قصة الإمام الشافعي مع أمه
قصة الإمام الشافعي مع أمه
سطّرت أمُّ الإمام الشافعي أروع الأمثلة في صناعة العظماء؛ إذ كانت السبب الخفيَّ وراء عِلْم الإمام الشافعي، وبراعته؛ فقد سخّرت حياتها لابنها، وفضلت أن تظل أرملةً بلا زوج يعولها، على أن تصب كل جهدها في تعليم ابنها، فجاءتنا بعَلَم من أعلام الإسلام، وبدر منير في سماء العلماء والبلغاء.
رؤية والدته أنها تلد كوكباً
ابتدأت رحلة فاطمة الأزدية مع ابنها الشافعي قبل مولده؛ إذ رُوي أنها رأت في منامها، وهو في بطنها، أنها تلد كوكب المشتري، حتى ينقضّ في مصر، فتتفرق شظاياه في كل البلاد، فبشرها المعبرون بميلاد عالم، يخص علمه أهل مصر، ثم يعم بقاع الأرض، فهذه الرواية -إن صحّت- فهي أول دافع لفاطمة أن تَنذُر نفسها لابنها؛ حتى يصير عالماً.
وفاة والد الشافعي وحسن تدبير والدته
أمّا في الواقع، فقد ابتدأت قصة فاطمة الأزدية -رحمها الله- مع ابنها -الإمام الشافعي-، لَمّا مات زوجها، وعمر ابنها سنتين، وكانت في الشام، فحملته إلى مكة، رجاءَ أن لا يضيع نسبه الهاشمي، فأتت به أنسباءه، فلم يبلغ السابعة بين يديها، وهو ملازم لكتاتيب مكة، حتى حفظ القرآن الكريم وهو ابن سبع سنين، ثم موطأ الإمام مالك وهو ابن عشر.
اليتم والفقر
وقد نشأ يتيماً فقيراً في حِجر أمّه، ولم يكن معها ما تعطي المعلم، فكان المعلم يرضى أن يخلفه إذا قام عوضاً عن أجره، ومما يدل على شدة فقره وحاجته في ذلك الوقت، أنه كان يأخذ الأوراق التي فرغ منها أقرانه، فيكتب على ظهورها، كما كان يكتب على العظام، حتى إذا اجتمع منها الشيء الكثير جعلها في جرةٍ قديمةٍ في بيته.
ومن ذلك أيضاً أنّه لمّا كلّم له بعض القرشيين والٍٍ لليمن قَدِم إلى مكة؛ بأن يصحبه معه، فلم يكن عند أمه ما يستعد به للسفر من الرَّكوب والزّاد، فرهنت دارها بستة عشر ديناراً، فاستعد بهن للسفر، وصحبه حتى أتى اليمن، فجالس علماءها ولزم دروسهم، فلم يزل على ذلك حتى فاق علمه أقرانه وشيوخه.
وذِكرُ الفقر الذي كانوا عليه؛ إنما يدلّ على عِظَم عزيمة أمّه فاطمة -رحمها الله- على تعليم ابنها، وتسخير وقتها لذلك، فإنما كانت أحوج ما تكون في ذلك الوقت إلى زوجٍ يعولها، لكنها لو فعلت لانشغلت به عن ابنها، فلم تزل معه، يحملها إلى كل موضع، حتى رأت فيه ما يسرها.
رفع الهمة في طلب العلم
ومما نُقل عن فاطمة -رحمها الله- في شدّها عضد ابنها في طلب العلم والزيادة فيه، ما رواه يونس بن عبد الأعلى، يقول: قالت لي أم الشافعي: أن الشافعي قال لها: "يا أمه، ألا ترين حماداً البربري قد علا أمره فأخافه؟، فقالت: يا بني، إن الطير إذا علا وسما، ثم وقع كان أشد لحموته، أو قالت: لوقعته".
وهنا نقف أمام هذا الطَّود العظيم فاطمة الأزدية، التي لم تترك لنا نعتاً ننعتها به، خيراً من أن نقول أنها أمّ الإمام محمد بن إدريس الشافعي، فرحمة الله عليها، وعلى من أنجبت من فذٍ، عمّ صِيته أرجاء المعمورة، وبلغ من العلم ما تنوء عن حمله الجبال، بفضل الله أولاً، ثم بفضل أمٍ ما لبثت أن تكون سُلّماً؛ يرقى به ما ناء غيره أن يرقى.
التعريف بالإمام الشافعي
اسمه ونسبه
هو محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع الهاشمي القرشي المطلبي، أبو عبد الله، ولد -رحمه الله- بغزة ، وهي مدينة في أقصى الشام من ناحية مصر جنوب فلسطين، -المعروفة لدينا اليوم بقطاع غزة-.
ولما بلغ سنتين نُقل إلى مكة؛ فترعرع بها وتعلم فيها، و بالمدينة المنورة ما شاء الله له، ثم دخل بغداد فلبث بها سنتين، وصنف الكتب القديمة، ثم رجع إلى مكة وأقام بها مدة، ثم مكث في بغداد أشهراً، ثم إلى مصر حيث توفي فيها -رحمه الله-.
مولده ووفاته
أما عن تاريخ ميلاد الإمام الشافعي ووفاته، فقد ولد -رحمه الله- سنة مائة وخمسين للهجرة، وتوفي في آخر يوم من شهر رجب سنة مائتين وأربعة، وكان يوم خميس وقيل جمعة، ودفن في ذلك اليوم بعد صلاة العصر، وقد بلغ من العمر أربعاً وخمسين سنة.
مناقبه
أما عن مناقبه وفضائله، فيمكن ذكرها في النقاط الآتية:
- أحد أئمة المذاهب الأربعة.
- طلب العلم منذ صغره، فتفوق فيه، وعلا أقرانه.
- اشتهر بذكائه وحفظه.
- كان تقياً ورعاً شجاعاً، لا يخاف في الله لومة لائم.
- أُذن له بالفتيا وهو ابن خمس عشرة سنة، وقيل ثماني عشرة سنة.
- له كتب كثيرة ونادرة.
- أول من صنف في أصول الفقه، وأحكام القرآن الكريم.
- أخذ العلمَ عن أشهرِ العلماء؛ كالإمام مالك بن أنس.
- أخذ عنه العلمَ أشهرُ العلماء؛ كالإمام أحمد بن حنبل .
- من أشهر أقواله: "إِذَا صَحَّ الحَدِيثُ فَهُوَ مَذهَبِي، وَإِذَا صَحَّ الحَدِيثُ فَاضْرِبُوا بِقَولِي الحَائِطَ".
- حفظ القرآن الكريم، وهو ابن سبع سنين.
- حفظ الموطأ، وهو ابن عشر سنين.
التعريف بأم الإمام الشافعي
هي فاطمة بنت عبد الله الأزدية، من قبيلة أزد من اليمن، وقيل هاشمية، لكن القول الأول هو الراجح، قصَدَ زوجها إدريس بن العباس الشام، ومات فيها، وكان عمر ابنها محمد "الإمام الشافعي" سنتين، وكانت ذات علم وعقل راجح.
ومما يؤكد ذلك، قصتها مع قاضي مكة، حين حضرت شاهدة مع أم بشر المريسي، فأراد القاضي التفريق بينهما، فقالت: ليس لك ذلك، فقد قال الله -تعالى-: (أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى).