في أي وقت يقفل باب التوبة
وقت إغلاق باب التوبة
الغرغرة
يتميّز دين الإسلام بالرحمة، فالله رحيم وسعت رحمته كلّ شيء، والله -تعالى- يقبل التوبة من عباده في كل حال وبغضّ النظر عن الزمان أو المكان إلّا في حالتين: الحالة الأُولى الغرْغرة، ومعناها ترديد الماء في آخر الحلق، من غير بلعه، وتشبه في ذلك صوت الغليان، كما أنَّها تأتي بمعنى صوت حشرجة الإنسان عند صعود روحه إلى خالقها -سبحانه وتعالى- والغرغرة من المواطن التي لا تُقبل معها التوبة، فلا يزال باب التوبة مفتوحاً أمام العبد ما لم يصل إلى مرحلة الغرغرة، وقد بدا هذا الأمر واضحاً من فعل النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- عندما زار شاباً يهودياً كان في حالة النزاع، فطلب النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- من الشاب أن يدخل في الإسلام، فنظر الشاب لوالده، فقال له: أطع أبا القاسم، فأجاب ومات على دين الإسلام، فخرج النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- من عنده مسروراً، وقال: (الحمدُ للهِ الَّذي أنقذه بي من النَّارِ)
لذلك كان لزاماً على من قام بمعصية أو قصَّر في عبادة من العبادات أن يُبادر إلى التوبة قبل الموت ، فلا يُمكن للإنسان أن يعلم الوقت الذي يأتيه فيه الموت قال تعالى: (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّـهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُولَـٰئِكَ يَتُوبُ اللَّـهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّـهُ عَلِيمًا حَكِيمًا وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّىٰ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَـٰئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) والسبب وراء عدم قبول التوبة عند الغرغرة؛ هو أنَّها اللحظة التي ينتقل بها الإنسان من عالم الشهادة إلى عالم الغيب ، ويرى عندها ما لا يراه الناس.
طلوع الشمس من مغربها
الحالة الثانية التي لا تُقبل بعدها التوبة طلوع الشمس من مغربها، في هذه الحالة لا ينفع العبد فعل الطاعات أو العودة عن الذنوب والمحرّمات، ولا ينجو إلا من سبق له في الإسلام الخير والإحسان فبمجرد طلوع الشمس من مغربها لا يبقى للمؤمن إلا إيمانه، ولا يبقى للكافر والمُسيء إلا كفره، أمَّا من تاب قبل ذلك فإنَّ الله -تعالى- يغفر له ويقبله سواءًا أكان ذنبه من الصغائر أو من الكبائر ، إذا صدق في توبته وندم على ذنبه، وعزم على عدم العودة إليه.
التوبة
تُعرَّف التوبة في اللغة العربية بأنَّها عقدُ النية على عدم العودة إلى الذنب، وتأتي بمعنى عدم الرجوع، وكلمة التوبة مفرد لكلمة التوب، والتوبة النصوح هي انتفاء المعصية بانتفاء أثرها بالخفاء والعلن، أمَّا التوبة في الاصطلاح الشرعي فتأتي بمعنى الابتعاد عن كل ما يُذَم من الأفعال والأقوال؛ والدافع وراء هذا الابتعاد والترك الخوف من الله تعالى والشعور بشؤم الذنب وسوئه، وكره المعصية، وإذا كانت المعصية في ترك المأمورات يحرص على استدراك ما فاته بقضائه ما أمكنه ذلك.
والتوبة في أصلها شعورٌ ينبُع من داخل الإنسان ويكونُ في جُلِّه ندمٌ على الذنب، وحرصٌ على التقرب من الله -تعالى- ويُترجم هذا الشعور بفعل صالح يُستدل به على التوبة أو ترك الذنوب والآثام، فلا يتحقَّق مفهوم التوبة إلا بالعزم الأكيد المُنعقد بالقلب، الذي يُتبَع بالقول المُتمثِّل بالاستغفار ، وترك المُنكرات والاقتراب من كل ما يُحبُّه الله -تعالى- ويرضاه، مع الاستمرار بالتوّجه إلى الله بالدعاء أن يحفظه من الذنوب وعظيم ضررها، وأن يُعينه على تزكية فؤاده وتنقيته، وجاءت التوبة في القرآن الكريم تحمل مجموعة من المعاني، فالتوبة ندم على الذّنب، ورجوعٌ عنه.
شروط التوبة
للتوبة شروط عدة، أول هذه الشروط، التوقُّف عن ارتكاب الذَّنب، فمن أسرف على نفسه بعقوق الوالدين وأراد التوبة، فعليه التوقُّف عن العقوق أولاً، أمًّا عن الشَّرط الثاني فيتمثَّل بالنّدم الشديد على ما مضى من الذُّنوب، وعدم ذكر الذُنوب وما يتعلّق بها بالمَدح، وإنَّما يلزم منه أن يشعر بالنّدم وأن يذكر فضل الله -تعالى- عليه أن هداه إلى استشعار أهمية التوبة والرُّجوع عن الذنوب، وثالث هذه الشروط هو الإصرار على الاجتهاد في عدم العودة للذَّنب الذي أراد التوبة منه والإقلاع عن فعله في المُستقبل مهما كان الداعي لذلك، وهذه الشروط إذا تعلَّقت الذُّنوب بحقٍ من حقوق الله -تعالى- أمَّا الشرط الرابع فيُضاف إلى ما كان متعلقاً بحقوق العباد، ففي هذه الحالة وجب على التائب أن يقوم بإعادة هذه الحُقوق إلى أصحابها مع الوقوف عن الذَّنب والندم والإصرار على عدم العودة إليه.
ويجدُر بالتائب أن يلتفت إلى نيَّته بأن تكون توبته خالصة لله تعالى، فالله -تعالى- لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصاً له وصواباً أي موافقاً للشريعة الإسلامية بكل تفاصيله، وقد كان من دعاء عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه : "اللهم اجعل عملي كله صالحًا، واجعله لوجهك خالصًا، ولا تجعل لأحد فيه شيئًا"، وكذلك ألا تكون التوبة مُقتصرة على القلب وإنَّما تكون كذلك باللسان والجوارح، وأن تكون في الزَّمن الذي تصح فيه، أي قبل الغرغرة، وقبل طلوع الشّمس من مغربها.