قصة جرير والراعي النميري
قصة جرير والراعي النميري
يمكن القول إنّ قصّة جرير مع الراعي النميري من أشهر القصص التي كانت في العصر الأموي ، وإنّ قبيلة نُمير قد انطفأ ذكرها بسبب بيت قاله جرير في قصيدته التي هجا بها الراعي النميري، وملخّص القصة فيما يلي:
الراعي يلتقي الفرزدق في سوق المربد
تذكر كتب الأدب أنّ الراعي النميري كان شاعرًا من شعراء العصر الأموي المعدودين، وكان له مجلس مع الفرزدق في أعلى سوق المربد في البصرة، وكان الراعي النميري كريم في قومه ومن أسياد قبيلته، ولكنّه ذات يوم دخل في المعركة التي كانت بين جرير والفرزدق، وفضّل الفرزدق على جرير في بيت يقول فيه:
يا صاحِبَيَّ دَنا الأَصيلُ فَسيرا
- غَلَبَ الفَرَزدَقُ بِالهِجاءِ جَريرا
وقال كذلك في قصيدة له:
رَأَيتُ الجَحشَ جَحشَ بَني كُلَيبٍ
- تَيَمَّمَ حَولَ دِجلَةَ ثُمَّ هابا
وهو في ذلك يقصد جريرًا، فاشتكى جرير لبعض قومه بأنّ الراعي يهجوه مع أنّه يمدح بني نمير، ويُفضّل الفرزدق مع أنّه يهجو بني نمير، وبقي جرير غاضبًا حتى قرر أن يذهب للراعي النميري ويلتقيه كي يتحدث معه ويستفهم منه عن سبب هذا التفضيل.
لقاء جرير بالراعي وابنه
ذات يوم خرج جرير ماشيًا ولم يركب لئلّا يراه أحد، ووقف في طريق يمرّ به الراعي عندما يعود من المربد، فاعترضه جرير وسلّم عليه، فعاتبه على تفضيل الفرزدق، وطلب منه أن يشهد للاثنين -أي الفرزدق وجرير- بالشاعرية وبذلك لا يكون طرفًا في الخصام، ولكنّ ابنه تدخَّلَ وضرب دابّة جرير فأوقعَ جريرًا على الأرض وكادت الدابة تدوس قدم جرير.
ثمّ قال ابن الراعي مخاطبًا والده: "لا أراك واقفًا على كلب من بني كليب كأنّك تخشى منه شرًّا أو ترجو منه خيرًا"، فانتظر جرير من الراعي أن يعتذر عمّا بدر من ابنه ولكنّه لم يفعل، فانصرف جرير غضبان ممّا كان من الراعي وابنه، فصلّى العشاء ولم يغمض له جفن حتى صار السَّحَر فإذا هو بقصيدة تزيد على تسعين بيتًا، وضع فيه كلّ طاقته في الهجاء.
عند الصباح توجّه جرير على فرسه إلى سوق المربد حتى انتهى إلى مجلس الراعي النميري والفرزدق، فهجا الراعي النميري وقبيلته نُمير وتوجه بشعره كذلك إلى الفرزدق فهجاه بعدد من أبيات القصيدة كونه كان سببًا من أسباب هذه القصيدة، وبعد هذه القصيدة لم يستطع الراعي الإقامة في قومه حياءً مما لحق بهن وتسببت هذه القصيدة في ضياع بني نمير بسبب الهجاء الذي كان فيها.
