كم عدد ركعات صلاة التراويح والتهجد
عدد ركعات صلاة التراويح والتهجُّد
عدد ركعات صلاة التراويح
اختلفت آراء المذاهب الفقهيّة في بيان عدد ركعات صلاة التراويح، وبيان رأي كلٍّ منها فيما يأتي:
- القول الأوّل: إنّ صلاة التراويح تُؤدّى عشرين ركعةً، وذلك عند الشافعيّة، والحنفيّة، والحنابلة، وتفصيل آرائهم وأدلّتهم على النحو الآتي:
- الشافعيّة: قالوا إنّ صلاة التراويح عشرون ركعةً بعَشْر تسليماتٍ؛ أي التسليم من كلّ ركعتَين، وذلك في كلّ ليلةٍ من ليالي رمضان.
- الحنفيّة: قالوا إنّ عدد ركعات صلاة التراويح عشرون ركعةً بعشر تسليماتٍ؛ أي التسليم من كلّ ركعتَين؛ واستدلّوا على قولهم بما ورد عن ابن عبّاس -رضي الله عنهما- من أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- كان يُصلّي عشرين ركعةً وحده في شهر رمضان، ثمّ يُصلّي الوتْر، بالإضافة إلى ما ورد عن السائب بن يزيد -رضي الله عنه- أنّه قال: (كانوا يَقومونَ على عَهدِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رضيَ اللهُ عنه بعِشرينَ رَكعةً، قال: وكانوا يَقرَؤونَ بالمِئينَ، وكانوا يَتوَكَّؤونَ على عِصيِّهم في عَهدِ عُثمانَ رضيَ اللهُ عنه مِن شِدَّةِ القيامِ)، ويُكرَه للمُصلّي أداء عشرين ركعةً وَصلاً مع الجلوس بعد كلّ ركعتَين دون تسليمٍ، وإن جلس مرّةً واحدة، حُسِبت ركعتَين.
- الحنابلة: قالوا إنّ صلاة التراويح تُؤدّى عشرين ركعةً، وتُؤدّى جهريّةً، ويُسلّم المُصلّي من كلّ ركعتَين؛ لِما ثبت في صحيح مسلم عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (صَلاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى)، فلا تقلّ الصلاة عن عشرين ركعةً، ولا بأس بالزيادة.
- القول الثاني: قال المالكيّة إنّ ركعات صلاة التراويح ستٌّ وثلاثون ركعةً من غير الشَّفع والوتْر؛ وعلّلوا قَوْلهم بأنّ المسلمين كانوا يُؤدّونها في مكّة عشرين ركعةً مُقسَّمةً إلى خمس ترويحاتٍ، وكلّ ترويحةٍ أربع ركعاتٍ، وكان أهل مكّة يطوفون بين كلّ ترويحتَين سبعة أشواطٍ، ويُصلّون ركعتَي الطواف؛ فسعى أهل المدينة إلى مساواتهم بالفَضْل؛ فاستبدلوا كلّ طوافٍ بترويحةٍ، وبهذا أضافوا أربع ترويحاتٍ؛ أي ستّ عشرة ركعةً، ليُصبح المجموع تسع ترويحاتٍ بستٍّ وثلاثين ركعةً.
وتجدر الإشارة إلى أنّ الخلاف في عدد ركعات صلاة التراويح يُعَدّ خلافاً مُستساغاً؛ فلا بأس بالأخذ بأيّ رأيٍ من الآراء السابقة كما بيّن ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-، إذ قال: "والتراويح إنّ صلّاها كمذهب أبي حنيفة، والشافعي، وأحمد: عشرين ركعةً، أو: كمذهب مالك ستاً وثلاثين، أو ثلاث عشرة، أو إحدى عشرة فقد أحسن، كما نصّ عليه الإمام أحمد؛ لعدم التوقيف، فيكون تكثير الركعات وتقليلها بحسب طُول القيام وقُصره".
عدد ركعات صلاة التهجُّد
تعريف صلاة التهجُّد
بيان المقصود بالتهجُّد وصلاته في اللغة والاصطلاح الشرعيّ فيما يأتي:
- التهجُّد لغةً: يُعرَّف التهجُّد لغةً بالسَّهر في الليل، أو النوم؛ إذ إنّه من الألفاظ المُتضادّة، كما جاء في قول الله -تعالى-: (وَمِنَ اللَّيلِ فَتَهَجَّد بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَن يَبعَثَكَ رَبُّكَ مَقامًا مَحمودًا)؛ أي الصلاة وقت النوم.
