قصة النبي داود للأطفال
من هو النبي داود؟
سيدنا داود -عليه السلام- كان أحد أنبياء بني اسرائيل، وهو والد نبي الله سليمان -عليهما السلام- فقد أخبر الله في محكم كتابه: (وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ)، وقد أعطى الله لنبيه القدرة والقوة، فقال -تعالى-: (وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ، ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ)، وكان كثير العبادة لله، كثير القيام، والصيام، والتوبة، والرجوع إلى الله -تعالى-، وعمل نبي الله داود برعي الغنم، فقد صح عن الرسول قوله: (بُعِثَ مُوسَى عليهِ السلامُ وهوَ رَاعِي غَنَمٍ، وبُعِثَ دَاوُدُ عليهِ السلامُ وهوَ رَاعِي غَنَمٍ، وبُعِثْتُ أنا وأنا رَاعِي غَنَمِ بِأَجْيادٍ)، وقد جعل الله -تعالى- الطير والجبال تسبح معه كما ورد في سورة سبأ: (يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ).
وقد كان له صوتٌ جميل في التسبيح والترتيل، ومما يُثبت ذلك حين شبه وقارب النبي -صلى الله عليه وسلم- صوت الصحابي الجليل أبي موسى الأشعري بآل داود حين قال: (يا أبا مُوسَى لقَدْ أُوتِيتَ مِزْمارًا مِن مَزامِيرِ آلِ داوُدَ)، وقد أعطاه الله قدرة عظيمة، فكان الحديد يلين معه من غير نار فيسهل تصنيعه وعمل ما يشاء به، فقد قال -تعالى-: (وألنا له الحديد).
ومن فضل الله عليه أنه أعطاه القدرة في المُلك والقوة، فكان عنده ما يحتاجه أي شخص ليكون مَلكاً قوياً، ولم يقتصر الأمر على المُلك فقد أعطاه الله الحكمة والعقل الراحج والفهم الدقيق، وكان -عليه السلام- فصيحاً ويملك قوة في المنطق والكلام، وقد جُمعت صفاته هذه في الآية الكريمة من سورة ص: (وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ).
ذكرت الفقرة صفات نبي الله داود وما أكرمه الله به من مُعجزات، فقد جعل الله الطير تسبح معه، وأعطاه قوة عظيمة، فقد جعل للحديد ميزة خاصة بين يديه وهو أنه يستطيع تشكيله كيفما أراد، وأعطاه ملكاً عظيماً.
قصة داود مع جالوت
طالوت الملك
في تلك الحقبة من الزمن دار حديثٌ بين بني إسرائيل والنبي الذي بعثه الله بعد موسى -عليه السلام-، فطلبوا منه أن يسأل الله بأن يختار ملكاً يسيرون خلفه ويُقاتلون في سبيل الله، ويدفعون الظلم عن أنفسهم وبلادهم، فسألهم النبي: ماذا لو كتب عليكم القتل هل حقاً ستقاتلون وتوفون بعهدكم مع الله أم أنكم ستفرون وتخونون عهدكم؟؟ لكنهم أصروا على أنهم سيوفون بعدهم ويقاتلون، فسأل النبيّ ربّه أن يبعث إليهم مَلِكاً ليقاتلوا في سبيله -عز وجل-، فستجاب الله لهم كما ورد في سورة البقرة قوله -تعالى-: (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيّهُمْ إِنّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً).
لقد اختار الله طالوت ليكون ذاك الملك الذي يقود القتال في سبيله، ولكن بني إسرائيل بدل أن يسلّموا بأمر الله؛ لم يعجبهم اختيار الله له، كيف وهو أقلّهم مالاً ونسباً؟! فأجاب نبيهم بحزم في قوله -تعالى-: (قَالَ إِنَّ اللَّـهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّـهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ وَاللَّـهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)، فقد اختصه الله، وعليكم الطاعة والامتثال لأمره، وقد ميّزه الله بقوة الجسم ورجاحة العقل والعلم، والمُلك لا يورث إنما يختص الله الأكثر استحقاقاً وكفاءة له.
ثم جعل الله لطالوت علامة فارقة، وهي أنه مبعوثٌ من ربه -عز وجل-، فقال في محكم كتابه على لسان نبيه: (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَىٰ وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)، ويظهر من الآية أن هذا التابوت كان مفقوداً، وسيظهر كعلامة لمُلك طالوت، وستأتي السكينة معه والراحة النفسية التي يحتاجونها، وليزيد من قيمة هذه العلامة وهذا التابوت الذي سيأتي كانت الملائكة هي التي تحمله تقديراً وتعظيماً، فإن كنتم مؤمنين يا بني إسرائيل لن يتسلّل الشك إليكم بعد هذه المعجزة.
هزيمة جالوت
بعد استقرار المُلك لطالوت تجهّز وجهّز جيشه وتحرك ليقاتل أكبر طاغية في ذاك العصر، وأكثرهم ظلماً وأذى، ذاك الرجل المدعو جالوت، وكان معروفاً بقوته وسلطته وقدرته الجسدية، ولكن كان هناك اختبار وامتحان للمقاتلين الذين خرجوا للقتال كما قال الله -تعالى- على لسان طالوت: (فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّـهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ)، حيث سيمرّون بنهرٍ وهم عطشى، والاختبار عدم الشرب من هذه الماء إلا باغتراف غَرفةً واحدة.
