كم عدد سور جزء يس
عدد سور جزء يس
جزء يس يتكوّن من ثلاثِ سورٍ؛ وهي يس من الآية المذكورة آنفاً، وسورتَي الصّافات وص، وبعضاً يسيراً من سورة الزّمر؛ ما يُقارب أربع صفحات منها فقط. جزء يس؛ أي الجزء الثالث والعشرون يبدأُ من الآية الثامنة والعشرين من سورة يس إلى الآية الثالثة والثمانين، ثمّ سورة الصّافات والتي آياتُها مئة واثنان وثمانون، ثمّ تليها سورة ص والتي آياتُها ثمانيةٌ وثمانون، وأخيراً سورة الزّمر إلى الآية التي ينتهي عندها الجزء، وهي الآية الحادية والثلاثون.
يبتدِئ جزء يس من الآية الثامنة والعشرين من سورة يس إلى الآية الحادية والثلاثين من سورة الزّمر، ولتمام المنفعة لتفسير السورة كاملةً من غير انتقاصٍ عند مدارستها أو قراءتها؛ أُدخلت سورة يس كاملةً في مُسمّى جزء يس، وأُدرِجت سورة الزمر مع الجزء الرابع والعشرين، ولمّا كانت العادة غالبةً على تسمية الجزء بالسورة التي ابتدأ بها، سمّي الجزء بجزء يس، إذ إنّ ورود السورة أحيانًا بأول الجزء يؤدي إلى تسمية الجزء باسمها؛ كجزء عمّ، وجزء تبارك ، وغيرها، ويجدر الإشارة إلى أنّ هذا الأمر غير معروفٍ في كتب تفسير القرآن الكريم، وإنّما عُرف من قريبٍ لتداول النّاس هذه المسميّات لأجزاءٍ من القرآن الكريم، التي سُمّيت باسم أوّل سورةٍ استُهلّ بها. وفيما يأتي معلومات تفصيلية عن كل سور من سور جزء يس:
سورة يس
تُعدّ سورةَ يس من السور المكيّة التي اشتُهرت بعدّة خصائص وميّزاتٍ، وهي إحدى السّور التي بدأت بالحروف المقطّعة، وجاءت السورة لتُركّز على أمور الدين والعقيدة ؛ من البعث، والجزاء، والحساب، والنار، وقد ذكر المفسّرون أحاديثاً وآثاراً عديدةً تدلّ على فضل سورة يس، وإنّ أكثر ما تمّ ذكره كان ضعيفاً، ولكنّ الذي عليه القول أنّ السّورة ذات فائدةٍ عند قراءتها على الموتى، وقد كان المشيخة من التابعين يقولون: "إذا قُرِئت عند الميت خُفّف عنه بها"؛ ففيه استحبابٌ لقراءتها على الإنسان في حال موته، وهي السورة السادسة والثلاثون، وقد نزلت بعد سورة الجنّ وقبل سورة الفرقان، وقد قيل: "إنّ الآية الخامسة والأربعون منها مدنيّةٌ"، وآياتُها بحسب العدد الكوفيّ ثلاث وثمانين.
وتظهر خصائص السور المكيّة في سورة يس عند قراءتها؛ ففيها الردّ على المشركين وإثبات وحدانيّة الله -تعالى-، والتأكيد على أمور العقيدة، وذكر العِبر من قصص الأنبياء وذكر صفاتهم، والحديث عن قضاء الله -تعالى- وأنّه ماضٍ في الخلق، والكلام حول شكر الله والحثّ عليه، وتقرير معجزة القرآن الكريم، وبيان أنّ الجزاء من جنس العمل؛ فالخير ثوابٌ والشرّ عقابٌ، وذَكرت السورة أدلّةً على خلق الكون والآفاق؛ ولهذا سميّت بقلب القرآن، وأما أغراض السّورة فتتلخّص في معنى التحدّي؛ أي أنّ القرآن الكريم معجزةً متحدّى بها، وذلك لورود كلمة يس في أوّله؛ وهي من الحروف المقطّعة التي تحدّى الله -تعالى- بها العرب، ممّا يدلّ ويؤكّد على عِظم بلاغة القرآن الكريم، وضرَب أمثلةً للفريقَين؛ فريق التوحيد والإيمان، وفريق الكفر والطغيان، لعلّهم يتذكّرون أو يتّعظون، والقرآن هو المنقِذ للناس من الشرك والضلال، فقد أخرج الله -تعالى- به الناس من الظلمات إلى النور بإذنه، وتميّز القرآن الكريم بحُسن السرد وروعته، فهو في حديثه عن الاستدلال بإثبات البعث، عرَض آياته -سبحانه وتعالى- في الخلق وبيّن عظمتها لعلّ الناس يتفكّرون، وهذا أيضاً من باب التذكير بالنعم والامتنان على الخلق.