قصيدة جرير في هجاء الراعي النميري
قال جرير في هجاء الراعي النميري:
أَتاني عَن عَرادَةَ قَولُ سوءٍ
- فَلا وَأَبي عَرادَةَ ما أَصابا
لَبِئسَ الكَسبُ تَكسِبُهُ نُمَيرٌ
- إِذا اِستَأنوكَ وَاِنتَظَروا الإِيابا
أَتَلتَمِسُ السِبابَ بَنو نُمَيرٍ
- فَقَد وَأَبيهِمُ لاقوا سِبابا
أَنا البازي المُدِلُّ عَلى نُمَيرٍ
- أُتِحتُ مِنَ السَماءِ لَها اِنصِبابا
إِذا عَلِقَت مَخالِبُهُ بِقَرنٍ
- أَصابَ القَلبَ أَو هَتَكَ الحِجابا
تَرى الطَيرَ العِتاقَ تَظَلُّ مِنهُ
- جَوانِحَ لِلكَلاكِلِ أَن تُصابا
فَلا صَلّى الإِلَهُ عَلى نُمَيرٍ
- وَلا سُقِيَت قُبورُهُمُ السَحابا
وَخَضراءِ المَغابِنِ مِن نُمَيرٍ
- يَشينُ سَوادُ مَحجِرِها النِقابا
إِذا قامَت لِغَيرِ صَلاةِ وِترٍ
- بُعَيدَ النَومِ أَنبَحَتِ الكِلابا
وَقَد جَلَّت نِساءُ بَني نُمَيرٍ
- وَما عَرَفَت أَنامِلُها الخِضابَ
إِذا حَلَّت نِساءُ بَني نُمَيرٍ
- عَلى تِبراكَ خَبَّثَتِ التُرابا
وَلَو وُزِنَت حُلومُ بَني نُمَيرٍ
- عَلى الميزانِ ما وَزَنَت ذُبابا
فَصَبراً يا تُيوسَ بَني نُمَيرٍ
- فَإِنَّ الحَربَ موقِدَةٌ شِهابا
لَعَمروُ أَبي نِساءِ بَني نُمَيرٍ
- لَساءَ لَها بِمَقصَبَتي سِبابا
سَتَهدِمُ حائِطَي قَرماءَ مِنّي
- قَوافٍ لا أُريدُ بِها عِتابا
دَخَلنَ قُصورَ يَثرِبَ مُعلِماتٍ
- وَلَم يَترُكنَ مِن صَنعاءَ بابا
تَطولُكُمُ حِبالُ بَني تَميمٍ
- وَيَحمي زَأرُها أَجَماً وَغابا
أَلَم نُعتِق نِساءَ بَني نُمَيرٍ
- فَلا شُكراً جَزَينَ وَلا ثَوابا
أَلَم تَرَني صُبِبتُ عَلى عُبَيدٍ
- وَقَد فارَت أَباجِلُهُ وَشابا
أُعِدَّ لَهُ مَواسِمَ حامِياتٍ
- فَيَشفي حَرُّ شُعلَتِها الجِرابا
فَغُضَّ الطَرفَ إِنَّكَ مِن نُمَيرٍ
- فَلا كَعباً بَلَغتَ وَلا كِلابا
أَتَعدِلُ دِمنَةً خَبُثَت وَقَلَّت
- إِلى فَرعَينِ قَد كَثُرا وَطابا
وَحُقَّ لِمَن تَكَنَّفَهُ نُمَيرٌ
- وَضَبَّةُ لا أَبالَكَ أَن يُعابا
فَلَولا الغُرُّ مِن سَلَفي كِلابٍ
- وَكَعبٍ لَاِغتَصَبتُكُمُ اِغتِصابا
فَإِنَّكُمُ قَطينُ بَني سُلَيمٍ
- تُرى بُرقُ العَباءِ لَكُم ثِيابا
إِذاً لَنَفَيتُ عَبدَ بَني نُمَيرٍ
- وَعَلَيَّ أَن أَزيدَهُمُ اِرتِيابا
فَيا عَجَبي أَتوعِدُني نُمَيرٌ
- بِراعي الإِبلِ يَحتَرِشُ الضِبابا
لَعَلَّكَ يا عُبَيدُ حَسِبتَ حَربي
