قصة ماء زمزم
سفر إبراهيم إلى مكة
هاجر إبراهيم عليه السلام وبرفقته زوجته سارة من العراق مُتجهاً إلى فلسطين، بعد أن قابله قومه الوثنيين بالصدّ عن سبيل الله تعالى، والتكذيبن وأرادوا حرقه بالنار، وبعد أن استقرّ في مدينته التي سمّيت فيما بعد بالخليل نسبةً له مدةً من الزمان، اضطر بأن يرحل إلى مصر؛ ليتزود بالطعام، فلمّا ذهب إلى مصر وكانت زوجته سارة من أجمل نساء الأرض، فأرادها الخبيث فرعون مصر ، فدعت الله -تعالى- بأن يصرف كيده وظُلمه عنها، فكان كلّما يقترب منها يصرع صرعاً شديداً، فيسألها أن تدعوا الله له ليذهب عنه ما هو فيه، وتكرّرت الحادثة عدّة مرّات، فعلم الخبيث أنّ سارة محفوظةً بحفظ القوي العزيز، فأطلقها وأعطاها جاريةً لخدمتها، وكان اسمها هاجر، فلمّا عادت سارة إلى إبراهيم -عليه السلام- وهبت له هاجر، وسبب ذلك أنّ زواجه بسارة استمرّ لعشرين عام دون أن تلد له، فأحبّت أن يكون له ولد، فدخل إبراهيم -عليه السلام- على هاجر فحملت، ثمّ ما لبثت هاجر أن ولدت إسماعيل عليه السلام .
معجرة ماء زمزم
وصل إبراهيم -عليه السلام- إلى مكّة المكرّمة ، وكانت صحراء قاحله لا ماء فيها، ولا شجر، ولا بشر، فترك إبراهيم -عليه السلام- زوجته هاجر وابنه إسماعيل عليه السلام، ثمّ مضى فقالت له هاجر: (يا إبراهيم إلى أين تذهب وتتركنا في هذا الوادي الذي لا أنس فيه ولا شيء؟)، فلم يُجبها، فأعادت عليه السؤال، فلم يلتفت إليها، ثمّ أعادت السؤال مرراً، ولكنّه لم يلتفت إليها، فقالت: (آلله أمرك بهذا؟) فقال:نعم، فقالت: إذن لا يضيعنا، ثمّ رجعت، وذهب إبراهيم ليكمل دعوته بأمر من الله تعالى ، فتوجّه لله -تعالى- بالدعاء ، قال الله تعالى: ( رَبَّنا إِنّي أَسكَنتُ مِن ذُرِّيَّتي بِوادٍ غَيرِ ذي زَرعٍ عِندَ بَيتِكَ المُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقيمُوا الصَّلاةَ فَاجعَل أَفئِدَةً مِنَ النّاسِ تَهوي إِلَيهِم وَارزُقهُم مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُم يَشكُرونَ)، وما هي إلّا ساعات حتى نفد الماء، واشتدّ الكرب على هاجر، وبدأ إسماعيل -عليه السلام- يبكي بكاءً شديداً من شدّة الجوع والعطش، وهي تصعد إلى جبل الصفا تبحث عن مغيثٍ ثمّ تعود إليه كلّما سمعت صوته، فبينما هم على تلك الحالة وقد بلغت هاجر الجهد، سمعت صوتاً، وجاءهم الفرج من الله -تعالى- بأن أرسل إليهم جبريل عليه السلام ، فضرب برجله الأرض، فانفجرت منها عين ماء عظيمة سُمّيت زمزم، وجعلت هاجر تحوضه؛ أي تجعل الماء مثل الحوض، فشربت هي وإسماعيل -عليهما السلام- حتى شبعا، وقد قال رسول الله : (يرحمُ اللهُ أم إسماعيلَ، لو كانت تركت زمزمَ -أو قال: لو لم تغرف من الماءِ- لكانت زمزمُ عيناً معيناً)، ثمّ بقيت ماء زمزم على ما هي عليه، حتى ولي مكّة قبيلة جُرهم، وكان بينهم وبين قبيلة خُزاعة قتال، فلمّا انتصرت خزاعة عليهم، أخرجوا جرهم من مكة ، ولكنّهم قبل أن يخرجوا دفنوا بئر زمزم ومحوا أثرها، فبقيت مدفونة إلى زمن محمّد صلّى الله عليه وسلّم.
حفر زمزم
بينما كان عبد المطلب جدّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- نائماً عند الكعبة في أحد الأيام، رأى في المنام أنّه يُؤمر بحفر زمزم ، فأخبر قريش بذلك، فقالوا له: هل دلّك على مكانه؟ فقال: لا، فقالوا له: ارجع ونام، لو كانت رؤيا من الله فستعلم مكانه، فرجع ونام، فأتاه نفس الصوت في المنام مرّةً أخرى، وقال له: (احفر زمزم إنّك إن حفرتها لن تندم، وهي تراث من أبيك الأعظم، لا تنزف أبداً ولا تذم، تسقي الحجيج الأعظم مثل نعام حافل لم يقسم، وينذر فيها ناذر لمنعم، تكون ميراثاً وعقداً محكم، ليست كبعض ما قد تعلم، وهي بين الفرث والدم)، فسأله عبد المطلب: أين هي؟ فقال له: (عند قرية النمل عند نقر الغراب غداً)، فلمّا أصبح عبد المطلب أخذ ابنه الوحيد الحارث ومعوله، وذهب ليبحث عن الأوصاف، فوجد قرية النمل بين وثنين من أوثان قريش، وهما: إساف، ونائلة، وكان ذلك الموقع الذي تنحر فيه قريش القرابين، وبينما هو واقف هناك، إذ بغرابٍ ينقر عند المكان، فتأكّد عبد المطلب من صحة الوصف وعلم أنّه أمر من الله -تعالى- بحفر زمزم، فلمّا همّ بالحفر، اجتمعت عليه قريش وقالوا: لا نتركك تحفر مكان النحر، ولكنّ عبد المطلب كان عازماً على ذلك، وقال لابنه الحارث: (ذُد عني، فوالله لأمضين لما أُمرت به)، فلمّا علموا أنّه لن يتراجع عن ذلك تركوه، فحفر قليلاً وإذ بالماء يتدفّق، فقال: الله أكبر، وعلم أنّه قد وجد المكان الصحيح، فلمّا استمرّ بالحفر وجد أسيافاً، وغزالتين من ذهب، ودروعاً كانت قبيلة جُرهم قد دفنتها قبل أن تُنفى من مكة، فسارعت قريش إلى عبد المطلب، وطالبوه بأن يجعل لهم نصيباً ممّا وجد، ولكنّه رفض ذلك، وقال لهم: تعالوا إلى أمرٍ منصف لي ولكم، فقالوا: وما هو؟ فكان رأيه أن يُضرب عليها بالقداح عند هُبل، ويجعل للكعبة قدحين، وله قدحين، ولقريش قدحين، فوافقوه على ذلك، واجتمعوا عند هُبل، وهو أكبر أصنامهم، ثمّ ضرب صاحب القداح، فكانت الغزالتين للكعبة، والأسياف لعبد المطلب، ولم يكن لقريش شيء، فجعل عبد المطلب الأسياف والغزالتين للكعبة، فكانت أول ذهبٍ تُكسى به الكعبة المشرفة ، وجعل ماء زمزم سُقيا للحجيج.