وقد ابتدأت السورة بالقسَم بالقرآن الحكيم الذي أعجز الناس على أن يأتوا بمثله ومثل حكمه ومواعظه وبيانه، ثمّ انتهى بذكر قضائه وقدره، وأنّ أمره نافذٌ لا محالة، فقال الله -عزّ وجلّ-: (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ). وإنّ أوّل سورةٍ من ربعِ القرآن الكريم الأخير هي سورة يس المباركة، والتي أنعم الله -تعالى- بإنزالها على نبيّه -صلّى الله عليه وسلّم-، وأقسم بها لعبده؛ أي وحقّ يس وهذا القرآن الحكيم الذي نزّلته على قلبك مصدّقاً بإذن الله إنّك يا محمد لمن المرسلين، ثمّ عرضَ تقسيم الفريقَين؛ المشركون المكذّبون الضّالون؛ وهؤلاء مأواهم جهنم وساءت مصيراً، والمتّقون المؤمنون الذي أحسنوا واتّقوا، ومأواهم الجنّة وحُسنت مرتفقاً، ومن سورة يس إلى آخر القرآن الكريم يُسمّى كاملًا ربعَ يس.
سورة الصافات
ابتدأت هذه السورة العظيمة بالأيْمان الإلهيّة، وقد ابتدأها الله -تعالى- بقَسَمه بالملائكة الصّافات، وهي سورةٌ مكيّةٌ نزل بها الرّوح الأمين على قلبِ محمّد -صلّى الله عليه وسلّم-، وجاءت في مئةٍ واثنين وثمانين آيةً، وسمّيت بذلك؛ لما جاء في أوّلها؛ الصّافات، وتبدأ سورة الصّافات بالقَسَم؛ ومنه نستطيعُ أن نعلم أنّ موضوعها الرئيس هو الحديث عن وحدانيّة الله -عزّ وجلّ-، حيث قال -تعالى- في جواب القسم: (إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ)، ثم تستمرّ لتصل إلى قوله -تعالى-: (فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنا إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ)، وها هو التعريف للموضوع الرئيس؛ وهو معرفة الله -تعالى-، إذ السّياق كُلّه يُبيّن ذلك، فإذا وصلنا إلى خِتام آيات السّورة، نجد أنّ البداية والنّهاية اتّفقتا في مصبٍّ واحدٍ، وهو الموضوع الأساسيّ؛ التعريف بالله -تعالى-، كما تتضمّن مواضيع الإيمان بالغيب.
والذي يسير في قراءة السورة يتعرّف على العلاقة بين الموضوع الرئيس والمواضيع الفرعيّة؛ مثل الإيمان باليوم الآخر ، والملائكة، والرسل، وغيرها، كما أن قوله تعالى: (سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَّصِفُونَ)؛ آيةٌ تكرّرت في السورة في أكثر من موضعٍ، وهذا يشير إلى تعظيم وتنزيه الله -تعالى- ووحدانيّتِه، ومن المعلوم أنّ كلمة التوحيد هي التقوى ، ومحلّها القلبُ وتُطبّقها الجوارح؛ فإذا كان بوسعِنا إدراكُ ذلك فهمنا أنّ سورة الصّافات تتحدّث بشكلٍ عامٍّ عن توحيد الله -تعالى- من أوّلها إلى آخرها، وما بينها حديثٌ متعلّقٌ بذلك أيضاً؛ فالدعوة التي جاء بها الرسل هي دعوة الناس إلى توحيد الله -تعالى-، وهي فحوى العقائد كُلّها.
