قصة رضاعة الرسول صلى الله عليه وسلم للأطفال
اختيار حليمة السعدية النبي لإرضاعه
جاءت حليمة السّعدية مع زوجها الحارث بن عبد العزّى إلى مكة للبحث عن رضيعٍ ترضعه، وكانت في أثناء مجيئها تشكو من قلّة اللّبن في ثديها، وبكاء طفلها طيلة الليل من الجوع، وضعف دابّتها عن المسير لجوعها وهزلها.
وعندما وصلت لمكّة وجدت النساء الأخريات قد أخذوا الأطفال الرُّضع، وبقي النبيّ محمّد -صلى الله عليه وسلم- يُعرض على باقي النساء فلا يقبلن به؛ لأنّه كان يتيماً، فقد كانت النساء ترجو المقابل المادي من والده، وعندما يعلمون أنّ والده قد تُوفّي كانوا يخافون قلّة الرّزق الآتي من أمّه وجدّه.
فقالت حليمة لزوجها: "والله إنّي لأكره أن أرجع من بين صواحبي ولم آخذ رضيعا، والله لأذهبنّ إلى ذلك اليتيم فلآخذنّه"، وذلك لأنّها لم تجد طفلاً غيره وحتى لا ترجع للقبيلة خالية الوفاض، فقال لها زوجها: "لا عليك أن تفعلي، عسى الله أن يجعل لنا فيه بركة".
فلمّا أخذته ووضعته في حجرها ورأت البركة في الحليب في ثديها، فأرضعته مع ابنها ضمرة حتى شبعا وناما ، وقام زوجها للدّابة فوجد ضرعها قد امتلأ لبناً، فحلبها وشرب مع زوجته حتى شبعا، فقال لزوجته: "والله إنّي لأراك قد أخذت نسمة مباركة، ألم تري إلى ما بتنا فيه من الخير والبركة؟ فلم يزل الله يرينا خيرا".
ذهاب النبي إلى قبيلة بني سعد
أخذت حليمة السعدية محمّدا لترجع به معها إلى قبيلة بني سعد، وكانت قد تأخّرت فيما سبق بالقدوم عن بقيّة النساء لهزل وضعف دابّتها، وفي أثناء رجوعها التقت بهنّ وسبقتهم، فتعجّبت النساء لذلك وقالو لحليمة: "يا ابنة أبي ذؤيب، ويحك ارفقي علينا، أليست هذه أتانك -أنثى الحمار- التي كنت خرجت عليها"؟! فتردّ حليمة عليهنّ: "بلى- والله- إنها لهي هي!! فيقلن: والله إن لها لشأناً"!
وعندما وصلت حليمة لقبيلة بني سعد، رأت غنمها تذهب وتأتي إليها شباعاً، فتتعجّب لأنّ هذه الأرض كانت أجدب وأفقر أرض فيما سبق، فتحلب غنمها وتشرب مع أهلها.
فأصبح الناس يُرسلون رعيهم مع غنم حليمة لِما رأوه من البركة عندها، وبقيت تتوالى على حليمة البركات والخيرات إلى أن فطمت النبيّ -صلى الله عليه وسلم- عن الرضاعة، وكان قد مكث النبيّ عندها سنتين، فذهبت وأرجعته لأمّه كي تراه وتملأ عينها به، فسُرّت والدة النبيّ آمنة لمّا رأته في صحّة ونموٍّ ونضارة.
ثمّ رجَت حليمة من والدته آمنة أن ترجع والنبيّ -صلى الله عليه وسلم- معها إلى القبيلة؛ لأنها تخاف عليه من الوباء الذي كان منتشراً في مكة، وظلّت ترجوها ذلك إلى أن وافقت ورجعت به إلى القبيلة.
الأحداث التي حصلت للنبي في بني سعد
عادت حليمة بالنبي إلى قبيلة بني سعد ، وبقي عندها حتى عامه الرابع، وذات يومٍ كان يلعب مع الأولاد الصغار، فجاء جبريل مع ملكٍ آخر، وأمسكا بالنبيّ وشقّا صدره، فأخرجا قلبه وأزالوا منه قطعة سوداء -حظّ الشيطان-، ثم غسلاه بماء زمزم وأعاداه.
فهرع الأطفال إلى السيّدة حليمة خائفين ويقولون لها إنّ محمّدا قد قُتل، فخافت أن يُصيبه مكروه، فأرجعته لوالدته وروت لها القصّة، لكنّ آمنة لم تخف وقالت لها: "إني رأيت خرج مني نورٌ أضاءت منه قصور الشام".
رجوع النبي إلى مكة
أرجعت السيّدة حليمة النبيّ -صلى الله عليه وسلم- إلى والدته بعد حادثة شقّ الصدر، وظلّ رسول الله في رعاية والدته وجدّه عبد المطّلب في مكّة المكرّمة، وبعد أن بلغ النبيّ ست سنواتٍ من العمر تُوفّيت والدته، فكفله جدّه وأحاطه بالرعاية والحنان والاهتمام، وأحبّه حبّاً كبيراً، ثم تُوفّي عبد المطلب عندما كان عمر النبيّ ثمان سنوات، فاعتنى به عمّه أبو طالب في مكّة.
كانت النساء عادة يذهبن لالتماس المراضع ويأخذن على ذلك أجراً ماديا، وعندما وصلت حليمة السعدية لمكّة كانت النساء قد أخذت الأطفال الرّضع، ولم يبقَ إلا محمّداً ليُتمه، فأخذته حليمة لأنّها لم تجد غيره، ثم بدأت ترى البركات في حياتها، وتوالت عليها الخيرات طيلة وجود النبيّ معها، وبعد سنتين أعادته لأمّه كي تراه وتحتضنه ثم أرجعته معها خوفاً عليه من الوباء في مكة، ثمّ حدثت قصّة شقّ الصدر فأرجعته بعد عامين إلى أمّه خوفاً عليه، وظلّ النبيّ في مكة المركة تحت رعاية عمّه أبو طالب بعد موت أمّه وجدّه.