فوائد حفظ اللسان
فوائد حفظ اللسان
أهمية حفظ اللسان في الإسلام تظهر في أنّ الله -تعالى- قد عظّم أمر الكلام، وجعل له ملائكة تكتب ما يُقال، فقد قال الله -تعالى-: (إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)، فاللسان هذا المضغة الضئيلة؛ إمّا أن يرفع صاحبه عالي الدرجات، أو يكبّه في قعر جهنم، فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ).
ولجني الفوائد من حفظ اللسان لابدّ لنا من أن نتعلم طرق حفظ اللسان أولاً، وهي كثيرة؛ فقد ذُكرت طرق حفظ اللسان في القرآن والسنة، ومن فوائد حفظ اللسان، ما نبيّنه فيما يأتي:
السعادة في الدنيا
إذا لزم الإنسان الصمت عن المحرمات، وصان لسانه عن المعصية، يزرع الله -تعالى- في قلبه الطمأنينة والرضا، ويبدله به نوراً وعرفاناً، وإنّ حُسن الكلام من علامات الإيمان، فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر؛ فليقُلْ خيرًا، أو ليصمُتْ).
وإنّ من يحفظ لسانه عن الوقوع في أعراض الناس وسبهم وشتمهم؛ لم يسبّوه ولم يشتموه، ويكون بذلك قد حمى نفسه من عداوتهم، وكما قيل في المثل الشهير: "لسانك حصانك، إن صنته صانك وإن خنته خانك"، فكم من رقبة قُطعت بجرأة لسان، وسبْق قول، ورحم الله -تعالى- صاحب المثل القائل: "رُبّ كلمة قالت لصاحبها دعني".
النجاة في الآخرة
اللّسان إمّا أن يكون طريقاً إلى الجنة، أو يكون طريقاً إلى النار، فلتنظر أي الطريقين أنت سالك، وراقب الله -تعالى- في كل أحوالك، فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِن رِضْوانِ اللَّهِ، لا يُلْقِي لها بالًا، يَرْفَعُهُ اللَّهُ بها دَرَجاتٍ، وإنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِن سَخَطِ اللَّهِ، لا يُلْقِي لها بالًا، يَهْوِي بها في جَهَنَّمَ).
وإنّ كلمة التوحيد التي هي مفتاح الجنة ما هي إلا كلمة وحسب، أوليس القرآن الكريم -بكل ما فيه من الخير- كلاماً، أوليس الذكر كلاماً، ولأجل ذلك كان اللّسان هو قائد الأعضاء ومُسيّرها، فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (إذا أصبَحَ ابنُ آدَمَ، فإنَّ أعْضاءَه تُكفِّرُ لِلِّسانِ؛ تقول: اتَّقِ اللهَ فينا؛ فإنَّك إنِ استَقَمتَ استَقَمْنا، وإنِ اعوَجَجْتَ اعوَجَجْنا).
حفظ الأوقات فيما يجلب الخير للناس
يهدر كثير من الناس أوقاتهم في المشاجرات والخلافات، ويهتمّون بمراقبة الناس، وتتبّع أقوالهم، ويشغلون يومهم ووقتهم ب قيل وقال، وقد حذّر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من هذا السلوك، فقال: (إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ علَيْكُم عُقُوقَ الأُمَّهاتِ، ومَنْعًا وهاتِ، ووَأْدَ البَناتِ، وكَرِهَ لَكُمْ: قيلَ وقالَ، وكَثْرَةَ السُّؤالِ، وإضاعَةَ المالِ).
وإنّ فحش الكلام قد لا يؤثر على صاحبه فحسب، بل إنّه يسوق النزاع والخلاف، فيشغل الناس ببعضهم البعض، وكم من أوقات تهدر في الخصومات، ومن قبل الساعين في الصلح، وكان أجدر بهؤلاء أن يوفّروا طاقاتهم لمنفعة الدّين والدّنيا، وجدير بالذكر أن اللسان تبع للقلب، وما في القلب يفيض على اللسان، لذا وجب على المسلم إصلاح قلبه لكي ينصلح لسانه.
أمور ينبغي حفظ اللسان عنها
هناك آفات كثيرة ينطق اللّسان بها، ومن هذه الأمور:
- الشرك بالله -تعالى-: ينطق كثير من الناس بألفاظ الشرك ولا يبالون، وكأنهم ما فعلوا شيئا، قال الله -تعالى-: (وَلَئِن سَأَلتَهُم لَيَقولُنَّ إِنَّما كُنّا نَخوضُ وَنَلعَبُ قُل أَبِاللَّـهِ وَآياتِهِ وَرَسولِهِ كُنتُم تَستَهزِئونَ* لا تَعتَذِروا قَد كَفَرتُم بَعدَ إيمانِكُم).
- الغيبة: لا يبالي كثير من الناس باغتياب إخوانهم، ويحسبونه أمراً هيناً، وهو عند الله عظيم، قال الله -تعالى-: (وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ).
- الكذب: وهو من أكثر الأمور سوءًا، وأكثرها بعداً عن الله -تعالى-، والكذب طريق مشرع إلى النار، فقد قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (وَإِنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الفُجُورِ، وَإِنَّ الفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا).
- شهادة الزور: عظّم الله -تعالى- ورسوله -صلى الله عليه وسلم- أمر قول الزور لما فيه من الإثم؛ ولأنّه يجعل الحق باطلاً، والباطل حقاً، قال الله -تعالى-: (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ)، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الكَبَائِرِ؟ قَالَ: قَوْلُ الزُّورِ).
- القذف: هو أن يطلق بعض الناس ألسنتهم في أعراض الناس دون محاسبة ولا تقوى، فيقذفون العفيفات الغافلات، وقد جعل الله -تعالى- عقوبة ذلك عظيمة، قال الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ).
إن من فوائد حفظ اللّسان أنّه يورث صاحبه حلاوة في الدنيا، وينجّيه في الآخرة من العذاب، ويحفظ وقته ووقت من حوله من الضياع في المشاحنات والخصومات والقيل والقال، ذا ينبغي على المرء المسلم حفظ لسانه مما يدنيه من النار، ويبعده عن الجنة؛ كالتلفظ بالشرك وقول الزور والغيبة والنميمة والقذف، وهذه الأخلاق المذمومة بمجموعها ما هي إلا مضيعة للوقت، ومدعاة للشقاق والنزاع بين الناس.