سورة ص
جاءت سورة ص بعد سورة الصّافات، وهي بوصفها متمّمةٌ لها، فقد ذكرت سورة الصّافات معظم الأنبياء -عليهم السلام-، فأتبعتها سورة ص تذكر بقيّة الأنبياء الذين لم يرد ذكرهم في سورة الصّافات؛ كداود، وسليمان، وأيّوب -عليهم السلام- وغيرهم، كما أنّ سورة الصّافات ذكَرت حديثاً عن الذّكر وهو الكتاب المُنزل، فجاءت سورة ص تُقسم بالقرآن الكريم في بدايتها؛ وهو الذكر؛ وقد فصّلت ما قد أُجمِل في الصّافات من ذكر أحوال المشركين، والذي يلحظ يجد أنّ السورتَين تتحدّثان عن الأنبياء والرسل -عليهم الصلاة والسلام-؛ كيف أنّ الله -تعالى- أعزّهم ونصرهم على أعدائهم، وسورة ص مكيّةٌ، وعدد آياتها ثمانٍ وثمانين، وهي الثامنة والثلاثون في ترتيب السّور في المصحف، تحدّتث عن شرف وعظمة القرآن الكريم، ثمّ ذكرت حال المشركين وما منعهم من التوحيد والإيمان؛ من عنادهم، وجحودهم، وتكبّرهم الشديد، وطغيانهم، ثمّ ذكرت فيها أحوال الأنبياء السابقين وما جرى مع أقوامهم الكفار وتكذيبهم للرسل -عليهم السلام-؛ وما ذلك إلا مواساةً وتثبيتاً لقلب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ، وحتى يصبر على أعباء الدعوة وما سيلقاه من أذى وتكذيبٍ في سبيلها.
ثمّ ذكرت سورة ص قصّة نبيّ الله داود -عليه السلام-؛ فقد آتاه الله الحكمة، وعلّمه حسن الخطاب، وسخّر معه المخلوقات تسبّح بحمده؛ منها الجبال والطير وغيرها، ثمّ ذكرت قصّةً لسيّدنا دواد -عليه السلام- في القضاء بين الخصوم، حيث قضى بينهم دون تحقّقٍ من أقوال الخصم الآخر، وما كان هذا إلّا اختباراً من الله -تعالى- وامتحاناً له، فلمّا علِم أنّها فتنةٌ استغفر الله -تعالى-، ورجع تائباً منبياً، وكان من الصّالحين، فالقضاء أساسُه العدل، وبالعدل يسود السلام والأمان، وتنتشر السكينة والاطمئنان، ويأخذ كُلّ ذي حقٍّ حقّه، وقد توعّد الله من يضلّ عن سبيله بالعذاب الشديد، وبيّنت السورة كيف أن الله وهب لداود سليمان -عليهما السلام-، الذي كان كثير العبادة والإنابة، ومشغوفاً بحبّ الخير؛ أي الخيل، فكان مشغولاً بها يناظرها كُلّ حينٍ، فهي عدّة الجهاد في سبيل الله -تعالى-، فيتعرّف أحوالها ويمسح على سوقها وعنقها برفقٍ وحبٍّ، وقد امتحن الله سليمان -عليه السلام- لئلا يفتخر بملكه عن ذكره ونعمه، فألقاه على كرسِيّه جسداً بلا قوّةٍ، فلا يستطيع تدبير ملكه وإدارته، فتنبّه لهذا الاختبار وعلِم أنّها فتنةٌ، فتاب ورجع إلى الله -تعالى-، ودعا أن يؤتيه ملكاً لا ينبغي لأحدٍ من بعده، فاستجاب له الله وسخّر له الرياح تجري بأمره، وجعل الشياطين تطيع أوامره.