- تَقَلُّدَكَ الأَصِرَّةَ وَالعِلابا
إِذا نَهَضَ الكِرامُ إِلى المَعالي
- نَهَضتَ بِعُلبَةٍ وَأَثَرتَ نابا
يَحِنُّ لَهُ العِفاسُ إِذا أَفاقَت
- وَتَعرِفُهُ الفِصالُ إِذا أَهابا
فَأَولِع بِالعِفاسِ بني نُمَيرٍ
- كَما أولَعتَ بِالدَبَرِ الغُرابا
وَبِئسَ القَرضُ قَرضُكَ عِندَ قَيسٍ
- تُهَيِّجُهُم وَتَمتَدِحُ الوِطابا
وَتَدعو خَمشَ أُمِّكَ أَن تَرانا
- نُجوماً لا تَرومُ لَها طِلابا
فَلَن تَسطيعَ حَنظَلَتى وَسُعدى
- وَلا عَمرى بَلَغتَ وَلا الرِبابا
قُرومٌ تَحمِلُ الأَعباءَ عَنكُم
- إِذا ما الأَمرُ في الحَدَثانِ نابا
هُمُ مَلَكوا المُلوكَ بِذاتِ كَهفٍ
- وَهُم مَنَعوا مِنَ اليَمَنِ الكُلابا
يَرى المُتَعَيِّدونَ عَلَيَّ دوني
- أُسودَ خَفِيَّةِ الغُلبِ الرِقابا
إِذا غَضِبَت عَلَيكَ بَنو تَميمٍ
:::حَسِبتَ الناسَ كُلُّهُمُ غِضابا
أَلَسنا أَكثَرَ الثَقَلَينِ رَجلاً
- بِبَطنِ مِنىً وَأَعظَمُهُ قِبابا
وَأَجدَرَ إِن تَجاسَرَ ثُمَّ نادى
- بِدَعوى يالَ خِندِفَ أَن يُجابا
لَنا البَطحاءُ تُفعِمُها السَواقي
- وَلَم يَكُ سَيلُ أَودِيَتي شِعابا
فَما أَنتُم إِذا عَدَلَت قُرومي
- شَقاشِقَها وَهافَتَتِ اللُعابا
تَنَحَّ فَإِنَّ بَحري خِندِفِيٌّ
- تَرى في مَوجِ جِريَتِهِ عُبابا
بِمَوجٍ كَالجِبالِ فَإِن تَرُمهُ
- تُغَرَّق ثُمَّ يَرمِ بِكَ الجَنابا
فَما تَلقى مَحَلِّيَ في تَميمٍ
- بِذي زَلَلٍ وَلا نَسَبي اِئتِشابا
عَلَوتُ عَلَيكَ ذِروَةَ خِندِفِيٍّ
- تَرى مِن دونِها رُتَباً صِعابا
لَهُ حَوضُ النَبِيِّ وَساقِياهُ
- وَمَن وَرِثَ النُبُوَّةَ وَالكِتابا
وَمِنّا مَن يُجيزُ حَجيجَ جَمعٍ
- وَإِن خاطَبتَ عَزَّكُمُ خِطابا
سَتَعلَمُ مَن أُعِزُّ حِمىً بِنَجدٍ
- وَأَعظَمُنا بِغائِرَةٍ هِضابا
أُعُزُّكَ بِالحِجازِ وَإِن تَسَهَّل
- بِغَورِ الأَرضِ تُنتَهَبُ اِنتِهابا
أَتَيعَرُ يا اِبنَ بَروَعَ مِن بَعيدٍ
- فَقَد أَسمَعتَ فَاِستَمِعِ الجَوابا
فَلا تَجزَع فَإِنَّ بَني نُمَيرٍ
- كَأَقوامٍ نَفَحتَ لَهُم ذِنابا
شَياطينُ البِلادِ يَخَفنَ زَأري
- وَحَيَّةُ أَريَحاءَ لي اِستَجابا
تَرَكتُ مُجاشِعاً وَبَني نُمَيرٍ
- كَدارِ السوءِ أَسرَعَتِ الخَرابا
أَلَم تَرَني وَسَمتُ بَني نُمَيرٍ
- وَزِدتُ عَلى أُنوفِهِمُ العِلابا
إِلَيكَ إِلَيكَ عَبدَ بَني نُمَيرٍ
- وَلَمّا تَقتَدِح مِنّي شِهابا