كم مقدار زكاة الأرض
كم مقدار زكاة الأرض
تختلف أحكام زكاة الأرض بحسب استعمال صاحِبِها لها، والقصد من استخدامها، وفيما يأتي في المقال بيان وتفصيل ذلك:
زكاة الأرض المعدّة للسكنى والانتفاع
اتفق فقهاء الحنفيَّة ، والمالكيَّة، والشافعيَّة، والحنابلة على أنّ من يمتلك أرضاً للإعمار والسَّكن فلا تجب فيها الزَّكاة ، واستدلُّوا بعدَّة أدلةٍ، كحديث النَّبيِّ -عليه الصلاة والسلام-: (ليسَ علَى المُسْلِمِ في فَرَسِهِ وغُلَامِهِ صَدَقَةٌ)، والمُراد منه ما يُقتنى بقصد التملُّك وليس بقصد البيع، فالزَّكاة في الشَّيء المُعدِّ للاقتناء والامتلاك لا يُزكَّى، أمَّا الأراضي التي تُعَدُّ للتِّجارة والبيع والإيجار فيجب إخراج زكاتها.
زكاة الأرض المعدّة للاستثمار
اتّفق الفُقهاء على أنَّ الأرض التي يمتلِكُها صاحِبُها بقصد استغلالها واستثمارها في المُستقبل في مشاريع الزِّراعة، أو التِّجارة، أو الصِّناعة، أو غير ذلك لا زكاة في عينها، وإنّما تكون الزَّكاة على الناتج والخارج منها إذا حال عليها حول الزكاة، كالزُّروع أو الإيجار وغير ذلك، واستدلُّوا على عدم زكاة عينها بعدة أدلة، منها قوله -تعالى-: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ)؛ حيث أوجب الله -تعالى- الزكاة على ما يخرُج من الأرض وليس عين الأرض نفسها، كما أنّ الأرض المُعدَّة للاستثمار لا تأخُذ حُكم التِّجارة ؛ لأنها لم تُرصد لها بعينها.
وبالنسبة إلى الأرض التي يُعدُّها صاحِبُها للتجارة وبذلها للناس، ويُداولها للبيع فتُزكَّى كما تُزكَّى عُروض التجارة، أمّا الأرض التي يقوم صاحِبُها بِشرائها بقصد استثمارها بالبناء عليها ثُمّ بيعها؛ كالمشاريع الإسكانيَّة، ففي هذه الحالة ذهب بعضُ المُعاصرين إلى وجوب الزكاة فيها؛ لتوفر شُروط زكاة عُروض التجارة فيها، وفي حال عدم استطاعته دفع الزكاة أثناء البناء أو التعمير فيجوز له إخراجُها عن السنوات الماضية بعد بيعها؛ بشرط معرفة قيمة الأرض في كُل سنة. وكذلك تُزكَّى الأرض إذا أراد صاحبها شراءها ثُمّ بيعها عند ارتفاع سعرها؛ حيث تُعامل مُعاملة عُروض التجارة ؛ وذلك بإخراج رُبع العُشر عن كلِّ سنةٍ، وإن كان المقصود من شرائها الاستثمار عليها؛ كالبناء، ثُمّ قرَّر صاحبها بعد ذلك بيعها، فلا زكاة فيها، وإنما تُزكَّى بعد حولان الحول على ثمنها.
أمّا الأرض التي يتردَّد صاحِبُها بين بيعها وعدم بيعها، فإن كان المقصود من شرائها البيع فتجب الزكاة فيها، وإن اشتراها ولم يقصد بيعها ثُمّ تردَّد بعد ذلك بين بيعها وعدمه فلا زكاة فيها؛ لأنّ الواجب في الزكاة النِّيَّة في البيع والاتجار، عن سمرة بن جندب -رضي الله عنه- قال: (إنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ كان يأمرُنا أن نُخرِجَ الصدقةَ من الَّذي نَعُدُّ للبيعِ). وإذا كانت الأرض زراعيَّةً فإنّه يُزكَّى الخارجُ منها زكاة الزُّروع والثِّمار، وإن كانت مُعدَّةً للتجارة فَتُزكَّى زكاة عُروض التِّجارة، وإن كانت بقصد الإيجار فيُزكَّى إيرادُها إذا توافرت فيه شُروط الزكاة، أمّا إن كانت للانتفاع الشخصي كالمشتراة للبناء والسُّكنى فلا زكاة فيها.
