كيف اصلح علاقتي مع الله
أصل الفتور في العلاقة مع الله
قد يصيب المؤمن في علاقته مع ربه فتور يطول أو يقصر، وهذا حال طبيعي تمرّ فيه النفس، وقد قال فيه النبي صلّى الله عليه وسلّم: (إنَّ الإيمان ليخْلَقُ في جَوْفِ أحدِكُم كَما يَخلَقُ الثّوب، فاسألُوا اللهَ -تعالَى- أنْ يُجَدِّدَ الإيمان في قُلوبكم)، فإذا كان الإيمان يبلى فإنّ المؤمن ولا شكّ يحتاج إصلاح، وتجديد الإيمان، والعلاقة مع الله تعالى، وإذا ذُكر ضعف الإيمان، ورقّته فإنّ أول الأسباب لذلك إتيان المعاصي والمحرّمات، فإنّها إذا تكررت مراراً وأصر المسلم عليها جعلت القلب قاسياً أحاطه حجاب يمعنه من إبصار نور الله، وقد قيل أنّ كما للخمر سكرةٌ تغشى العقل وتذهبه، فإنّ للمعاصي سكرةً تغشى القلوب وتذهب بيقظتها، وحضورها وتدعها في غفلة عن الله -تعالى- وطاعته، ولأنّ القلب هو محل الإيمان ، ومنطلقه كانت المعاصي تؤثر بشكل مباشر على الإيمان والقرب من الله عز وجل.
وكما أنّ للمعاصي الدور الأكبر في فتور النفس وضعف الإيمان، فإنّ هناك سبب آخر هو التكاسل والتفريط في السُنن، فضلاً عن التقصير في الفرائض ، ولقد اعتبر العلماء التقصير في السنن من علامات نقص الدين، وإنّ من تركها استخفافاً بها وبفضلها فإنّ ذلك من علامات الفسوق، فالنوافل هي التي تجبر الفرائض إن كان فيها نقص، وفي الحديث عن النبي -عليه السلام- أن الله -تعالى- يقول يوم القيامة: (انظُروا هل لعبدي تطوُّعٍ؟ فإن وُجِدَ لهُ تطوُّعٌ تمَّتِ الفريضةُ منَ التَّطوُّعِ)، ولذلك عُدّ التقصير في النوفل باباً للتقصير في الفرائض فيما بعد.
إصلاح العلاقة مع الله
يبدأ إصلاح العلاقة مع الله -تعالى- أن يجعل المرء جميع حركاته وسكناته لله سبحانه، مستحضراً بذلك معيّته طوال الوقت، وإنّ أوّل أمر عملي يعين على ذلك هو التفكّر في خلقه، وإعمال العقل في عظمته وقدرته، وذلك من أسرع السبل لتجديد الإيمان في القلب ،، ومن تلك الأعمال التي تجدد الإيمان وتصلح ما فتر من العلاقة مع الله -تعالى- ما يلي:
- الدعاء: فليتوجه الإنسان إلى ربه بسؤاله الثبات والمعونة، قدوته في ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي كان من دعائه : (يا مُقلبَ القلوبِ ثبِّت قلبي على دينِكَ).
- قيام الليل: فهو من أجلّ العبادات وأرفعها للدرجات، ترفع همّة المؤمن وتزيح عن قلبه الغفلة، فضلها في أنّها سرّ بين العبد وربّه، وقد ذكر الله -تعالى- فيها آيات من القرآن الكريم لفضلها، قال تعالى: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ*فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).
- قراءة القرآن: فكلام الله تعالى دواءٌ لأمرض القلوب وأسقامها، والفتور أحد هذه الامراض، وقراءة القرآن علاجٌ نافع لها.
- المواظبة على الأذكاروالتسبيح: فهو دليلٌ على صحوة القلب وصحة الإيمان، وهي صفة ملازمة للمؤمنين ، ودالّة على الإتصال بالله سبحانه، وفضل الذكر عظيم ويدلّل على عظم أثره، فقد قال عليه السلام: (سبَق المُفرِّدونَ سبَق المُفرِّدونَ، قالوا: يا رسول الله ما المفرِّدون؟ قال: الذَّاكرون الله كثيرًا والذاكراتُ)،، ومن الأمثلة على أذكار مخصوصة، أذكار الصباح والمساء فهي تحصّن المسلم، وتبعد عنه الشّيطان ، الذي يسعى كل حين أن يبعد العبد عن ربّه، ويُفسد طمأنينة الوصال عليه، فكانت الأذكار مبعداً له ولوساوسه وأفعاله.
أثر القرب من الله على نفسية الإنسان
إنّ من تمام عناية الإنسان بنفسه أن يوازن بين العناية بالروح والجسد، فمطالب الجسد عديدة منها ما هو ضروري للحياة كالطعام، والشراب، والنوم، والراحة، ومنها ما هو طبيعي كالصحة العقلية والعمل والسلامة البدنية، وعلى الإنسان أن يعلم أنّ هناك جانب مهمّ جداً يوازي أهمية الطعام والشراب بل يفوقه، هو العناية بالنفس والروح، فإنّ العناية بالروح من أهم المطالب في حياة أي إنسان حتى تستقيم حياته، ويحقق التوازن المنشود، ولقد أولى الإسلام اهتماماً عظيماً في الصحة النفسية، وذلك من خلال توجيه المسلم على تقوية صلته بالله تعالى، وقَرن بين صحة عقيدته وسلامة دينه، وبين راحته وطمأنينته وتفاؤله في حياته، قال تعالى: (أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)،
والله -سبحانه وتعالى- خلق الإنسان وهو أعلم بما خلق، وبأنّ الإنسان فُطر على الجزع والحرص، فإنه إن أصابه مكروه خاف وحزن، وإن أصابه انفراج وخير أمسك خشية الإنفاق ، قال تعالى: (إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا*إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا*وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا*إِلَّا الْمُصَلِّينَ*الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ)، ثمّ استثنى الله -تعالى- من هذه الصفات المؤمن المقيم للصلاة المحافظ عليها، وتمتدّ الآيات لتصف صفات المؤمنين بشيء من التفصيل لتصل إلى حقيقة مفادها أنّ الإنسان مجبول على الخوف ، والحرص، والهلع من مآلات الأمور سواء عاش في شدةٍ أو رخاءٍ، ما دام منقطعاً عن الله -تعالى- بعيداً عن شرائعه، فإن هو اتصل بالله وامتلأ قلبه آيماناً جرت عليه المقادير في طمأنينةٍ، وسكينةٍ، وراحةٍ تريح القلب وتهذّب النفس وتصلح الحال، ولذلك فقد وجّه الله -تعالى- أول من وجّه نبيه -عليه السلام- أنه إن أصابته شدة فليتوجه إلى ربه مقبلاً عليه بالسجود والتسبيح، فإنّ في ذلك الراحة والطمأنينة وانزياح الهم، قال تعالى: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ*فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ*وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ).