قصة العسل في سورة التحريم
قصة العسل في سورة التحريم
تُعدُّ قصة العسل هي سبب نزول الآية الأولى من سورة التحريم، وهي قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ۖ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)، وقد ذكر هذا القول كُلٌ من ابن كثير والبخاري، وفي هذا المقال سنذكر هذه القصة:
شرب النبي للعسل
كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يُحبُّ شرب الحلواء والعسل، وفي أحد الأيام ذهب إلى زينب بنت جحش -رضي الله عنها- فشرب عندها عسلاً؛ وذلك في الحديث الذي رواه الإمام البخاري، فيما ترويه عائشة -رضي الله عنها-: (أنَّ النبيَّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- كانَ يَمْكُثُ عِنْدَ زَيْنَبَ بنْتِ جَحْشٍ، ويَشْرَبُ عِنْدَهَا عَسَلًا).
اتفاق زوجاته عليه
لما علمت عائشة -رضي الله عنها- بأمر شرب رسول الله العسل عند زوجته زينب بنت جحش -رضي الله عنها-؛ أصابها شيء من الغيرة، وهذا أمر طبيعي بحسب الطبيعة البشريّة لما يحدث بين الضرائر عادةً حتى مع كثرتهنّ،فاتفقت عائشة مع حفصة -رضي الله عنهما- أن أيّ واحدة منهن سيدخل عليها رسول الله- أن يخبرنه أنهن يجدن منه رائحة مغافير، فهل أكل مغافير؟.
والمغافير؛ هو صمغ حلو الطعم، كريه الرائحة، فدخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على واحدة منهنّ، فسألته فأجاب -عليه الصلاة والسلام-: (فَقالَ: لَا، بَلْ شَرِبْتُ عَسَلًا عِنْدَ زَيْنَبَ بنْتِ جَحْشٍ، ولَنْ أعُودَ له).
وقد حرم رسول الله على نفسه العسل وهو حلالٌ له، فأنزل الله قوله: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ۖ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)، وقد ذكر ابن جرير الطبري في ذلك: "جائز أن يكون الذي حرّمه رسول الله على نفسه هو جاريته أو شيء من الطعام، القصد أنه حرّم على نفسه شيء أحله الله له، وذلك لما روت إحدى الروايات الضعيفة التي تُخبر أنّ هذه الآية نزلت في تحريم رسول الله على نفسه ماريّة".
عتاب الله لرسوله
في هذه الآية عتاب من الله لرسوله؛ لأنه قد حرم على نفسه أمراً قد أحله الله له؛ ولأنّ ما أحلّه الله لك لا ينبغي لك أن تُحرّمه على نفسك فتشق عليها، كل ذلك من أجل إرضاء غيرك وهنّ زوجاتك.
علماً أنّ الفعل الذي قام به -صلى الله عليه وسلم- هو مباح وليس فيه ارتكاب جناح، وإنما خاطبه الله بلفظ لم تُحرّم شفقةً ورفقاً به، وبياناً لمكانته ومنزلته العظيمة عند ربه -جل جلاله-، ورفعة له وتقديراً من أن لا يُحرج أمام أي أحد من البشر.
وانتهت الآية في لفظ المغفرة؛ وذلك تسلية لقلب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى لا يُحزنه هذا العتاب المُوجه له من الله -تعالى-، وأنّ الله سيغفر له ما فعله؛ لأنه واسع الكرم والمغفرة، ثم تُبيّن الآيات مظاهر رحمة الله -عز وجل- بنبيّه.