فوائد سورة الواقعة
التعليم بنبأ الدنيا و الأخرة
في نهاية الآيات في سورة الواقعة تم ذكر لحظة الموت التي يخاف منها الإنسان والتي تنهي كل جدال فيها، وهي اللحظة التي يقف الإنسان فيها على نهاية طريق الدنيا وبداية طريق الآخرة، حيث لا رجعة ولا هرب، يقول الله -تعالى-: (فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ).
في هذه اللحظة تأتي ساعة الانتهاء من الدنيا تاركين ما فيها وراءنا، ويتخلص الإنسان من كل ما يملك إلا من عمله وما بدر عنه في حياته، ويكون في المحصلة ضمن الصنوف التي ذكرت في السورة الكريمة؛ إما مع أصحاب اليمين، أو مع أصحاب الشمال، وذلك يتحدد بحسب عمله.
تذكر سورة الواقعة نبأ الدنيا وحالها، ولحظة النهاية فيها، ولحظة البدء بالحياة الآخرة.
التذكير باليوم الآخر
جاءت سورة الواقعة تذكر بيوم القيامة وأن وقوعه حق، ووصفت ما يعرض من أهوال في العالم الأرضي عند وقوعه، وبينت أحوال الناس من أهل الجنة ونعيمهم، وأهل النار وعذابهم بسبب تكذيبهم بهذا اليوم، ثم أكدت لنا حقيقة الحشر والجزاء، مقدمة لنا أدلة على ذلك بقدرة الله على إعادة الخلق والإبداع لما كان بعد زواله.
ولشدة ما جاء في هذه السورة الكريمة روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (شَيَّبَتْنِي (هودُ) وأخواتُها، (الواقعةُ) و(الحاقةُ) و(إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ)).
عندما يتذكر المسلم اليوم الآخر يحرص على العمل للآخرة، والاستعداد للرحيل وترك الدنيا، ويسعى لأن يكون من أهل الجنة ونعيمها.
بيان مظاهر وعظمة قدرة الخالق
بينت الآيات الكريمة بعض مظاهر قدرة الله في الكون والخلق، فذكرت ما يأتي:
- النشأة الأولى وكيف أن أصل الإنسان من قطرة مني، وكيف أن الله يصوره ويكونه في رحم أمه، ثم يخلقه مولوداً.
- قدرة الله على إعادة الخلق والإتيان بخلق غيره.
- الحب النابت في الأرض، وكيف يصير شجراً للأكل، والقدرة على جعله حطاماً يابساً.
- الماء عنصر الحياة، وقدرته سبحانه على تحويله ماءً مالحاً لا يصلح للشرب.
- النار التي يشعلها الإنسان ويستفيد منها، والتي تذكره أيضاً بالآخرة.
ذكر الله تعالى بعضاً من مظاهر قدرته في سورة الواقعة، والتي اختتمت بقوله سبحانه: (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ)، أي؛ سبح وتفكر أيها الإنسان في خلق الله، وإبداعه، وعظمته.
بث الرضا والقناعة في النفس البشرية
عندما تتأكد معاني الإيمان بالآخرة، ويتحقق اليقين منها فإن ذلك يبعث في النفس الرضا والقناعة بضرورة وجود الحساب والجزاء، وضرورة العمل استعداداً ليوم الحساب، فالذي ينازعه الشك يعمل مرة ويترك العمل مرة، وأما المسلم فكل ما ورد في سورة الواقعة يدعوه للتمسك بعباداته والقيام بها على أكمل وجه، مما يجعلة راضيا مطمئناً، مستعداً ليوم الحساب.
الدنيا فانية وكل ما فيها زائل، وتذكر المسلم لهذه الحقيقة يبث فيه الرضا والقناعة، ويجعله متعلق بالحياة الآخرة لا بالحياة الزائلة.
اتباع سنة النبي في حرصه على قراءتها
كانت عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- توصي النساء بضرورة قراءة سورة الواقعة كل ليلة، وقال مسروق بن الأجدع: "من أراد أن يعرف نبأ الأولين والآخرين، ومصير أهل الجنة وأهل النار فليقرأ سورة الواقعة".
وروي عن ابن مسعود أنه لما بلغته سكرات الوت جاءه عثمان بن عفان -رضي الله عنه- فسأله إن كان له وصية، فقال له : "لا"، ثم سأله إن كان يريد أن يوصي بناته بشيء، فقال: "إن بناتي علمتهن سورة الواقعة"، كما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (علموا نساءَكم سورةَ الوَاقِعَةِ؛ فإنَّها سورةُ الغنى)، ومع أن هذا الحديث ضعيف إلا أنه يؤخذ به في فضائل الأعمال.
