قصة اصحاب الفيل
قصة أصحاب الفيل
زمن القصة وسببها
وقعت حادثة الفيل في العام الذي وُلد فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، حيث ذكر الله -تعالى- في القرآن الكريم قصة أصحاب الفيل في قوله -تعالى-: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ* أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ* وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ* تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ* فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ)، وأهلك الله -تعالى- فيها أبرهة الأشرم وفيلتهُ ومن معه من الجنود، فأرسل عليهم طيوراً ترميهم بالحجارة لمَّا أرادوا هدم الكعبة الشريفة، فقد روى قيس بن مخرمة فقال: (ولدتُ أنا ورسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ عامَ الفيلِ).
وسبب ذلك أنّ جدّ النجاشي لمّا كان والياً على اليمن؛ واسمه أبرهة الأشرم، قام ببناء كنيسةٍ وسمَّاها القلّيس، وأراد أن يحوِّل الحجَّ إليها بدلاً من الكعبة، فجاء رجلٌ من كنانة إليها ليلاً وتغوّط فيها؛ ممّا أثار غضب أبرهة، فتوعّد أن يذهب إلى الكعبة ويدمّرها؛ مدَّعياً أنَّ السبب هو ما فعله الرجل من كنانة لمَّا تغوّط فيها، لكنّه كان يسعى في المقدّمة لفتح مكة؛ حتى يقوم بربط اليمن ببلاد الشام، لتصبح جميعها بلاداً نصرانيَّة.
فجهَّز جيشاً كبيراً، واصطحب معه الكثير من الفيلة، ولمّا وصل إلى مكانٍ اسمه المغمّس والذي يقع بالقرب من مكة، بعث إلى أهل مكّة أنّه لم يأتِ للقتال، وإنّما ليهدم الكعبة، وقد علم أهّل مكّة أنّهم لا يقدرون على المواجهة، لكنّهم عَلِموا أنّ الله -تعالى- سيحمي بيته الكريم، وقيل إنّ سبب واقعة الفيل هو أنّ مجموعةٌ من الرّجال نزلوا بأرض النَّجاشي، وقاموا بإشعال النَّار لقضاء بعض حاجاتهم ونسوها، فامتدّت النَّار حتى وصلت الكنيسة فأحرقتها، فجهّز جيشه وتوجَّه إلى الكعبة ليهدمها.
توجه أصحاب الفيل وقائدهم لهدم الكعبة
يُطلَق مصطلح أصحاب الفيل على الذين جاؤوا من الحبشة يريدون هدم الكعبة،بقيادة أبرهة الأشرم، ومعهم الفيلة، لكنَّ أهل مكّة فيهم عبد المطلب الذي كان يتميّز بحكمته، فأمرهم بإخلاء بيوتهم والصُّعود إلى جبال مكة، وكان عبد المطلّب قد عرض الأموال الكثيرة على أبرهة الأشرم على أن يعود دون هدم الكعبة لكنَّه رفض، وأعاد إلى عبد المطلب إِبلَهُ التي كان قد استولى عليها، فأخذ عبد المطلب رجالاً من قريش إلى الكعبة وأمسك بحلقتها وبدأؤوا يدعون الله -تعالى- أن يدفع أبرهة وجنودة عن البيت.
فلما قدم أبرهة ولم يجد هناك من يصدّه، أصرّ على أن يدخل إلى الكعبة ويهدِمها، لكنَّ أهل مكة يعلمون أنّها بحماية الله -تعالى-، فلمَّا وصل جيش أبرهة أبى الفيل أن يدخل الحرم، فإن أدخلوه رفض وإن أعادوه عاد، وبينما هم على هذه الحال إذ أرسل الله -تعالى- طيوراً صغيرة أقبلت عليهم كالسحاب تحمِلُ في أفواهها وأقدامها حجارةً صغيرةً، فامتدت حتى أظلّتهم جميعاً، وبدأت ترميهم بالحجارة وتُهشِّمهم، ثمّ أصابهم الجدري فكُلّما حكَّ أحدهم جلده تساقط هذا الجلد عن بدنه.
حفظ الله البيت الحرام وجزاء أصحاب الفيل
أقدمت طيورٌ من ناحية البحر، فتعجَّب عبد المطلب منها وقال: "واللَّه إنها لطير غريبة، ما هي بنجدية ولا تهامية"، وإذ بها تقترب ومعها حجارةٌ من طين، وبدأت ترمي الحجارة عليهم، فهربوا يريدون النَّجاة، وكان لا يُصاب أحدٌ بها إلا تساقط لحمه عن عظمه وهَلَكَ، وأصابت أبرهة وبدأت أصابعه تتساقط واحداً تلو الآخر، فهلك الكثير منهم في الطريق، وما أن وصل أبرهة إلى اليمن حتى هلك ومات، وقد شبّههم الله -تعالى- بالعصف المأكول -وهو التِّبن الذي أكلت منه البهائم-، فصار أبرهة وجنوده بعد أن انسلخت جلودهم عن عظامهم وأُهلكوا، وقد قيل في بيان العصف أنّه التبن، وقيل الزرع المأكول، وقيل قشرة القمح التي تعلو الثَّمرة.
دروس وعبر مستفادة من قصة أصحاب الفيل
يُستفاد من قصة أصحاب الفيل العديد من الأُمور، منها ما يأتي:
- بيان قدرة الله -تعالى- في القضاء على أعدائه الذين أرادوا هدم بيته، فأرسل عليهم طيراً أبابيل ترميهم بحجارة من سجّيل، حتى أهلكتهم ولم يبقَ منهم أحد.
- التمهيد لرسالة سيدنا -محمد صلّى الله عليه وسلّم-، فقد كانت هذه الحادثة معجزةً من معجزات الله -تعالى- في العام الذي وُلد فيه سيدنا محمّد -صلى الله عليه وسلم-، وبيان أنَّ الكعبة ستكون قِبلَةً للمسلمين بعد بعثته -عليه الصلاة والسّلام-.
- التأكيد على حرمة الكعبة وحفظ الله -تعالى- لها، فقد أهلك من اعتدى عليها ليؤكِّد عظمتها وحرمة التَّعدي عليها، فهي بيت الله -تعالى- وأوَّل بيتٍ وُضِع للنَّاس، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ اللهَ حَبَسَ عن مكةَ الفيلَ، وَسَلَّطَ عليْها رسولَ اللهِ والمؤمنينَ، ألا فإنَّها لم تَحِلْ لأَحَدٍ قبلِي ولاَ تَحِلُّ لأَحَدٍ بَعْدِي).
- إظهار نعم الله -تعالى- على كفار قريش، فقد جمعهم ورزقهم ونصرهم، ويُفترض منهم تجاه ذلك أن يشكروه ولا يشرِكوا به أحداً، وأن لا يعبدوا سواه.
- مواساة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والمسلمين من خلال ذكر هذه القصص في القرآن الكريم، فإنَّ الله -عز وجل- الذي أهلك هؤلاء قادرٌ على إهلاك غيرهم من الأعداء.