زكاة الأرض المعدّة للبيع
اتّفق الفُقهاء على اشتراط النية في زكاة عُروض التجارة، فإن كان القصد من شراء الأرض بيعُها والاتِّجار بها، فيُشترط لذلك النية، واستدلوا على ذلك بعدَّة أدلَّةٍ، كقول النَّبيِّ -عليه الصلاة والسلام-: (إنَّما الأعْمالُ بالنِّيّاتِ)؛ فهذا دليلٌ عامٌّ على اعتبار النية في الأعمال؛ كالتجارة، فيكون قصد المُشتري النقد الذي تجب فيه الزكاة، وكذلك حديث النبيِّ -عليه الصلاة والسلام-: (ليس في العُروضِ من زَكاةٍ، إلَّا أنْ يرادَ به التِّجارةُ). كما أنّ الأرض تصلُح للتجارة فإنها أيضاً تصلحُ لغير ذلك فلا بُدَّ من تعيين النِّيَّة، بالإضافة إلى أنّ الزكاة لا تجبُ إلا في المال النامي، والنماء في الأرض يكون باقتران النية، والمقصود من النية هُنا: تقليب المال بقصد الربح، فنية التجارة تختلف عن نية البيع؛ فالأرض تُزكَّى عندما تكون النية في شرائِها بقصد الربح ببيعها، وليس مُجرَّد البيع فقط.
أمّا التردُّد في النية، سواءً أكان في البيع أو الاستثمار أو الإيجار وغير ذلك، فإنه في هذه الحالة لا زكاة فيها؛ لأن من شُروط النية في الزكاة الجزم بها ووضوحها، وتكون النية في القلب، ولا يُمكن أن يُستدلَّ بها من قرائن الحال، كمن يكون مُستثمراً يبيع ويشتري وهذا واقع حاله، فلا يُحكم عليه بالزكاة؛ لعدم العلم بنيّته، وبالنسبة إلى من يجمع بين نيَّتين؛ كالتجارة والاستغلال أو الانتفاع مثلاً، فقد ذهب المالكيَّة إلى قولين؛ الأول: وجوب الزكاة فيها احتياطاً إن كانت النية بقصد الاقتناء والتجارة، أو بقصد الاستغلال والتجارة؛ لتوفُّر شرط النماء في ذلك، واجتماع سببَين فيها؛ سببٌ موجبٌ للزكاة وهو التجارة، والآخر ينفي الزكاة عنها وهو الاقتناء، فتجب فيها الزكاة احتياطاً. والقول الثاني: لا زكاة فيها؛ لأن نية الاقتناء تكون أغلب على ما سواها من النوايا.
أمّا من يشتري أرضاً بقصد حفظ ماله وبيعها في المُستقبل في حال ارتفاع سعرها فإنه تجبُ فيها الزكاة في كُلِّ حولٍ، خلافاً للمالكيّة الذين يرون زكاتَها مرَّةً واحدةً عند بيعها فقط، وفي حال كان التأجيل ليس بقصد البيع ولم ينو بها التجارة في وقته فلا زكاة فيها؛ لعدم وجود النية في الاتجار أو البيع؛ حيثُ إنّ من شُروط زكاة عُروض التجارة امتلاك الشيء بفعل الإنسان واختياره. فيُزكى كُل ما يُشترى بقصد الربح وتقليب المال، بشرط حولان الحول عليها، كمن يشتري أرضاً بقصد البيع، والأرض المُعدة للبيع يجب فيها الزكاة إذا حال عليها الحول وهي معروضةٌ للبيع، وتُزكى بسعرها عند نهاية الحول، وإن كان الشراء بقصد الإيجار أو البيع؛ فلا زكاة فيها حتى يجزم ببيعها، والأرض المُعدة للتجارة تُزكى كما تُزكى عُروض التِجارة.
