قصة النبي في الطائف
قصة خروج النبي إلى الطائف
ضاقت مكة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بعد إيذاء أهلها لها، فشَرَع في الذهاب إلى الطائف علَّهُ يجد من ينصُرُه هناك من قبيلة ثقيف، وكان ذلك في شهر شوّال من السنة العاشرةِ للبعثة، واصطحب معه مولاه زيد بن حارثة -رضي الله عنه-، ولما وصل -صلى الله عليه وسلم- إلى الطائف أخذ يدعوهم إلى الإسلام وإلى دعوة الحقّ، فلم ينَل منهم سوى التكذيب والإنكار.
لم يكفِ أهل الطائف استهزاءهم برسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتكذيبهم له، بل قلّبوا عليه قومهم فجعلوا يرمونه بالحجارة حتى أصابوا قدماه، فتلطّخ حذاءه بالدماء، وجعل مولاه زيد يدفع عنه أذاهم حتى شُجَّ رأسه، فتوجها إلى سور بستانٍ لشيبة وعُتبة ابنا ربيعة يحتمون به، فكره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يلبث هناك لعداوتهم له؛ فكانوا ينظرون إليه وكأنّما يتلذذون بما حصل له من إيذاء من أهل الطائف.
دعاء الرسول في الطائف
بعدما اشتدّ أذى أهل الطائف على رسول الله -صلى الله عليهم وسلم- رفع يديه ودعا بهذا الدعاء: (اللهمَّ إليك أشكو ضَعْفَ قوَّتي، وقلةَ حيلتي، وهواني على الناسِ، يا أرحَمَ الراحمِينَ، أنت رَبُّ المستضعَفِينَ، وأنت ربِّي، إلى مَن تَكِلُني؟ إلى بعيدٍ يَتجهَّمُني، أو إلى عدوٍّ ملَّكْتَهُ أمري؟! إن لم يكُنْ بك غضَبٌ عليَّ فلا أُبالي، غيرَ أن عافيتَك هي أوسَعُ لي، أعُوذُ بنورِ وجهِك الذي أشرَقتْ له الظُّلماتُ، وصلَح عليه أمرُ الدُّنيا والآخرةِ، أن يَحِلَّ عليَّ غضَبُك، أو أن يَنزِلَ بي سخَطُك، لك العُتْبى حتى ترضى، ولا حولَ ولا قوَّةَ إلا بك)
سبب خروج النبي إلى الطائف
بعدما توفّي عمّ النبي -صلى الله عليه وسلم- وزوجته خديجة، ازداد عداء كفّار قريشٍ له وضاعفوا عليه أصناف الأذى حتى وصل بهم الأمر لرمي القاذورات عليه، ففكّر النبي -صلى الله عليه وسلم- في الذهاب إلى الطائف لعلّه يجدُ من ينصُرُه من قبيلة ثقيف، وكان هذا هو سبب توجّه النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى الطائف.
رجوع النبي من الطائف إلى مكة
عاد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الطائف بعد أن آذوه وكذّبوه، فسألته أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: هلْ أتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كانَ أشَدَّ مِن يَومِ أُحُدٍ؟ قالَ: (لقَدْ لَقِيتُ مِن قَوْمِكِ ما لَقِيتُ، وكانَ أشَدَّ ما لَقِيتُ منهمْ يَومَ العَقَبَةِ، إذْ عَرَضْتُ نَفْسِي علَى ابْنِ عبدِ يالِيلَ بنِ عبدِ كُلالٍ، فَلَمْ يُجِبْنِي إلى ما أرَدْتُ، فانْطَلَقْتُ وأنا مَهْمُومٌ علَى وجْهِي، فَلَمْ أسْتَفِقْ إلَّا وأنا بقَرْنِ الثَّعالِبِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فإذا أنا بسَحابَةٍ قدْ أظَلَّتْنِي، فَنَظَرْتُ فإذا فيها جِبْرِيلُ، فَنادانِي فقالَ: إنَّ اللَّهَ قدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وما رَدُّوا عَلَيْكَ، وقدْ بَعَثَ إلَيْكَ مَلَكَ الجِبالِ لِتَأْمُرَهُ بما شِئْتَ فيهم، فَنادانِي مَلَكُ الجِبالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ، ثُمَّ قالَ: يا مُحَمَّدُ، فقالَ ذلكَ فِيما شِئْتَ، إنْ شِئْتَ أنْ أُطْبِقَ عليهمُ الأخْشَبَيْنِ، فقالَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: بَلْ أرْجُو أنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِن أصْلابِهِمْ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ وحْدَهُ لا يُشْرِكُ به شيئًا).
فلم يقبل نبي الله -صلى الله عليه وسلم- أن يدعو على قومه، متأمّلاً أن يخرج منهم من يوحّد الله -عزّ وجلّ- وينصر دعوته، هذا كان موقف الرسول من ردة فعل أهل الطائف، وهذا يدلّ على سعة صدر رسول الله ولين قلبِه ورحمتهِ بقومه.
خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- من مكة بعد اشتداد الأذى الواقع عليه من أهلها، وتوجه إلى الطائف، لعل الله -تعالى- يهديهم به، ولكن أهل الطائف كذبوه ورموا عليه الحجارة حتى دامت قدماه الشريفتان، ومع ذلك لم يقبل الدعاء عليهم؛ أملاً في أن يُخرج الله من أصلابهم من يؤمن به.