قصة النبي يونس للأطفال
من هو النبي يونس؟
هو يونس بن متى ويتصل نسبه ببنيامين الأخ الشقيق سيدنا يوسف -عليه السلام- من أمِّه وأبيه، وهو أحد الأنبياء الذين بعثهم الله -تعالى- لدعوة بني إسرائيل، وذُكر أنَّه أرسل الى أرض أهل نينوى في الموصل من أرض العراق، ويكفي في شرفه وفضله قول الله -تعالى-: (وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ).
كيف دعا النبي يونس قومه؟
بعث الله سيدنا يونس إلى قومه والذين كانوا يعبدون الأصنام، ليدعوهم لعبادة الله وحده لا شريك له، ونهيهم عمَّا كانوا يعبدوا، فبذل لهم النُّصح في تبليغ الرِّسالة لكنَّهم قابلوه بالإعراض والجفاء، وكذَّبوه وأصرُّوا على كفرهم ولم يستجيبوا لدعوته، وظل النَّبي يونس -عليه أفضل الصلاة والتسليم- بينهم صابراً على الأذى، ويذكِّرهم ويعظهم.
ولكنَّه مع طول مكثه معهم لم يلقَ منهم إلَّا عنادًا وإصرارًا على كفرهم ووجد فيهم أذاناً صُمَّاً وقلوباً غلفاً، فغضب منهم وغادرهم، وأنذرهم عذاب الله بعد أن بقي فيهم يدعوهم ثلاثاً وثلاثين سنةً.
خرج سيدنا يونس -عليه السلام- من نينوى، وظنَّ أنَّ الله -تعالى- لن يؤاخذه بهذا الخروج؛ لأنَّه قدَّم كلَّ ما عليه في سبيل دعوة قومه، ولم يستجب أحد، وحين خرج بدأ يحلُّ على قومه بوادر العذاب الذي توعَّدهم فيه، فهلَّت السُّحب السَّوداء، وغشيهم دخانها، واسودَّت سطوحهم، فأيقن القوم أنَّ عذاب الله -تعالى- قادمٌ لا مفرَّ منه، فخافوا، وبحثوا عن سيدنا يونس -عليه السلام-؛ ليهديهم طريقة التَّوبة والإنابة، إلَّا أنَّهم لم يجدوه .
فأتوا رجلاً شيخاً فسألوه عمَّا يجب فعله، فأرشدهم إلى طريق التَّوبة إلى الله -تعالى-، فجمعوا كبيرهم وصغيرهم، وذكرهم وأنثاهم، وحيواناتهم جميعاً، ثمَّ جعلوا على رؤوسهم الرَّماد، ولبسوا المسوح من الِّلباس؛ تواضعاً لله سبحانه، ثمَّ أقبلوا عليه في هذا الحال في مشهدٍ عظيمٍ، ضارعين له أن يصرف عنهم العذاب، ويتوب عليهم، فتاب الله -تعالى- عليهم، وقبل إيمانهم بعد كلِّ هذا الكفر والعِناد، ولم يشهد يونس -عليه السلام- هذا الحال منهم.
كيف وصل النبي يونس إلى بطن الحوت؟
خرج سيدنا يونس من أرض قومه متّجهاً نحو البحر، ويبدو من النُّصوص الواردة في قصَّة سيدنا يونس أنَّ الله لم يأمره بهذا الخروج؛ حيث وصفه الله بالآبِق، والآبق هو العبد الهارب، قال -تعالى-: (إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ)، وكان على سيدنا يونس أن يسلٍّم لأمر الله، فليس لنبيٍّ أن يترك بلده وقريته ويخرج أو يهاجر دون إذنٍ من الله عزَّ وجل-.
فأقبل على قومٍ وركب معهم سفينتهم، وما أن وصلت بهم جميعاً إلى عرض البحر، تمايلت السَّفينة واضطربت حتى كادوا يغرقون، وكان لا بدَّ من إلقاء راكبٍ من ركَّابها لينجو الآخرون، وما كان من حلٍّ إلَّا أن يقترع ركَّاب السَّفينة، فمن خرجت قرعته أُلقي في البحر، فلمَّا اقترعوا وقعت القرعة على سيدنا يونس -عليه السلام-، ولقد كانوا يعرفونه فأبوا أن يلقوه في الماء، فأعادوا القرعة ثانيةً وثالثةً، فخرج سهمه أيضاً، فما كان من سيدنا يونس عليه -السّلام- إلَّا أن ألقى بنفسه في البحر، لأنَّه كان يعتقد أنَّه لا يُصيبه هلاكٌ أو غرق، قال -تعالى-: (وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ* إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ* فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ* فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ).
وعندما ألقى بنفسه بعث الله حوتاً كبيراً فالتقمه وابتلعه، وأوحى الله إليه ألَّا يُهلك سيدنا يونس -عليه السلام-؛ فلا يأكل لحمه ولا ينهش عظمه، وطاف به البحار كلَّها؛ ابتلاءً له على تركه قومه الذين أغضبوه دون إذنٍ، فدخل نبيُّ الله يونس -عليه السّلام- إلى جوف الحوت تحفُّهُ عنايةُ الله، وأحاطت به ظلمات ثلاث؛ ظلمة البحر، وظلمة الحوت، وظلمة الليل، ولبث في بطنه مدَّةً الله أعلم بها.