أنواع زكاة الخارج من الأرض
تختلف زكاة الخارج من الأرض بحسب الصنف، وهي كما يأتي:
- زكاة الحُبوب والثِمار: والحُبوب هي: كُل ما يُدَّخر أو يُقتات به؛ كالبُرِّ، والشعير، والثمار هي: التمر والزبيب، ووجوب الزكاة بهما جاء في العديد من الأدلة، كقوله -تعالى-: (وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ)، وقوله -تعالى-: (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ)، ويختلف مقدار الزكاة بحسب طريقة السقي.
- زكاة المعدن: وهو كُلُّ ما يخرجُ من الأرض مما يُخلق فيها، وكان له قيمة؛ كالحديد، والياقوت، والنِّفط، وغير ذلك مما ينطبقُ عليه اسم معدن، وقيل: هو كُلُّ ما يخرجُ من الأرض غير النبات. ويُزكَّى المعدن إذا بلغ نصاب الذهب أو الفضة برُبع عشر قيمته أو عينه، إن كان من الأثمان، بشرط بُلوغ النصاب .
- زكاة الرِّكاز: وهي دفائن الجاهليّة وكُنوزها، أو ما كان مدفوناً بِداخلها، ويُسمى رِكازاً؛ لأن صاحبه ركّزه أي ثبَّته في الأرض. ويجبُ فيه الخُمس، لقول النبيِّ -عليه الصلاة والسلام-: (العَجْماءُ جَرْحُها جُبارٌ، والبِئْرُ جُبارٌ، والمَعْدِنُ جُبارٌ، وفي الرِّكازِ الخُمُسُ)، ويُزكَّى سواءً كان هذا الرِّكاز قليلاً أو كثيراً، من غير اشتراط النصاب أو الحول، والباقي لمن وجده.
كيفية إخراج زكاة الخارج من الأرض
إن لِكُل خارجٍ من الأرض كيفيةٌ خاصةٌ به، وبيانها فيما يأتي:
- زكاة الحُبوب والثمار: تكون زكاة الحُبوب والثِمار على ثلاثة أوجه؛ الأول: العُشر؛ أي 10%، وذلك في حالة السَّقي بلا كُلفةٍ، كماء المطر أو الأنهار وغيرها، والثاني: بِمقدار نِصف العُشر؛ أي 5%، وذلك في حال سقيه بماءٍ فيه كُلفةٌ، كمياه الآبار، أو الماء الذي يُستخرج بآلةٍ وغيرها، لقول النبيِّ -عليه الصلاة والسلام-: (فِيما سَقَتِ السَّمَاءُ والعُيُونُ أَوْ كانَ عَثَرِيًّا العُشْرُ، وما سُقِيَ بالنَّضْحِ نِصْفُ العُشْرِ)، والثالث: ثلاثةُ أرباع العُشر، أي 7.5%، إن كان سقيه بين الماء الذي فيه كُلفةٌ والماء الذي ليس فيه كُلفةٌ؛ كالنَّخل الذي يُسقى نصف العام بطريقةٍ والنصف الآخر بطريقةٍ أُخرى، فإن كان سقي أحدهما أكثر من الآخر فإنّه يُزكَّى بحسب الغالب من سقيه، ويكون نماؤه أكثر به، وإن كان المقدارُ مجهولاً، فيُزكَّى بالعُشر؛ لأنه الأصل في زكاته.
- زكاة المعادن: تُزكَّى المعادن عند بُلوغها نصاب أحد النقدين بِرُبع عُشر قيمته أو عينه، ويكون وقت إخراجه عند الحُصول عليه من غير اعتبار الحول، ولكن يُشترط بُلوغ النّصاب، وذهب ابن المُنذر وإسحاق ومن المُعاصرين ابن باز إلى القول بعدم زكاته حتى يحول عليه الحول.
- زكاة الرِكاز: ويجبُ فيه الخُمس، سواءً كان قليلاً أو كثيراً، ويُصرف مصرف الفيء؛ أي في مصالح المسلمين، والباقي لمن وجده، من غير اشتراط الحول فيه.