ثمّ تكلّمت السورة عن جزاء المتقين بحسن الثواب والمآب، وجزاء المكذّبين الطاغين بسوء الحساب والعقاب، ثمّ بيّنت تخاصم أهل النار وتحسّرهم على حالهم يوم القيامة، وقد أمر الله -تعالى- نبيّه -صلّى الله عليه وسلّم- أن يقوم بإخبار الكافرين المكذّبين أنّه منذرٌ من عند ربّه القهّار القويّ ربّ السّماوات والأرض، ويذكّرهم بإعراضهم عن رسالته التي تحمل نجاتهم في الدنيا والآخرة، لكنّهم معرضين عنها وجاحدين لفضلها العظيم، وذكّرهم بأنه لولا وحي الله -تعالى- لما علِم اختلاف الملأ الأعلى في آدم -عليه السلام-، وسجود الملائكة له، وجحود إبليس وكفره وتكبّره، وفي خِتام السّورة يقول الله -تعالى- لسيّدنا محمّد: أن أخبرهم يا محمّد أنك لست تسألهم أجراً، وأنّك لا تدّعي النبوّة، وأنّ هذا القرآن الكريم لهو موعظةٌ وذكرٌ لهم، ولست متصنّعاً لنبوّتك، فإنّهم سيعلمون من خبر صدق القرآن الكريم وما فيه من أسرارٍ ودلالاتٍ واضحةٍ على صدقك يا محمّد وصدق ما جئت به، وسيعلمُنّ صدق ما جاء به الله من وعدٍ ووعيدٍ، وما يدلّل على خلق الله -تعالى- من آياتٍ كونيّةٍ ومخلوقاتٍ حيّةٍ في السماء والأرض، وأنه لا تخفى عليه -سبحانه- خافيةً.
تقسيم القرآن إلى أجزاء
إنّ تقسيم القرآن الكريم إلى أجزاءٍ وأحزابٍ وأرباعٍ؛ هو تقسيمٌ اصطلاحيٌّ اجتهاديٌّ، وعلى هذا جرى التقسيم الواسع بين النّاس؛ كُلٌّ بحسبِ مناسبتِه وأنفعه، كما أن هناك تقسيمٌ مشهورٌ عند الصّحابة -رضي الله عنهم-، ولمّا كانت كُلّ المصاحف العثمانية خاليةً مجرّدةً من أيّ تقسيمٍ أو تجزئةٍ، ولم تكن منقّطةً أو مشكّلةً؛ طال الزمن بالنّاس وأخذوا يُبدعُون بشكلٍ فنيٍّ في تقسيماتٍ معيّنة حسب ما يروْنَه مناسباً، وينبغي الإشارة إلى أنّ كُلّ هذهِ التقسيمات ما هي إلّا تسهيلاً وتيسيراً على النّاس في قراءة وحفظ القرآن الكريم، واستندت هذه التقسيمات إلى أمورٍ رئيسيةٍ، وهي كالآتي:
- فريقٌ قسّم القرآن الكريم إلى ثلاثينَ قسماً، وجرت تسميتُه بالجزء، حتى لا يكاد يخطر على بال أحدٍ عند إطلاق كلمة جزءٍ من القرآن، إلّا أنّه جزءٌ من الأجزاء الثلاثين التي قاموا بتقسيمها.
- فريقٌ حزّبوا الجزء إلى حِزبَين، وفريقٌ آخر قسّموا كُلّ حزبٍ إلى أربعة أقسامٍ، وأطلقوا عليه اسم الرُّبع، وجمعه أرباعٌ.
- فريقٌ جعل عند كُلّ خمس آياتٍ من السّورة كلمة خُمسٍ، أو عُشرٍ بعد كل عشر آيات، وإلى غيرها من التقسيمات.
إنّ الاعتبار الأساسيّ في تحديد أجزاء القرآن الكريم هو الكمّ، إذ إنّ أغلب عدد صفحات الجزء عشرون صفحةً، وفي كل صفحةٍ ما يُقارب خمسة عشر سطراً، وهذا ممّا يُسهّل على المسلم قراءته وحفظه، واتّخاذ ورداً خاصّاً به، ويجب التذكير أنّ هذا التقسيم محلّ اجتهادٍ؛ فهو ليس توقيفيّاً من الله -عزّ وجلّ-، فقد تجد اختلافاً في الرأي بين تحديد بداية الأجزاء أو الأحزاب أو الأرباع، وقد كان الصّحابة -رضي الله عنهم- يقومون على مبدأ التحزيب، وقد اختُلف من واحدٍ لآخر أيضاً؛ فبعضهم يُجزّئه على عدد أيّام الأسبوع فيختارُ عدداً من السور، ثلاثٍ أو خمسٍ أو سبعٍ، ورُوي أنّ أُبيَّ بن كعب -رضي الله عنه- كان يختم القرآن كُلّ ثمانية أيام.