قصة سيدنا إبراهيم في سورة الأنبياء
سورة الأنبياء
سورة الأنبياء هي سورةٌ مكيَّةٌ ، عدد آياتها مائةٌ واثنتا عشرة آيةً، وهي السورة الحادية والعشرون في ترتيب المصحف العثمانيّ، وسمّيت هذه السورة بهذا الاسم؛ لذكر عددٍ من الأنبياء وقصصهم فيها، ومنها قصّة إبراهيم عليه السلام.
قصة سيدنا إبراهيم في سورة الأنبياء
تناولت سورة الأنبياء قصّة إبراهيم -عليه السلام - مع قومه وجانبًا من دعوته لهم، وبيان ذلك فيما يلي.
أولًا: دعوة إبراهيم لقومه
أمر الله تعالى سيدنا إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- بدعوة قومه إلى عبادة الله وترك عبادة الأصنام، وكان الله تعالى قد هدى سيدنا إبراهيم إلى الخير والصلاح على الرغم من أنّ أباه كان كافرًا يعبد الأصنام وينحتها، وأخذ نبي الله إبراهيم ينصحهم ويذكّرهم، وبيّن لهم أنّ هذه الأصنام لا تضرّ ولا تنفع ومكث على هذا الحال سنواتٍ طوال.
ثانيًا: موقف قوم إبراهيم من دعوته
رفض قوم إبراهيم دعوته، واستمرّوا في عنادهم والتمسّك بعادات آبائهم وتقاليدهم الباطلة رغم محاولات سيدنا إبراهيم معهم، ومجادلته لهم بالحسنى، ومحاولاته الكثيرة في إخراجهم من الظلمات التي يعيشونها ولكن دون جدوى، فلمّا يئس منهم سيدنا إبراهيم أراد أن يثبت لهم عجز أصنامهم؛ فاستغلّ غيابهم وغفلتهم، وحطّم أصنامهم، وترك أكبر الأصنام ليستثير عقولهم ويثبت عجزهم، قال تعالى: (فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً إِلاَّ كَبِيراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ).
ثالثًا: اتهام قوم سيدنا إبراهيم له
لمّا رجع القوم وذهبوا إلى أصنامهم، فرأوها محطَّمةً جميعها عدا أكبرهم، فوجّهوا اتهاماتهم إلى إبراهيم عليه السلام؛ لأنّه كان دائم الذكر لأصنامهم بالسّوء، فلمّا أحضروا وسألوه عن فعله استثار عقولهم لينبّههم لعجز أصنامهم؛ فطلب منهم أن يسألوا كبير الأصنام عن الفاعل، فرجعوا لأنفسهم، وتبيّن لهم أنّهم على باطلٍ، وأنّ أصنامهم لا تنفع ولا تضرّ، قال تعالى: (فَرَجَعُوا إِلى أَنْفُسِهِمْ فَقالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ* ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ).
رابعًا: إحراق سيدنا إبراهيم
لمّا علم قوم إبراهيم عجزهم وأصناهم، لجأوا إلى القوّة، وقرّروا إحراق سيدنا إبراهيم في النّار فجعلوا يجمعون الحطب من كلّ مكانٍ وأضرموا فيه النّار، فكانت النار المشتعلة عظيمة، وجعلوا سيدنا إبراهيم في منجنيقٍ ثم لمّا قذفوه فيها قال عليه السلام: (حسبي الله ونعم الوكيل)، فلمّا كان بالنّار نصره الله تعالى، وجعل عذاب النّار نعيمًا عليه، قال تعالى: (قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ* وَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ)، و حفظ الله إبراهيم من النار ، وجعله فيها دون أن يتأذى منها، والنّاس ينظرون إليه بذهولٍ، حتى خرج منها سالمًا، فكانت هذه المعجزة الربانيَّةٌ؛ إظهارًا لصدقه، وبعد ذلك أمره الله تعالى بالهجرة من العراق إلى الأرض المقدّسة في الشام.
من قصص دعوة سيدنا إبراهيم في القرآن الكريم
من قصص دعوة إبراهيم في القرآن الكريم؛ دعوته للنمرود ، وذلك في قوله الله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ، قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمين)؛ إذ لم يقصر سيدنا إبراهيم دعوته إلى الله تعالى وتبليغ رسالته على أهله وقومه؛ فقد دعا النمرود لدين الله، والنمرود رجلٌ متجبِّرٌ في زمانه، وأحد ملوك عصره الطغاة، أفسد في الأرض لسنين عديدةٍ، وادعى الألوهيّة، حتّى جاءه سيدنا إبراهيم عليه السلام؛ ليخرجه من هذا الحال، ويردّه إلى دين الله تعالى، إلّا أنّ النمرود استمرّ في استكباره، فما كان منه إلّا أنّ رفض هذه الدعوة، وأخذ يحاجج سيدنا إبراهيم عليه السلام.
ودار بين سيدنا إبراهيم والنمرود حوارٌ، ادّعى النمرود فيه الربوبية؛ فكان يحضر الرجلين يقتل واحدًا منهما ويعتق الآخر ظنًا منه أنه بذلك قد أمات الأول وأحيا الثاني بقدرته، فخاف سيدنا إبراهيم أن يختلط الأمر على الناس حوله، فأقام عليه الحجّة وأسكته وأثبت عجزه عندما أشار إلى قدرة الله تعالى ؛ حيث قال له بأنّ الله تعالى الخالق المدبّر يجعل الشمس بقدرته تُشرق من المشرق، فإن كنت كما تدّعي؛ فاجعلها تُشرق من المغرب بقدرتك، فظهر عجز النمرود وبطلان كلامه وزعمه، فسكت ولم يكن لديه ما يقوله، وظهر لمن حوله بذلك صدق دعوة سيدنا إبراهيم -عليه السلام- وانقلبت مناظرته عليه.