فمن سيشرب سيخرج من هذا الجيش المصطفى والمُختار من الله، ومن لم يشرب منه فسيبقى من هذه القلة المُختارة، فشرب أكثرهم إلا قليلاً، فقد ورد في رواية الصحابي الجليل البراء بن عازب -رضي الله عنه- عن أعداد المسلمين يوم غزوة بدر: (كُنَّا نَتَحَدَّثُ: أنَّ أصْحَابَ بَدْرٍ ثَلَاثُ مِئَةٍ وبِضْعَةَ عَشَرَ، بعِدَّةِ أصْحَابِ طَالُوتَ، الَّذِينَ جَاوَزُوا معهُ النَّهَرَ، وما جَاوَزَ معهُ إلَّا مُؤْمِنٌ)، ومما دل عليه الحديث أن الذي بقي مع طالوت عدد قليل جداً، والباقي قد خان عهده ورجع خائباً خاسراً.
وبعد أن اجتاز طالوت النهر مع القلة الباقية معه؛ قال عدد منهم: لا نملك فرصة ولا طاقة للنصر على جالوت فعددهم أكبر وعتادهم أكثر، لكن الفئة المؤمنة الثابتة منهم ردّت عليهم بكل ثباتٍ ويقين أن الغلبة ليست بالعدد، وحثّتهم على الصبر، وأن يستعينوا بالله فهو الناصر والمُعين، فكانوا سبباً في ثباتهم جميعاً، فقد أخبر الله في سورة البقرة: (وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)، فقد ثبتوا جميعا ودعوا الله بأن ينصرهم ويثبتهم، وتم لهم نصر الله، فقد هُزم جيش جالوت، وقاتله نبي الله داود -عليه السلام- جالوت.
العبر المستفادة من قصة داود مع جالوت؟
هناك عبر مستفادة من ما جرى في قصة طالوت وجالوت منها:
- عدم الاندفاع وراء الحماس المفاجئ والزائف، وترسيخ العقيدة والإيمان في النفوس.
- اليقين والثقة بالله مع الأخذ بالأسباب سبب عظيم من أسباب النصر.
- الصبر واتباع الأوامر أمر مهم للمسلم وعبادة يؤجر عليها.
- التفاضل بين الناس بالتقوى، والمُلك والسلطة تعطى للأكثر كفاءة لا بحسب النسب والمال.
يتلخّص مما سبق أنّه بعد نبي الله موسى سأل بنو إسرائيل أن يرزقهم الله بنبي، فأرسل الله لهم طالوت، لكن لم يعجبهم اختيار الله له، وأرسل الله لهم آية ومعجزة ليصدقوا أنه من عند الله، ثم أمرهم الله بقتال جالوت، واختبر صبر الصابرين منهم.
قصة داود مع صاحب النعجة
حكم النبي داود بقضية صاحب النعجة
في إحدى الليالي ونبي الله في محرابه يتعبد وإذ بشخصين يعتليان السور ويدخلان عليه دون إذنه ودون أن يشعر بهما، فأصابه الخوف الشديد والفزع من حصول مكروهٍ منهم، فأخبروه أن يطمئن لأنهم جاءوا ليحكم بينهما، وابتدآ في سرد قصّتهما، حيث كانا أخوين أو شريكين؛ أحدهما كان يملك تسعاً وتسعين نعجة، والآخر كان يملك نعجةً واحدة فقط، فأخبر الرجل الذي عنده نعجة واحدة نبيّ الله داود أنّ أخاه الذي يملك التسع وتسعين نعجة طلب منه أن يأخذ نعجته الواحدة ويضمّها إلى نعاجه، وكان أقدر منه على قول الحجّة والمخاطبة.
فأقرّ من يملك العدد الكثير من النعاج على صدق قول أخيه، وبما أن أخاه لم ينكر ذلك فقد أعطى نبي الله داود حكمه أنه قد ظلم أخاه بهذا الطلب، فليس من حقه ذلك، وأن كثير من الشركاء يظلمون بعضهم ويطمع منهم الواحد في مال شريكه إلا الذين يؤمنون بالله ويعملون صالحاً، وهؤلاء قليل، فكان نبيّ الله داود صاحب حكمة، وهكذا أورد الله حكم داود -عليه السلام- في سورة ص: (قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ)،
العبر المستفادة من قصة داود مع صاحب النعجة
العبر المستفادة من قصة داود -عليه السلام- هي:
- أهمية آداب ب الاستئذان قبل الدخول على أي أحد.
- يرجع الحكم لأهله لمن يمتلك العلم، والحكمة، ورجاحة العقل، وحسن الاختيار.
- محاولة الإنسان مساعدة من يستعين به قدر الإمكان، وعدم ردّهم إذا امتلك القدرة على مساعدتهم.
- تجنّب الظلم، خاصة في شراكة أحد في مال أو شيء ما.
مُلخص المقال: داود -عليه والسلام- نبي من أنبياء الله تعالى لبني اسرائيل، آتاه الله الحُكم والحكمة والفصاحة والقوة، وسخّر معه الجبال والطير تسبح معه، وهو والد نبي الله سليمان، وقد أورد الله ذكره في القرآن بمواضع ومواقف عدة أثبتت شجاعته وحكمته وقوته وسعيه في خدمة رسالته وأمته.