يجدر بالمسلم الحرص على قراءة سورة الواقعة اتباعاً لسنة النبي صلى لله عليه وسلم في ذلك.
تُبعد الفقر
قال بعض العلماء: "العجب لمن يقرأ الواقعة ويكون فقيراً! ففيها زيادة بركة وتوفيق"، وروى ابن مسعود عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَن قرَأَ سُورةَ الواقعةِ في لَيلةٍ لم تُصِبْه فاقةٌ)، ولعل الأحاديث الواردة في هذا لا ترقى لدرجة الصحة، ولكن يؤخذ بها في فضائل الأعمال.
موضوعات سورة الواقعة
تحدّثت سورة الواقعة عن موضوعات كثيرةٍ، نذكرمنها ما يأتي:
- ذكرت سورة الواقعة في مقدّمتها يوم القيامة، وما يحدث في هذا اليوم من أحداثٍ عظيمةٍ وأمورٍ ثقيلةٍ تبعث في النفس الرهبة والخوف، حيث ترجّ وتتزلزل الأرض، وتتفتّت الجبال، وأخبرتنا عن ذلك من الآية الأولى حيث قال الله -تعالى-: (إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ) إلى الآية السادسة من قول الله -تعالى-: (فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا).
- ذكرت سورة الواقعة أحوال الناس يوم القيامة، حيث يكونون على ثلاثة أقسامٍ؛ أصحاب اليمين، وأصحاب الشِّمال، والسابقون، وتُبيّن النّعيم الدائم لأصحاب اليمين، والعذاب الأليم لأصحاب الشِّمال، وخاطب الله -تعالى- عباده بأسلوب الترغيب والترهيب رحمةً ورأفةً بهم.
- ذكرت سورة الواقعة بعد ذلك آلاء الله -تعالى- ونِعَمه، ومظاهر قدرته في خلق الماء والزرع والنار، ووجوب شكر الله -تعالى- على نعمه العظيمة وتسبيحه وتمجيده وحده، وتُبيّن للناس أنَّ مَنْ أوجد وخلق كلّ هذا قادرٌ على البعث والإحياء مرةً أخرى للحساب يوم القيامة، والله -سبحانه وتعالى- وحده القادر على البعث؛ لأنّ الإعادة والبعث أسهل من بداية الخلق عادةً، وهذا للتقريب فالله -سبحانه- لا يُعجزه شيء، ومن أدلّة البعث التي ذكرتها الآيات:
- الجَنين، وأنَّ الله -تعالى- قادر على خلقه بإبداعٍ، قال الله -تعالى-: (نحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ* أَفَرَأَيْتُم مَّا تُمْنُونَ* أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ).
- وإنبات الزرع، قال الله -تعالى-: (أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ* أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ).
- إنزال الماء على الأرض الميتة فتَحيى بإذن الله، قال الله -تعالى-: (أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاء الَّذِي تَشْرَبُونَ* أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ).
- خلق النار ومظاهر قدرته فيها، قال الله -تعالى-: (أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ* أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِؤُونَ).
- ذكرت سورة الواقعة أنَّ جميع الناس سيموتون، ولكلّ واحدٍ منهم أجلٌ معيّنٌ لا يمكن تبديله أو تأخيره، وأنّه -سبحانه وتعالى- لا يُعجزه شيءٌ.
- ذكرت سورة الواقعة مكانة وعَظمة القرآن الكريم وعلوِّ منزلته، وقد أقسم الله -تعالى- بمواقع النجوم، وتقبيح ما يفعله الكافرون من تكذيب وجحود للنعم التي أنعم الله -تعالى- بها عليهم فقابلوها بالكفر والنكران.
- ذكرت سورة الواقعة في نهايتها أنّ كلّ ما جاء فيها هو حقٌّ ويقين، لذا يجب على المسلم أن يؤمن به ويسبّح باسم الله العظيم، فالقرآن وحدةٌ كاملةٌ متكاملةٌ، فهو حقُّ اليقين.
سورة الواقعة سورة مكية، تحدثت عن عدة موضوعات كاليوم الآخر، والجزاء، والحساب فيه، وذكّرت الإنسان بنعم الله عليه وبينت قدرته في هذا الكون، وأكدت على أن القرآن وما جاء فيه حق لا تشكيك فيه، وسورة الواقعة هي جزء من هذا القرآن العظيم الذي بتلاوته تنال الأجور والبركات.