من هو أبو تمام
التعريف بأبي تمام
برز الشاعر أبو تمام في العصر العباسي في فترة 176هـ-231هـ، وقد حقق نجاحاً كبيراً خلال حياته القصيرة، فتمكن نتيجة لاجتهاده وطموحه من أن يتحوَّل من سقّاء في مسجد عمرو بن العاص في مصر إلى شاعر من أشهر الشعراء في عصره، ولعلّ أهم ما يميزأسلوب أبي تمام الشعري سعيه نحو التفرد، والكتابة وفقاً لأسلوب مختلف عن أساليب الشعراء في عصره، فتمكن نتيجة لذلك من صبغ قصائده بطابعٍ خاص إلى الحد الذي جعل أبو الفرج الأصفهاني يصفه بقوله: " ما كان أحدٌ من الشعراء يقدر على أن يأخذ درهماً في حياة أبي تمام فلما مات اقتسم الشعراء ما كان يأخذه".
نسب ومولد أبي تمام
أبو تمام هو حبيب بن أوس الطائي صليبية، وقيل بأنّه حبيب بن تدوس النصراني الذي أسلم بعد أن كان نصرانياً، وهو المولود في قرية يُقال لها جاسم في عام 190هـ، وقد تعددت الروايات التي وردت في تاريخ ولادته، فقيل في أخبار الصولي أنّه وُلد عام 190هـ، وقيل أيضاً عن ابنه تمام أنّه ولد عام 180هـ، ومما يجدر ذكره أنّ البعض أنكر نسبته إلى قبيلة طيء، مما تسبب في اختلاف الباحثين في تحديد أصل نسبه، ويُعزى هذا الاهتمام بنسب الشعراء إلى طبيعة المجتمع الذي كانوا يعيشون فيه، حيث كانت الأنساب هي السّمة الأساسية التي يُعتمد عليها في بناء المجتمع، مما جعل خصومه يستغلون حقيقة الاختلاف في أصل نسبه؛ لاستخدامها كوسيلة للتقليل من شأنه وهجائه، ويرى محمد نجيب البهتيتي أنّ هذا التشكيك يعود إلى أنّ خصومه الذين كانوا يعمدون إلى كل ما يمكنهم به النيل منه فيفعلونه، وقد انتهى إلى القول "ولكني بعد هذا كله لا أرتاب في أن أبا تمام عنصرا أجنبيا إلا انه في الثقافة و ليس في الدم".
نشأة أبي تمام
تُعدُّ نشأة أبي تمام واحدة من الروايات التاريخية المُختلف فيها، والتي سعى العديد من المؤرخين إلى تتبعها لتبيّن الكذب من الصدق فيها، فهذا ابن خلكان ينقل في سياقه خبر أبي تمام فيقول: "كانت ولادة أبي تمام بجاسم وهي قرية بين دمشق وطبريا، ونشأ بمصر"، ويُلاحظ حرص ابن خلكان في اختيار كلماته في النقل على استخدام اللفظ (قيل) كدلالة على أنّ هذا الخبر غير مقطوع به، ومما يجد ذكره أنّ ابن خلكان نقل عن الصولي في روايته لأخبار أبي تمام، فالغالب أنّ أبا تمام لم ينشأ في مصر، حيث إنّ الكتاب قد خلا من التحقيق في هذا الخبر، بالإضافة إلى إغفال صاحبَي كتابي مروج الذهب، والأغاني لهذا الخبر بالرغم من نقلهما عن الصولي.
أمّا في كتاب طبقات الأدباء للأنباري، فقد ذُكر أنّ أبا تمام قد نشأ في مصر وكان يعمل ساقياً فيها، فيما أُهملت رواية عمله في دمشق، إلّا أّن وفاة الأنباري التي كانت عام 588هـ -أي بعد موت أبي تمام بثلاثة قرون ونصف- تُقلل من قيمة هذه الرواية وتشكك في صحّتها، ويرى مصطفى صادق الرافعي أنّ أصلها قد وُضع للتقليل من شأن الشاعر والانتقاص من قدره، وأنها نُقلت كما يُنقل أي خبر لذاته لا لتحقيقه.
مما يدفع القارئ للاستنتاج بأنّ أبا تمام وُلد في الشام وقدم إلى مصر شاعراً ناشئاً كغيره من شعراء الأندلس، والمغرب ، والشام، والجزيرة العربية ، وكان ذلك في ولاية عبد الله بن طاهر، وكما يذكر في التاريخ أنّ ولايته كانت بالفترة 210 هـ أو 211 هـ، حيث كان أبو تمام يبلغ حينها 21 أو 23 عاماً، وقد قصده أبو تمام إلى مصر كما قصده بعد ذلك إلى خراسان في سنة 220 هـ، وهي السنة التي نشر فيها أبو تمام كتاب الحماسة.
