أشعار رثاء
قصيدة إلى الله أشكو فقد لبنى كما شكا
يقول قيس بن ذريح :
إِلى اللَهِ أَشكو فَقدَ لُبنى كَما شَكا
- إِلى اللَهِ فَقدَ الوالِدَينِ يَتيمُ
يَتيمٌ جَفاهُ الأَقرَبونَ فَجِسمُهُ
- نَحيلٌ وَعَهدُ الوالِدَينِ قَديمُ
بَكَت دارُهُم مِن نَأيِهِم فَتَهَلَّلَت
- دُموعِ فَأَيُّ الجازِعينَ أَلومُ
أَمُستَعبِراً يَبكي مِنَ الشَوقِ وَالهَوى
- أَما خَرَ يَبكي شَجوَهُ وَيَهيمُ
تَهَيَّضَني مِن حُبِّ لُبنى عَلائِقٌ
- وَأَصنافُ حُبٍّ هَولُهُنَّ عَظيمُ
وَمَن يَتَعَلَّق حُبَّ لُبنى فُؤادُهُ
- يَمُت أَو يَعِش ما عاشَ وَهوَ كَليمُ
فَإِنّي وَإِن أَجمَعتُ عَنكِ تَجَلُّداً
- عَلى العَهدِ فيما بَينَنا لَمُقيمُ
وَإِنَّ زَمانا شَتَّتَ الشَملَ بَينَنا
- وَبَينَكُمُ فيهِ العِدى لَمَشومُ
أَفي الحَقِّ هَذا أَنَّ قَلبَكِ فارِغٌ
- صَحيحٌ وَقَلبي في هَواكِ سَقيمُ
قصيدة أبي
يقول نزار قباني :
- أماتَ أَبوك
- ضَلالٌ! أنا لا يموتُ أبي
- ففي البيت منه
- روائحُ ربٍّ.. وذكرى نَبي
- هُنَا رُكْنُهُ.. تلكَ أشياؤهُ
- تَفَتَّقُ عن ألف غُصْنٍ صبي
- جريدتُه تَبْغُهُ مُتَّكَاهُ
- كأنَّ أبي -بَعْدُ- لم يّذْهَبِ
- وصحنُ الرمادِ.. وفنجانُهُ
- على حالهِ.. بعدُ لم يُشْرَبِ
- ونَظَّارتاهُ.. أيسلو الزُجاجُ
- عُيُوناً أشفَّ من المغرب
- بقاياهُ، في الحُجُرات الفِساحِ
- بقايا النُسُور على الملعبِ
- أجولُ الزوايا عليه فحيثُ
- أمرُّ أمرُّ على مُعْشِبِ
- أشُدُّ يديه أميلُ عليهِ
- أُصلِّي على صدرهِ المُتْعَبِ
- أبي لم يَزلْ بيننا والحديثُ
- حديثُ الكؤوسِ على المَشرَبِ
- يسامرنا فالدوالي الحُبالى
- تَوَالَدُ من ثغرهِ الطَيِّبِ
- أبي خَبَراً كانَ من جَنَّةٍ
- ومعنى من الأرْحَبِ الأرْحَبِ
- وعَيْنَا أبي ملجأٌ للنجومِ
- فهل يذكرُ الشَرْقُ عَيْنَيْ أبي
- بذاكرة الصيف من والدي
- كرومٌ وذاكرةِ الكوكبِ
- أبي يا أبي إنَّ تاريخَ طيبٍ
- وراءكَ يمشي فلا تَعْتَبِ
- على اسْمِكَ نمضي فمن طّيِّبٍ
- شهيِّ المجاني إلى أطيبِ
- حَمَلْتُكَ في صَحْو عَيْنَيَّ حتى
- تَهيَّأ للناس أنِّي أبي
- أشيلُكَ حتى بنَبْرة صوتي
- فكيف ذَهَبْتَ ولا زلتَ بي
- إذا فُلَّةُ الدار أعطَتْ لدينا
- ففي البيت ألفُ فمٍ مُذْهَبِ
- فَتَحْنَا لتمُّوزَ أبوابَنا
- ففي الصيف لا بُدَّ يأتي أبي
قصيدة المجد حلته
تقول الخنساء :
يا عَينِ ما لَكِ لا تَبكينَ تَسكابا
- إِذ رابَ دَهرٌ وَكانَ الدَهرُ رَيّابا
فَاِبكي أَخاكِ لِأَيتامٍ وَأَرمَلَةٍ
- وَاِبكي أَخاكِ إِذا جاوَرتِ أَجنابا
وَاِبكي أَخاكِ لِخَيلٍ كَالقَطا عُصَباً
- فَقَدنَ لَمّا ثَوى سَيباً وَأَنهابا
يَعدو بِهِ سابِحٌ نَهدٌ مَراكِلُهُ
- مُجَلبَبٌ بِسَوادِ اللَيلِ جِلبابا
حَتّى يُصَبِّحَ أَقواماً يُحارِبُهُم
- أَو يُسلَبوا دونَ صَفِّ القَومِ أَسلابا
هُوَ الفَتى الكامِلُ الحامي حَقيقَتَهُ
- مَأوى الضَريكِ إِذا ما جاءَ مُنتابا
يَهدي الرَعيلَ إِذا ضاقَ السَبيلُ بِهِم
- نَهدَ التَليلِ لِصَعبِ الأَمرِ رَكّابا
المَجدُ حُلَّتُهُ وَالجودُ عِلَّتُهُ
- وَالصِدقُ حَوزَتُهُ إِن قِرنُهُ هابا
خَطّابُ مَحفِلَةٍ فَرّاجُ مَظلَمَةٍ
- إِن هابَ مُعضِلَةً سَنّى لَها بابا
حَمّالُ أَلوِيَةٍ قَطّاعُ أَودِيَةٍ
- شَهّادُ أَنجِيَةٍ لِلوِترِ طَلّابا
سُمُّ العُداةِ وَفَكّاكُ العُناةِ إِذا
- لاقى الوَغى لَم يَكُن لِلمَوتِ هَيّابا
قصيدة لعمري لقد أشجى تميماً وهدها
يقول جرير :
لَعَمْرِي لَقَدْ أشجَى تَميماً وَهَدّها
- على نَكَباتِ الدّهرِ مَوْتُ الفَرَزْدَقِ
عَشِيّةَ رَاحُوا للفِرَاقِ بِنَعْشِهِ
- إلى جَدَثٍ في هُوّةِ الأرْضِ مُعمَقِ
لَقد غادَرُوا في اللَّحْدِ مِنَ كان ينتمي
- إلى كُلّ نَجْمٍ في السّماء مُحَلِّقِ
ثَوَى حامِلُ الأثقالِ عن كلّ مُغرَمٍ
- ودامغُ شيطانِ الغشومِ السملقَّ
عمادُ تميمٍ كلها ولسانها
- وناطقها البذاخُ في كلَّ منطقِ
فمَنْ لذَوِي الأرْحامِ بَعدَ ابن غالبٍ
- لجارٍ وعانٍ في السلاسلِ موثقَ
وَمَنْ ليَتيمٍ بَعدَ مَوْتِ ابنَ غالَبٍ
- وأمَّ عيالٍ ساغبينَ ودردقِ
وَمَنَ يُطلقُ الأسرَى وَمن يَحقنُ الدما
- يداهُ ويشفي صدرَ حرانَ محنقِ
وكمْ منْ دمٍ غالٍ تحملَ ثقلهُ
- وكانَ حمولًا في وفاءٍ ومصدقِ
وَكَمْ حِصْنِ جَبّارٍ هُمامٍ وَسُوقَة ٍ
- إذا ما أتَى أبْوَابَهُ لَمْ تُغلَّقِ
تَفَتَّحُ أبْوَابُ المُلُوكِ لِوجْهِهِ
- بغيرْ حجابٍ دونهُ أو تملقُّ
لتبكِ عليهِ الإنسُ والجنُّ إذ ثوى
- فتى مضرٍ في كلَّ غربِ ومشرقِ
فتىً عاشُ يبني المجدَ تسعينَ حجةً
- وكانَ إلى الخيراتِ والمجدِ يرتقي
فما ماتَ حتى لمْ يخلفْ وراءهُ
- بِحَيّةِ وَادٍ صَوْلَةً غَيرَ مُصْعَقِ
قصيدة يا أبا فيصل
يقول غازي القصبي:
لَمْ نَجدهُ وقيل هذا الفِراقُ
- فاستجارت بدمعِها الأحداقُ
كانَ ملءَ العيون فهدٌ فما
- حِجّةُ عينٍ دُموعها لا تُراقُ
عَجبَ النعشُ من سكون المُسجَّى
- وهوَ من عاش لم ينلهُ وِثاقُ
عَجبَ القبرُ حين ضمّ الذي
- ضاقت بما في إهابه الآفاقُ
عجبَ الشوطُ والجياد قليلٌ
- كيف يهوي جَواده السبّاقُ
هدرت حولك الجموعُ وماجتْ
- مثل بحرٍ والتفّتِ الأعناقُ
هو يومُ الوفاءِ حبّ بحزنٍ
- نتساقاهُ والكؤوسُ دهاقُ
وقفَ الموتُ في الطريق ولكنْ
- زحفتْ لا تخافُهُ الأشواقُ
يا أبا فيصلٍ عليك سلامُ الله
- ما خالجَ القلوبَ اشتياقُ
قصيدة أجدك ما لعينك لا تنام
يقول أبو بكر الصديق :
أَجِدَّكَ ما لِعَينِكَ لا تَنامُ
- كَأَنَّ جُفونَها فيها كِلامُ
لأمرِ مُصيبَةٍ عَظُمَت وَجَلَّت
- وَدَمعُ العَينِ أَهوَنُهُ اِنسِجامُ
فُجِعنا بِالنَبِيِّ وَكانَ فينا
- إِمامَ كَرامَةٍ نِعمَ الإِمامُ
وَكانَ قِوامَنا وَالرَأسَ فينا
- فَنَحنُ اليَومَ لَيسَ لَنا قِوامُ
نَموجُ وَنَشتَكي ما قَد لَقينا
- وَيَشكو فَقدَهُ البَلَدُ الحَرامُ
كَأَنَّ أُنوفَنا لاقَينَ جَدعاً
- لِفَقدِ مُحَمَّدٍ فيهِ اِصطِلامُ
لِفَقدِ أَغَرَّ أَبيَضَ هاشِمِيٍّ
- تَمامِ نُبُوَّةٍ وَبِهِ الخِتامُ
أَمينٍ مُصطَفىً لِلخَيرِ يَدعو
- كَضَوءِ البَدرِ زايَلَهُ الظَلامُ
سَأَتبَعُ هَديَهُ ما دُمتُ حَيّاً
- طَوالَ الدَهرِ ما سَجَعَ الحَمامُ
أَدينُ بِدينِهِ وَلِكُلِّ قَومٍ
- تَراهُم مِن ذُؤابَتِهِ نِظامُ
فَقَدنا الوَحيَ مُذ وَلَّيتَ عَنّا
- وَوَدَّعَنا مِنَ اللَهِ الكَلامُ
سِوى ما قَد تَرَكتَ لَنا رَهيناً
- تَوارَثُهُ القَراطيسُ الكِرامُ
فَقَد أَورَثتَنا ميراثَ صِدقٍ
- عَلَيكَ بِهِ التَحِيَّةُ وَالسَلامُ
مِنَ الرَحمنِ في أَعلى جِنانٍ
- مِنَ الفِردَوسِ طابَ بِها المُقامُ
رَفيقَ أَبيكَ إِبراهيمَ فيها
- فَهَل في مِثلِ صُحبَتِهِ نَدامُ
وَإِسحاقٌ وَإِسماعيلُ فيها
- بِما صَلّوا لِرَبِّهِمُ وَصاموا
فَلا تَبعَد فَكُلُّ كَريمِ قَومٍ
- سَيُدرِكُهُ وَلَو كَرِهَ الحِمامُ
كَأَنَّ الأَرضَ بَعدَكَ طارَ فيها
- فَأَشعَلَها بِساكِنِها ضِرامُ
قصيدة يا عَينِ جودي
تقول الخنساء:
يا عَينِ جودي بِالدُموعِ الغِزار
- وَاِبكي عَلى أَروَعَ حامي الذِمار
فَرعٍ مِنَ القَومِ كَريمِ الجَدا
- أَنماهُ مِنهُم كُلُّ مَحضِ النِجار
أَقولُ لَمّا جاءَني هُلكُهُ
- وَصَرَّحَ الناسُ بِنَجوى السِرار
أُخَيَّ إِمّا تَكُ وَدَّعتَنا
- وَحالَ مِن دونِكَ بُعدُ المَزار
فَرُبَّ عُرفٍ كُنتَ أَسدَيتَهُ
- إِلى عِيالٍ وَيَتامى صِغار
وَرُبَّ نُعمى مِنكَ أَنعَمتَها
- عَلى عُناةٍ غُلَّقٍ في الإِسار
أَهلي فِداءٌ لِلَّذي غودِرَت
- أَعظُمُهُ تَلمَعُ بَينَ الخَبار
صَريعِ أَرماحٍ وَمَشحوذَةٍ
- كَالبَرقِ يَلمَعنَ خِلالَ الدِيار
مَن كانَ يَوماً باكِياً سَيِّداً
- فَليَبكِهِ بِالعَبَراتِ الحِرار
وَلتَبكِهِ الخَيلُ إِذا غودِرَت
- بِساحَةِ المَوتِ غَداةَ العِثار
وَليَبكِهِ كُلُّ أَخي كُربَةٍ
- ضاقَت عَلَيهِ ساحَةُ المُستَجار
رَبيعُ هُلّاكٍ وَمَأوى نَدىً
- حينَ يَخافُ الناسُ قَحطَ القِطار
أَسقى بِلاداً ضُمِّنَت قَبرَهُ
- صَوبُ مَرابيعِ الغُيوثِ السَوار
وَما سُؤالي ذاكَ إِلّا لِكَي
- يُسقاهُ هامٍ بِالرَوي في القِفار
قُل لِلَّذي أَضحى بِهِ شامِتاً
- إِنَّكَ وَالمَوتَ مَعاً في شِعار
هَوَّنَ وَجدي أَنَّ مَن سَرَّهُ
- مَصرَعَهُ لاحِقُهُ لا تُمار
وَإِنَّما بَينَهُما رَوحَةٌ
- في إِثرِ غادٍ سارَ حَدَّ النَهار
يا ضارِبَ الفارِسِ يَومَ الوَغى
- بِالسَيفِ في الحَومَةِ ذاتِ الأُوار
يَردي بِهِ في نَقعِها سابِحٌ
- أَجرَدُ كَالسِرحانِ ثَبتُ الحِضار
نازَلتَ أَبطالاً لَها ذادَةً
- حَتّى ثَنَوا عَن حُرُماتِ الذِمار
حَلَفتُ بِالبَيتِ وَزُوّارِهِ
- إِذ يُعمِلونَ العيسَ نَحوَ الجِمار
لا أَجزَعُ الدَهرَ عَلى هالِكٍ
- بَعدَكَ ما حَنَّت هَوادي العِشار
يا لَوعَةً بانَت تَباريحُها
- تَقدَحُ في قَلبي شَجاً كَالشَرار
أَبدى لِيَ الجَفوَةَ مِن بَعدِهِ
- مَن كانَ مِن ذي رَحِمٍ أَو جِوار
إِن يَكُ هَذا الدَهرُ أَودى بِهِ
- وَصارَ مَسحاً لِمَجاري القِطار
فَكُلُّ حَيٍّ صائِرٌ لِلبَلى
- وَكُلُّ حَبلٍ مَرَّةً لِاِندِثار
قصيدة قليلٌ في معاليك الرثاءُ
يقول حفني ناصف:
قليلٌ في معاليك الرثاءُ
- ونزْرٌ في ثنائيك البكاءُ
وإهراقُ المدامع غير واف
- بحقّ الحزن فيك ولا كفاءُ
وتشقيق الجيوب عليك أمرٌ
- يسيرٌ لا يقومُ به العزاءُ
قضيت دجىً تودعك المعالي
- وتنعاك المروءة والوفاءُ
ويبكيكَ التدبُّر والتروّي
- وترثيك الشهامة والإباءُ
وتندبك المعارفُ عارفاتٍ
- بأنك عند حاجتها الرجاءُ
أليس أبوك بانيها قديماً
- وأنت وليهُّا فعَلا البناء
أفاض بأرض مصرَ بحارَ علم
- وآدابٍ وأهلوها ظِماءُ
وقمت بحقها دهراً طويلاً
- فنالكما من الله الجزاءُ
فمَن للشعر بعدكَ والقوافي
- وللإنشاء يُملي ما يشاءُ
ومن لوقائع التاريخ يجلو
- غياهبها إذا اشتبك المراء
ومن للسنّة الغراء يبدي
- معالمها إذا اشتدّ الخفاءُ
ومن يقضي حوائج أهل طهطا
- من البؤساء إن عزّ القضاءُ
أفضتَ الجودَ بينهمُ سواء
- فما فضَل البعيدَ الأقرباءُ
وأنشأت المدارس في رباها
- فعمّ جنوبَ مصر الاقتداءُ
وقد سبق الصعيدُ شمال مصر
- ووجها مصر لولاكم سواء
فداؤك يا عليّ من المنايا
- دم المهجات لو ساغ الفداءُ
قضيتم وأسمكم لا زال حيًّا
- يردّده مع الصبح المساءُ
سقى الرحمن قبرك غيث رحم
- وجاد أديم مثواكَ الحياءُ
وحسب ابن النبيّ مقام صدقٍ
- ونعمي ما لمبدئها انتهاءُ
قصيدة اجعَل رِثاءَكَ لِلرِجالِ جَزاءَ
يقول أحمد شوقي :
اِجعَل رِثاءَكَ لِلرِجالِ جَزاءَ
- وَاِبعَثهُ لِلوَطَنِ الحَزينِ عَزاءَ
إِنَّ الدِيارَ تُريقُ ماءَ شُؤونِها
- كَالأُمَّهاتِ وَتَندُبُ الأَبناءَ
ثُكلُ الرِجالِ مِنَ البَنينِ وَإِنَّما
- ثُكلُ المَمالِكِ فَقدُها العُلَماءَ
يَجزَعنَ لِلعَلَمِ الكَبيرِ إِذا هَوى
- جَزَعَ الكَتائِبِ قَد فَقَدنَ لِواءَ
عَلَمُ الشَريعَةِ أَدرَكَتهُ شَريعَةٌ
- لِلمَوتِ يَنظِمُ حُكمُها الأَحياءَ
عانى قَضاءَ الأَرضِ عِلمَ مُحَصِّلٍ
- وَاَليَومَ عالَجَ لِلسَماءِ قَضاءَ
وَمَضى وَفيهِ مِنَ الشَبابِ بَقِيَّةٌ
- لِلنَفعِ أَرجى ما تَكونُ بَقاءَ
إِنَّ الشَبابَ يُحَبُّ جَمّاً حافِلاً
- وَتُحَبُّ أَيّامُ الشَبابِ مِلاءَ
بِالأَمسِ كانَت لِاِبنِ هَيفٍ غَضبَةٌ
- لِلحَقِّ نَذكُرُها يَداً بيضاءَ
مَشَتِ البِلادُ إِلى رِسالَةِ مِلنَرٍ
- وَتَحَفَّزَت أَرضاً لَها وَسَماءَ
فَلَمَحتُ أَعرَجَ في زَوايا الحَقِّ لَم
- أَعلَم عَلَيهِ ذِمَّةً عَرجاءَ
اِرتَدَّتِ العاهاتُ عَن أَخلاقِهِ
- لِسُمُوِّهِنَّ وَحَلَّتِ الأَعضاءَ
عَطَفَتهُ عَطفَ القَوسِ يَومَ رِمايَةٍ
- وَثَنَتهُ كَالماضي فَزادَ مَضاءَ
لَمّا رَأى التَقريرَ يَنفُثُ سُمَّهُ
- سَبَقَ الحُواةَ فَأَخرَجَ الرَقطاءَ
هَتَكَ الحِمايَةَ وَالرِجالَ وَراءَها