ماذا فعل النبي يونس وهو في بطن الحوت؟
وحين صار سيدنا يونس -عليه السلام- في بطن الحوت، ظنَّ أنَّه مات، لكنَّه حرَّك يديه، وساقيه، فتحرَّك، فسجد لله -تعالى- شاكراً له بأن حفظه، ونجَّاه، فلم تُكسر له يدٌ، ولا رجلٌ، ولم يصبه مكروهٌ، هناك سمع سيدنا يونس عليه -الصّلاة والسّلام- حِسّاً وأصواتاً غريبةً، لم يفهمها فأوحى الله إليه وهو في بطن الحوت أنَّ هذا تسبيح كائنات البحر، فما كان من نبيِّ الله يونس -عليه السّلام- وهو في بطن الحوت، وفي تلك الظلمات، إلَّا أن أخذ يدعو الله -عزَّ وجل-، ويستغفرهُ، ويسبِّحه -تبارك وتعالى- قائلاً ما ورد عنه في القرآن: (وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَـهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ).
كيف نجّا الله النبي يونس في بطن الحوت؟
إنَّ دعاء نبي الله يونس -عليه السلام- بكلمة التوحيد التي من أجلها خلق الله الإنس والجنَّ، ومن أجلها أنزل الكتب وأرسل الرُّسل ومن أجلها وجدت الجنَّة والنَّار، وقد اعتذر الى الله -عزَّ وجل- من خروجه بدون إذنٍ، ونزَّه الله -تبارك وتعالى- عن كلِّ نقصٍ، فسمع نداءه الله -سبحانه-، ولولا تسبيحه وتوبته لربِّه لهلك في بطن الحوت وبقي فيه إلى يوم القيامة، قال -تعالى-: (فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ* لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ).
فاستجاب الله له، وأمر الحوت أن يُلقيه في البرّ، فألقاهُ الحوت في العراء، وهو المكان القفر الذي ليس فيه أشجارٌ وغيره، وكان سيدنا يونس -عليه السلام- مريضاً ضعيفاً؛ بسبب العصارات الهاضمة التي في معدة الحوت فقد أتعبت جسده وأمرضته، يقول -تعالى-: (فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ).
فنجاه الله -تعالى- وأتمَّ فضله عليه، فقال -تعالى-: (لَّوْلَا أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ)، والتي تشير إلى أنَّه وبنعمة الله التي أحاطته نُبذ بالعراء وهو غير مذموم، وقد أنبت الله عليه شجرةً من نبات اليقطين، قال -تعالى-: (وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ)، وهو كلُّ شجرٍ ممتدٍّ على الأرض لا ساق له، وورقه كبيرٌ؛ لكثرة ظلِّها، وصلاحيَّة أكل ثمرها من أوَّل طلوعه إلى آخره، ونفعه للطعام، والدََّواء، وعدم اقتراب الذُّباب منه، وصار على هذا الحال حتى أصبح سليماً، معافىً، قوياً.
عاد سيدنا يونس عليه -السلام- بعد ذلك إلى نينوى حيث قومه، بعد أن كلَّفه الله -عزَّ وجل- بالرسالة مرةً أخرى فوجدهم مؤمنين بالله -تعالى- موحِّدين، فمكث معهم حيناً من الدهر، وهم على حال الصَّلاح والتُّقى، حيث قال الله -تعالى-: (وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ * فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ)، وقيل بعد ذلك في وفاة سيدنا يونس عليه السلام أنَّه دُفن قبل ساحل صيدا.
العبر المستفادة من قصة النبي يونس
هناك العديد من العبر المستفادة التي يمكن استخلاصها من قصَّة سيدنا يونس -عليه افضل الصلاة والسلام-، ومنها ما يأتي:
- التسبيح والدعاء والاستغفار: وأنَّه سببُ النَّجاة من الغم، كما تاب قوم سيدنا يونس -عليه السلام- عندما خافوا من العذاب فتاب عليهم، ورفع عنهم العذاب، فإنَّ يونس -عليه السلام- لما دعا ربَّه والتجأ إليه، كشف الله عنه هذه الغُمَّة.
- الصبر على إيذاء الآخرين مهما كان حجمه ونوعه ومدته: لانَّ الفرَج مع الكرب، وأنَّ مع العسر يسرًا، فلم يكن من السهل على الناس التغيير فهناك ركام من الباطل والعادات والتَّقاليد والنظم والأوضاع متأصِّلة في قلوبهم وعقولهم، ولا بدَّ من إزالة هذا الرُّكام في البداية، ولذلك ليس من السَّهل ولا الهيِّن، فهو جهدٌ ضخمٌ مرهق يحتاج إلى عزم وصبر وقوَّة من الله.
- التمهل وعدم الاستعجال: إنَّ سيِّدنا يونس -عليه السلام- قد استعجل في قراره للخروج وترك قومه لوحدهم بعد أن يئس منهم، فكان من الواجب عليه عدم الاستعجال والصبر عليهم ودعوتهم مراراً وتكراراً، وان يثابر ويثبت، فلا يجوز ان ييأس من صلاح النفوس واستجابة القلوب، فطريق الدعوات متعب وصعب.
- الابتعاد عن الغضب: فقد خرج سيدنا يونس -عليه السلام- من قومه لإنه كان غاضبا عليهم، وعلى ما كانوا مصريين عليه ومتمسكين فيه، ومن عدم تحقق ما وعدهم به من عذاب سيحل بهم نتيجة لكفرهم، وظناً منه ان الله لن يضيق عليه الأرض وانه قادر على دعوة أقوام أخرى، ولكن كان عليه ان يؤدي ما عليه من واجب في أي ظرف وان يوكل امره لله -عز وجل-.
خلاصة المقال: عرض المقال قصة سيدنا يونس -عليه السلام- مع قومه، كيف دعاهم إلى التوحيد وأعرضوا، وكيف خرج من عندهم دون إذن الله -تعالى-، فالتقمه الحوت وهو مليم، ثم لبث في بطن الحوت يسبح الله ويستغفره، ثم أنجاه الله وآمن قومه.