- التهجُّد شرعاً: يُعرَّف التهجُّد في الشرع بأنّه: الصلاة التي يُؤدّيها المسلم تطوُّعاً في الليل؛ فالمُتهجّد هو: القائم من النوم؛ لأداء صلاة التطوُّع في الليل، ويبدأ وقت التهجُّد من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر الثاني من كلّ ليلةٍ، وقال بعض أهل العلم، ومنهم: الإمام الشافعيّ، والمُزنيّ، إنّ صلاة التهجُّد هي صلاة الوتْر وتعد نفس طريقة أدائها، فقال المُزنيّ: "وَأَوْكَدُ ذَلِكَ الْوِتْرُ، وَيُشْبِهُ أَنْ تَكُونَ هِيَ صَلَاةَ التَّهَجُّدِ".
عدد ركعات صلاة التهجُّد
اتّفق العلماء على أنّ أقلّ عدد ركعات صلاة التهجُّد ركعتَان خفيفتان؛ لِما ثبت في صحيح مسلم عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- أنّه قال: (إذا قامَ أحَدُكُمْ مِنَ اللَّيْلِ، فَلْيَفْتَتِحْ صَلاتَهُ برَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ)، إلّا أنّهم اختلفوا في أكثر عدد الركعات، وبيان خلافهم على النحو الآتي:
- الشافعيّة والحنابلة: قالوا بعدم حَصْر ركعات صلاة التهجُّد في حدٍّ أعلى؛ استدلالاً بما ورد عن أبي ذَرّ الغفاريّ -رضي الله عنه- من أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- سُئِل عنها، فقال: (خيرُ مَوضوعٍ، مَن شاءَ أقَلَّ، ومَن شاءَ أكثَرَ).
- الحنفيّة: قالوا بأنّ الحدّ الأعلى لعدد ركعات صلاة التهجُّد ثماني ركعاتٍ، كما قال ابن الهُمام -رحمه الله-: "الظَّاهِرُ أَنَّ أَقَلّ تَهَجُّدِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ رَكْعَتَيْنِ، وَأَنَّ مُنْتَهَاهُ كَانَ ثَمَانِي رَكَعَاتٍ".
- المالكيّة: قالوا إنّ أكثر عددٍ لركعات التهجُّد عشر ركعاتٍ، أو اثنتا عشرة ركعةً؛ استدلالاً بما ثبت عن أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: (أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، كانَ يُصَلِّي باللَّيْلِ إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُوتِرُ منها بوَاحِدَةٍ)، وورد في روايةٍ أخرى أنّه -عليه الصلاة والسلام- كان يُصلّي اثنتَي عشرة ركعةً، ثمّ يُوتِر بركعةٍ واحدةٍ.
وفي الحقيقة يرجع سبب الخِلاف بين العلماء في الحدّ الأعلى لعدد ركعات التهجُّد إلى اختلاف الروايات التي تُبيّن عدد ركعات تهجُّد رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-؛ إذ ورد عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- كان يُصلّي في الليل ثلاث عشرة ركعةً، وثبت عن أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (ما كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يَزِيدُ في رَمَضَانَ، وَلَا في غيرِهِ علَى إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُصَلِّي أَرْبَعًا، فلا تَسْأَلْ عن حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا، فلا تَسْأَلْ عن حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلَاثًا)، وذكرت في روايةٍ أخرى أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- كان يتهجّد بثلاث عشرة ركعةً، منهنّ صلاة الوتْر، وركعتا الفجر.
سُنّة إحياء الليل
يُقصَد بإحياء الليل: قضاؤه كلّه، أو جزءاً منه في أداء العبادات، كالصلاة، والذِّكر، وتلاوة القرآن الكريم ، ونحوها، ومن الجدير بالذِّكر أنّ إحياء الليل أعمّ من التهجُّد؛ لاشتمال الإحياء على عباداتٍ مُتنوّعةٍ، واختصاص التهجُّد بالصلاة دون غيرها من العبادات، وقد أجمع أهل العلم على استحباب إحياء الليل؛ سواء الليالي الفاضلة التي ورد فيها نصٌّ، أو غيرها من الليالي التي لم يرد فيها نصٌّ؛ لما ثبت في صحيح الإمام مُسلم عن أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت إنّ الرسول -عليه الصلاة والسلام-: (كانَ يَنَامُ أَوَّلَ اللَّيْلِ، وَيُحْيِي آخِرَهُ)، وممّا يدلّ على استحباب الذِّكْر، والدعاء، والاستغفار في الليل، وخاصّة في النصف الأخير منه ما رواه جابر بن عبدالله -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (إنَّ في اللَّيْلِ لَسَاعَةً لا يُوَافِقُهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ، يَسْأَلُ اللَّهَ خَيْرًا مِن أَمْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، إلَّا أَعْطَاهُ إيَّاهُ، وَذلكَ كُلَّ لَيْلَةٍ)، بالإضافة إلى قَوْل الله -تعالى-: (وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ).