تنقلات أبي تمام وطلبه للعلم
ترعرع أبو تمام في الشام وتلقّى علومه فيها، وتردد على حلقات العلم في مساجد مدينة دمشق ، حيث تفقّه في علوم الدين واللغة والشعر فيها، وهو الأمر الذي لربما كان مسؤولاً عن تحوّل مهنته من حياكة الثياب إلى حياكة الشعر، ويعرُف عن أبي تمام قصائد عدة مثل القصيدتين النونية والدالية اللتين نظمهما في مصر بعد نزوله في الفسطاط وإقامته في مسجد عمرو بن العاص، كما يُعرف عنه تنقله بين أغراض الشعر على اختلافها، فهذه قصيدته التي نظمها في رثاء عمير بن الوليد سنة 214هـ، وتلك قصيدة مدح فيها عبد الله الظاهر حاكم مصر، بالإضافة إلى ما كتبه من قصائد هجاء كان منها ما هجى به الشاعر يوسف السراج، وابن الجلودي الذي هو قائد من قوّاد المأمون.
وانتقل من مصر إلى دمشق فعندما لم يستطع المثول بين يدي المأمون في احدى زياراته للشام كما كان يرجو سافر إلى الموصل وبقي هناك لفترة من الزمن تنقَّل خلالها بينها وبين وطنه، ومن ثم ظهر في أرمينيا ومدح واليها خالد بن يزيد الشيباني، وارتحل فيما بعدها إلى بغداد، وذلك بعد وفاة المأمون عام 218هـ، حيث ازدهر شأنه في خلافة المعتصم فقد قربه إليه وأصبح أكبر شاعر جيء به للإشادة بأحداث خلافته التي كان منها فتح العمورية ، وقتل الأفشين، والقضاء على ثورة بابك الخرمي، ويُذكر أنّه كان قريباً من بعض رجال الدولة أمثال محمد بن عبد الملك الزيات -وهو وزير المعتصم والواثق- وغيره، بالإضافة إلى أنّه استطاع نيل حظوة الواثق بعد المعتصم.
انتقل أبو تمّام بعد ذلك إلى خراسان ليمدح عبد الله بن طاهر، وفي طريق عودته مرّ بهمذان فأكرمه أبو الوفاء بن سلمة، إلّا أنّ الثلوج حبسته فيها فلم يستطع الانتقال منها لمدة طويلة، فانكبَّ على الكتب فألّف منها خمسة كان أهمها كتاب الحماسة، وهو الكتاب الذي دوّت شهرته به، ليعود بعدها إلى بغداد فيُعنى به الحسن بن وهب كاتب ابن الزيّات.
أسرة أبي تمام
قلّت الأخبار التي طالت أسرة أبي تمّام وأهله، إلّا أنّ مما كان منها مرثية وجدت بين مراثيه كان قد كتبها في زوجة له، ويظهر أنَّ له بنون مختلفون إذ احتُسب منهم اثنين كان له فيهما رثاءً مؤثراً، ويُقال إنّ أخاً له كان اسمه سهماً، وكان يجري على لسانه شعرٌ ضعيف.
من صفات أبي تمام
كان أبو تمام يتمتع بذكاءٍ حاد لم يِعرف لغيره من الشعراء الذين عاصروه، بالإضافة إلى ما كان يتميّز به من قوّة في الإحساس، فكان يحس بالأشياء إحساساً سريعاً ويتعمق بالتأثر فيها، ومن هنا يظهر أنه امتاز بالعمق في نظرته وابتعاده عن ضحالة النظرة، ،فاتّجه إلى التعمق بالمعاني وكان له ذلك كسلاح ذي حدّين؛ ففي الوقت الذي ساعده فيه عمقه هذا على فهم الأشياء بشكل دقيق، ونأى به عن الوقوع في الخطأ في الفهم والتقدير، وأورثه قوة العقل ، إلاّ أنّه أدى به إلى اتّخاذ ألوان من الغرابة في المعاني والألفاظ لم يعتدها النّاس ولم يتداولوها، وهو الأمر الذي جعلهم يجدون في شعره تكلّفاً ومشقة، فأنكروا عليه ذلك.
موهبة أبي تمام الشعريّة
يُعدُّ أبو تمام من أبرز شعراْ عصره، فقد تميز ببداهته الشعرية مجسداً إيّاها في سيره بطريقة خاصة وأسلوب متفرد، ولا شك أنّ تنقله في بلدان كثيرة يذكر منها الشام، ومصر، والعراق، وفارس، كانت سبباً إضافياً لجعله محط اهتمام الناس بما قدمه من شعر وتأليف في العصر العباسي فقد قال:
بالشَّامِ أهلي، وبَغداد الهوى وأنا
- بالرَّقتين، وبالفسطاط إخواني
وما أظنُّ النَّوى ترضى بما صَنعتُ
- حتى تُطوِّحَ بي أقصى خَراسان
خلَّفتُ بالأفق الغربيَّ لي سكناً
- قد كانَ عيشي به حُلواً بحُلوانِ
ويُلاحظ اعتناء الأدباء قديماً أمثال الخارزنجي، وأبو بكر الصولي، وأبو العلاء المعري ، والمرزوقي والتبريزي، بالإضافة إلى اللكثيرين من الأدباء والعلماء المعاصرين في تحليل وترتيب شعر أبي تمّام، فاجتُمع على أنّه خلّف وراءه الكثير الحسن والقليل الرديء، فيما نال المدح أكثر من ثلث ما كتبه، فقد مدح الكثير من الخلفاء، والأمراء، والورزاء، والشعراء، والقُوّاد وغيرهم في البلدان التي مرَّ فيها، وقد كتب أبو تمام 513 قصيدة يمكن تصنيف الأغراض الشعرية التي وردت فيها كالأتي:
- 185 قصيدة للمدح بين المطولة والقصيرة.
- 136 قصيدة للغزل.
- 92 قصيدة للهجاء.
- 35 قصيدة للمراثي.
- 30 قصيدة للمعاتبات.
- 22 قصيدة للأوصاف.
- 8 قصائد للفخر.
- 5 قصائد للوعظ والزهد.
مؤلّفات أبي تمام
لا شك أنّ الشاعر أبو تمام كان من الشعراء العلماء، إذ اعتبرت مختاراته الشعرية من أحسن الدراسات الأدبية، حيث كان من شأنها أن تضع أبا تمام إلى جانب العلماء أمثال الأصمعي ، والمفضل الضبّي، وخلف وغيرهم من أجلّة علماء اللغة والأدب، وقد كان من هذه المختارات:
- كتاب الاختيارات من أشعار القبائل: يشمل مختارات من أغاني القبائل.
- كتاب الاختيارات من أشعار الشعراء: يشمل مختارات من أغانٍ لشعراء لا يُعرف عنهم إلّا القليل.
- الفحول: يشمل مجموعة من أجود قصائد الجاهلية والإسلام وتنتهي بابن هرمة.
- الحماسة: رتبها أبو تمام ضمن عشرة أبواب، وضمّنها عيوناً من الشعر العربي تعود لمختلف العصور، وهي المجموعة الوحيدة التي وصلت إلينا من مجموعاته إلى جانب الوحشيات وهي الحماسة الصغرى.
- اختيار المقطعات: قام بترتيبها على نسق الحماسة، لكنه بدأه بالغزل.
وفاة أبي تمام
لقد تعددت الأقوال في تاريخ وفاة الشاعر أبو تمام، فلقد أجمع كل من محمد بن موسى، بالإضافة إلى أبو سليمان النابلسي أنه توفي في الموصل في عام 231هـ، وأضاف النابلسي أنّه ولد عام 188هـ، لكنّعون بن محمد الكندي فقال خالفهم في تاريخ ولادته فقال إنّه كان عام 190هـ، فيما قال إنّه توفي في محرم عام 232هـ.
وفيما يلي بعض أبيات الشعر التي قيلت في رثائه:
فقد رثاه الحسن بن وهاب فقال:
سَقتْ بالموصل القَبرَ الغريبَا
- سحائِبُ يَنتحِبنَ لَهُ نَحِيبَا
إذا أطلَعنَهُ أطلَقنَ فيهِ
- شُعيبَ المُزنِ مُنبعقاً شَعيبَا
ورثاه علي بن الجهم فقال:
غاضَتْ بدائعُ فِطنَةِ الأوهامِ
- وعَدت عليهَا نكبَةُ الأيام
وغَدا القريضُ ضئيلَ شَخصٍ باكياً
- يشكو رَزِيتَهُ إلى الأقلام