- يَتَلَمَّسونَ لَها السُتورَ رِياءَ
ما قَبَّحوا بِالصُبحِ مِن أَشباحِها
- راحوا إِلَيكَ فَحَسَّنوهُ مَساءَ
يا قَيِّمَ الدارِ الَّتي قَد أَخرَجَت
- لِلمُدلِجينَ مَنارَةً زَهراءَ
وَتَرى لَدَيها الوارِدينَ فَلا تَرى
- إِلّا ظِماءً يَنزِلونَ رَواءَ
وَتُجالِسُ العُلَماءَ في حُجُراتِها
- وَتُسامِرُ الحُكَماءَ وَالشُعَراءَ
تَكفيكَ شَيطانَ الفَراغِ وَتَعتَني
- بِالجاهِلينَ تَرُدُّهُم عُقَلاءَ
دارُ الذَخائِرِ كُنتَ أَكمَلَ كُتبِها
- مَجموعَةٌ وَأَتَمَّها أَجزاءَ
لَمّا خَلَت مِن كِنزِ عِلمِكَ أَصبَحَت
- مِن كُلِّ أَعلاقِ الكُنوزِ خَلاءَ
هَزَّ الشَبابُ إِلى رَثائِكَ خاطِري
- فَوَجَدتَ فِيَّ وَفي الشَبابِ وَفاءَ
عَبدَ الحَميدِ أَلا أُسِرُّكَ حادِثاً
- يَكسو عِظامَكَ في البِلى السَرّاءَ
قُم مِن صُفوفِ الحَقِّ تلقَ كَتيبَةً
- مَلمومَةً وَتَرَ الصُفوفَ سَواءَ
وَتَرَ الكِنانَةِ شيبَها وَشَبابَها
- دونَ القَضِيَةِ عُرضَةً وَفِداءَ
جَمَعَ السَلامُ الصُحفَ مِن غاراتِها
- وَتَأَلَّفَ الأَحزابَ وَالزُعَماءَ
في كُلِّ وُجدانٍ وَكُلِّ سَريرَةٍ
- خَلَفَ الوِدادُ الحِقدَ وَالبَغضاءَ
وَغَدا إِلى دينِ العَشيرَةِ يَنتَهي
- مَن خالَفَ الأَعمامَ وَالآباءَ
لا يَحجِبونَ عَلى تجَنّيهِم وَلا
- يَجِدونَ إِلّا الصَفحَ وَالإِغضاءَ
وَالأَهلُ لا أَهلاً بِحَبلِ وَلائِهِم
- حَتّى تَراهُم بَينَهُم رُحَماءُ
كَذَبَ المُريبُ يَقولُ بَعدَ غَدٍ لَنا
- خُلفٌ يُعيدُ وَيُبدِئُ الشَحناءَ
قَلبي يُحَدِّثُني وَلَيسَ بِخائِني
- إِنَّ العُقولَ سَتَقهَرُ الأَهواءَ
يا سَعدُ قَد جَرَتِ الأُمورُ لِغايَةٍ
- اللَهُ هَيَّأَها لَنا ما شاءَ
سُبحانَهُ جَمَعَ القُلوبَ مِنَ الهَوى
- شَتّى وَقَوّى حَولَهُ الضُعَفاءَ
الفُلكُ بَعدَ العُسرِ يُسِّرَ أَمرُها
- وَاِستَقبَلَت ريحَ الأُمورِ رُخاءَ
وَتَأَهَّبَت بِكَ تَستَعِدُّ لِزاخِرٍ
- تَطَأُ العَواصِفَ فيهِ وَالأَنواءَ
رَجَعَت بِراكِبِها إِلى رُبّانِها
- تُلقي الرَجاءَ عَلَيهِ وَالأَعباءَ
فَاِشدُد بِأَربابِ النُهى سُكّانَها
- وَاِجعَل مِلاكَ شِراعِها الأَكفاءَ
مَن ذا الَّذي يَختارُ أَهلَ الفَضلِ أَو
- يَزِنُ الرِجالَ إِذا اِختِيارُكَ ناءَ
أَخرِج لِأَبناءِ الحَضارَةِ مَجلِساً
- يُبقي عَلى اِسمِكَ في العُصورِ ثَناءَ