هَدْي النبيّ في قيام الليل
ضرب رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أروع الأمثلة في حُبّ الله -تعالى-، وحُسْن عبادته؛ فعلى الرغم من أنّ الله -تعالى- غفر له ما تقدّم من ذنبه، وما تأخّر، إلّا أنّه -عليه الصلاة والسلام- كان يقوم الليل حتى تتفطّر قدماه من كثرة الوقوف؛ لِقَوْل أبي هريرة -رضي الله عنه-: (كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم يقومُ حتى تَرِمَ قَدَمَاهُ)؛ فقد كان النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، والصحابة -رضي الله عنهم-، يقومون ثُلثَي الليل في بعض الليالي تقريباً، ونِصفه، أو ثُلثَه في ليالٍ أخرى، قال الله -تعالى-: (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ)، أمّا صلاة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في الليل، فقد كان يُطيل فيها القراءة، والقيام، والركوع، والسجود؛ إذ ثبت في صحيح الإمام مسلم عن أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّه كان: (يُصَلِّي أَرْبَعًا، فلا تَسْأَلْ عن حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا، فلا تَسْأَلْ عن حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلَاثًا).
وممّا يدلّ على طُول قيامه -عليه الصلاة والسلام- في التهجُّد أنّه قرأ في ركعةٍ واحدةٍ كلّاً من سورة البقرة ، وآل عمران، والنساء، كما ثبت في الصحيح عن حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه- أنّه قال: (صَلَّيْتُ مع النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَافْتَتَحَ البَقَرَةَ، فَقُلتُ: يَرْكَعُ عِنْدَ المِئَةِ، ثُمَّ مَضَى، فَقُلتُ: يُصَلِّي بهَا في رَكْعَةٍ، فَمَضَى، فَقُلتُ: يَرْكَعُ بهَا، ثُمَّ افْتَتَحَ النِّسَاءَ، فَقَرَأَهَا، ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ، فَقَرَأَهَا، يَقْرَأُ مُتَرَسِّلًا، إذَا مَرَّ بآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ، وإذَا مَرَّ بسُؤَالٍ سَأَلَ، وإذَا مَرَّ بتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ...)، كما ثبت أيضاً عن عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه- أنّه قال: (صَلَّيْتُ مع رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فأطَالَ حتَّى هَمَمْتُ بأَمْرِ سَوْءٍ، قالَ: قيلَ: وَما هَمَمْتَ بهِ؟ قالَ: هَمَمْتُ أَنْ أَجْلِسَ وَأَدَعَهُ)، ولا بُدّ من الإشارة إلى أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- كان يحافظ على صلاة القيام في رمضان ، وفي غيره من أوقات العام، وكان -عليه الصلاة والسلام- يقضيها في النهار شَفْعاً إن فاتَته في الليل.
فَضْل صلاتَي التراويح والتهجُّد
يُعَدّ قيام الليل ومنه صلاة التراويح في رمضان من أفضل الأعمال، وأجلّ القُربات إلى الله -تعالى-؛ فقد مدح الله -سبحانه- عباده المُحافظين على قيام الليل، ووعدهم بخيرَي الدُّنيا والآخرة، كما حَثّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- الصحابة -رضي الله عنهم- على التهجُّد، وأوصى به الأمّة الإسلاميّة من بعده، وسار علماء الأمّة على خُطى النبيّ -عليه الصلاة والسلام- في الحَثّ والترغيب في هذه العبادة العظيمة، وبيان فَضْلها على الناس، ووصيّته لهم بالمحافظة عليها، حتى نال المُحافظ والحريص على قيام الليل مكانةً عظيمةً، ومن الجدير بالذِّكر أنّ لقيام الليل فضائل عظيمة؛ إذ بيَّنَ الله -تعالى- أنّ قيام الليل أحد أسباب دخول العباد المُتّقين إلى جنّات الخُلد، وتمتُّعهم بالنعيم المُقيم؛ لقَوْل الله -تعالى-: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ*آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ*كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ*وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)، فقد بيَّنَت الآيات الكريمة بعض صفات المُتَّقين؛ من قلّة النوم، وطُول القيام في الليل إلى وقت السَّحَر، وكثرة الاستغفار.
كما وصف الله -تعالى عباده المُتَّقين في موضع آخرٍ من القرآن الكريم بأعظم الأخلاق، ومنها قيامهم في الليل، قال الله -عزّ وجلّ-: (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا)، وعباد الرحمن مُميَّزون بتلذُّذهم بالقيام وعبادة الله -تعالى-؛ لقَوْله -سبحانه وتعالى-: (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ)، ولا بُدّ من الإشارة إلى أنّ قيام رمضان -وهو المعروف بصلاة التراويح- له فَضْلٌ عظيمٌ؛ فقد وعد الله -تعالى- من قام شهر رمضان؛ إيماناً به -سبحانه وتعالى-، واحتساباً للأجر من عنده، بالمغفرة، والأجر العظيم، والثواب الجزيل؛ لِما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- أنّه قال: (مَن قَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ).