كيف تتوب من الذنوب
تعريف التوبة والتوّاب
يُذكر في تعريف التوبة لغةً أنّها الندم، والاعتراف بالذنب والتقصير، والعودة والإنابة إلى طريق الصواب، فإن قيل إنّ فلاناً تاب؛ فقد عاد إلى طريق الله وهدايته، وترك ما يُسخط الله تعالى، وما نهى عنه، وأمّا اصطلاحاً فقد ذكر العلماء أنّ التوبة تعني: اعتراف العبد بذنبه وتقصيره، وعودته عن المحرّمات والآثام إلى رضوان الله تعالى، وطاعته، ويأتي لفظ التوّاب بمعنيين اثنين؛ أولاهما: وهو صيغة المبالغة للفعل تاب، بمعنى عاد ورجع، فالتوّاب هو كثير التوبة والعودة بعد الزلل والخطأ، وهو لفظٌ مناط بالإنسان، الذي قد يكون توّاباً بمعنى كثير التوبة والإنابة، والمفهوم الثاني: هو اسمٌ من أسماء الله سبحانه، ويأتي بمعنى كثير التوبة على عباده، وتقبّل التوبة والإنابة منهم.
وقد أمر الله تعالى عباده أن يبادروا إلى التوبة ، ويحقّقوا شروطها، وجعلها واجبةً على كلّ المؤمنين، ومن كلّ الذنوب، حيث قال الله تعالى: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)، فدلّ الأمر في الآية السابقة على الوجوب، وجعل الله تعالى السبيل الميسّر للفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة في التوبة النصوح، يأتيها العبد بين يديه كلّ ما أذنب ذنباً، أو قصّر في الطاعات ، وأوضح الله سبحانه لعباده أنّ كلّ عبدٍ محتاجٌ إلى التوبة والإنابة؛ حتى يفرح في الآخرة ، فقد قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)، والتوبة التي يريدها الله سبحانه من عباده توبةً شاملةً من كلّ الذنوب والخطايا، صادقةً لا يُراد بها إلّا رضا الله سبحانه، حيث قال الله تعالى مبشّراً عباده بقبول توبتهم: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ).
كيفيّة التوبة من الذنوب
ذكر العلماء شروطاً وجب على التائب تحقيقها كلّها؛ حتى تُقبل توبته، ويعفو الله سبحانه عنه، وفيما يأتي ذكرٌ لكيفيّة تحقيق التوبة النصوح:
- إخلاص العبد لله سبحانه في توبته، فلا تكون توبته مشوبةٌ برضا شخصٍ بعينه، أو تحقيق منفعةٍ شخصيّةٍ.
- ترك الذنب نهائياً، والإقلاع عنه بمجرّد إعلان التوبة.
- شعور التائب بالندم على ما فات من إتيان الزلّات والآثام.
- عقد العزم على عدم العودة إلى الذنب مجدّداً، حتى إن تكررت الظروف التي كان يأتيه فيها.
- إعلان التوبة بشروطها قبل أن يحضر الإنسان الموت ، فإن بدأت عليه علامات الاحتضار لم تُقبل توبته.
- ردّ الحقوق لأصحابها إن كان الذنب تسبب في إيذاءٍ، أو سرقةٍ ، أو شتمٍ، أو غيبةٍ لإنسانٍ، فإنّ على التائب أن يردّ له حقوقه، أو أن يستسمحه حتى تكمُل عند الله تعالى توبته.
أمورٌ معينةٌ على الثبات على التوبة
يحتاج المرء بعد تحقيق توبته إلى ما يعينه على الثبات عليها، فلا تزيغ نفسه إلى الحرام مجدّداً، وممّا يُعين على الثبات بعد التوبة:
- أن يستحضر العبد عظمة الله سبحانه، وفضله عليه، وأنّ هذا المنعم لا يستحق إلّا الثناء الحسن، والعبادة السليمة التي لا يشوبها آثامٌ ومعاصي.
- أن يتذكّر التائب سوء منقلب الذنوب، وبغض الله تعالى، وسخطه عليها، وعلى أصحابها، فبذلك يكون المرء أقرب إلى توبته، فلا يميل إلى إبطالها بإتيان المعاصي مجدداً.
- أن يتذكّر التائب فضل التوبة والتوّابين ، فذلك يُشجّعه على الثبات، وحثّ الخطى على الاستقامة .
- أن يتذكّر المسلم أنّه سيقف يوم القيامة فرداً بين يدي الله تعالى، وأنّ الله تعالى سيحاسبه على ذنوبه، فهذا يشعر التائب بالخجل، والندم على ذنوبه، ويجعله أقرب إلى التوبة، وتيسير طريقها.
- أن يُكثر التائب من تلاوة القرآن وحفظه، فهو الحافظ للجوارح والقلب من الزيغ والحرام.
- أن يُكثر التائب من مجالسة الأخيار، والصحبة الصالحة، فهي المعينة والمذكّرة بالخير والفضائل، وتنهى عن الفحشاء والمنكر.
فضل التوبة وأهلها
للتوبة فضائل عظيمةٌ ترفع أهلها في الدنيا والآخرة، وفيما يأتي ذكرٌ لجانبٍ من فضائل التوبة المذكورة في القرآن الكريم والسنة الشريفة :
- جالبةٌ لمحبة الله سبحانه، فقد قال الله تعالى: (إِنَّ اللَهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ).
- سببٌ لفلاح أهلها، كما قال الله سبحانه: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّـهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
- سببٌ لتنزّل رحمات الله سبحانه، حيث قال الله تعالى: (وَالَّذينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تابوا مِن بَعدِها وَآمَنوا إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعدِها لَغَفورٌ رَحيمٌ).
- سببٌ لتبديل السيئات حسنات إذا صحّت لصاحبها، فقد قال الله تعالى: (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَـئِكَ يُبَدِّلُ اللَّـهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّـهُ غَفُورًا رَّحِيمًا).
- جالبةٌ للخير حيثما كان، وأنّى كان، فقد قال الله تعالى: (فَإِن يَتوبوا يَكُ خَيرًا لَهُم).
- التوبة تجلب لصاحبها استغفار ودعاء الملائكة له لرضاها عن فعله، فقد قال الله تعالى: (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ).
- سببٌ لجلب الرزق ، والبركة فيه لصحابها، حيث قال الله تعالى: (وَيا قَومِ استَغفِروا رَبَّكُم ثُمَّ توبوا إِلَيهِ يُرسِلِ السَّماءَ عَلَيكُم مِدرارًا وَيَزِدكُم قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُم).