّدين، لقولهِ -تعالى-: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً* وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً).
- الوصول بالإنسان إلى الجنّةِ، لِقول النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (يا أيها الناسُ أَفشُوا السلامَ، وأطعِموا الطعامَ، وصَلُّوا بالليلِ والناسُ نيامٌ؛ تدخُلوا الجنَّةَ بسلامٍ)، كما أنّها سببٌ لِمحبة الله -تعالى-.
- اهتمامُ النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- بها حتى تشقّقت قدماه، كما أنّها سببٌ لِرفعِ درجات المُسلم في الجنةِ، وتكفيرِ السيِّئات، وشهادة الله -تعالى- لمن يقوم اللّيل بالإيمان الكامل، ووصفهِ بالإحسان.