أشعار حكم
قصيدة إذا جاريت في خلق دنيئاً
يقول أبو تمام:
إذا جَارَيْتَ في خُلُقٍ دَنِيئاً
- فأنتَ ومنْ تجارِيه سواءُ
رأيتُ الحرَّ يجتنبُ المخازي
- ويَحْمِيهِ عنِ الغَدْرِ الوَفاءُ
وما مِنْ شِدَّة ٍ إلاَّ سَيأْتي
- لَها مِنْ بعدِ شِدَّتها رَخاءُ
لقد جَرَّبْتُ هذا الدَّهْرَ حتَّى
- أفَادَتْني التَّجَارِبُ والعَناءُ
إذا ما رأسُ أهلِ البيتِ ولى
- بَدا لهمُ مِنَ الناسِ الجَفاءُ
يَعِيش المَرْءُ ما استحيَى بِخَيرٍ
- ويبقى العودُ ما بقيَ اللحاءُ
فلا واللهِ ما في العيشِ خيرٌ
- ولا الدُّنيا إذا ذَهبَ الحَياءُ
إذا لم تخشَ عاقبة َ الليالي
- ولمْ تستَحْي فافعَلْ ما تَشاءُ
لئيمُ الفعلِ من قومٍ كرامٍ
- لهُ مِنْ بينهمْ أبداً عُوَاءُ.
شعر فلسفة الحياة
يقول إيليا أبو ماضي:
أيّهذا الشّاكي وما بك داء
- كيف تغدو اذا غدوت عليلا؟
انّ شرّ الجناة في الأرض نفس
- تتوقّى، قبل الرّحيل ، الرّحيلا
وترى الشّوك في الورود ، وتعمى
- أن ترى فوقها النّدى إكليلا
هو عبء على الحياة ثقيل
- من يظنّ الحياة عبئا ثقيلا
والذي نفسه بغير جمال
- لا يرى في الوجود شيئا جميلا
ليس أشقى مّمن يرى العيش مرا
- ويظنّ اللّذات فيه فضولا
أحكم النّاس في الحياة أناس
- عللّوها فأحسنوا التّعليلا
فتمتّع بالصّبح ما دمت فيه
- لا تخف أن يزول حتى يزولا
وإذا ما أظلّ رأسك همّ
- قصّر البحث فيه كيلا يطولا
أدركت كنهها طيور الرّوابي
- فمن العار أن تظل جهولا
ما تراها_ والحقل ملك سواها
- تخذت فيه مسرحا ومقيلا
تتغنّى، والصّقر قد ملك الجوّ
- عليها ، والصائدون السّبيلا
تتغنّى، وقد رأت بعضها يؤخذ
- حيّا والبعض يقضي قتيلا
تتغنّى ، وعمرها بعض عام
- أفتبكي وقد تعيش طويلا؟
فهي فوق الغصون في الفجر تتلو
- سور الوجد والهوى ترتيلا
وهي طورا على الثرى واقعات
- تلقط الحبّ أو تجرّ الذيولا
كلّما أمسك الغصون سكون
- صفّقت الغصون حتى تميلا
فاذا ذهّب الأصيل الرّوابي
- وقفت فوقها تناجي الأصيلا
فأطلب اللّهو مثلما تطلب الأطيار
- عند الهجير ظلاّ ظليلا
وتعلّم حبّ الطلّيعة منها
- واترك القال للورى والقيلا
فالذي يتّقي العواذل يلقى
- كلّ حين في كلّ شخص عذولا
أنت للأرض أولا وأخيرا
- كنت ملكا أو كنت عبدا ذليلا
لا خلود تحت السّماء لحيّ
- فلماذا تراود المستحيلا ؟..
كلّ نجم إلى الأقوال ولكنّ
- آفة النّجم أن يخاف الأقولا
غاية الورد في الرّياض ذبول
- كن حكيما واسبق إليه الذبولا
وإذا ما وجدت في الأرض ظلاّ
- فتفيّأ به إلى أن يحولا
وتوقّع ، إذا السّماء اكفهرّت
- مطرا يحيي السهولا
قل لقوم يستنزفون المآقي
- هل شفيتم مع البكاء غليلا؟
ما أتينا إلى الحياة لنشقى
- فأريحوا ، أهل العقول، العقولا
كلّ من يجمع الهموم عليه
- أخذته الهموم أخذا وبيلا
كن هزارا في عشّه يتغنّى
- ومع الكبل لا يبالي الكبولا
لا غرابا يطارد الدّود في الأرض
- ويوما في اللّيل يبكي الطّلولا
كن غديرا يسير في الأرض رقراقا
- فيسقي من جانبيه الحقولا
تستحم النّجوم فيه ويلقى
- كلّ شخص وكلّ شيء مثيلا
لا وعاء يقيّد الماء حتى
- تستحل المياه فيه وحولا
كن مع الفجر نسمة توسع الأزهار
- شمّا وتارة تقبيلا
لا سموما من السّوافي اللّواتي
- تملأ الأرض في الظّلام عويلا
ومع اللّيل كوكبا يؤنس الغابات
- والنّهر والرّبى والسّهولا
لا دجى يكره العوالم والنّاس
- فيلقي على الجميع سدولا
أيّهذا الشّاكي وما بك داء
- كن جميلا تر الوجود جميلا.
شعر لحن الحياة
يقول أبو القاسم الشابي:
إذا الشـــعبُ يومًــا أراد الحيــاة
- فــلا بــدّ أن يســتجيب القــدرْ
ولا بــــدَّ لليـــل أن ينجـــلي
- ولا بــــدّ للقيـــد أن ينكســـرْ
ومــن لــم يعانقْـه شـوْقُ الحيـاة
- تبخَّـــرَ فــي جوِّهــا واندثــرْ
فــويل لمــن لــم تَشُــقهُ الحيـا
- ة مــن صفْعــة العــدَم المنتصـرْ
كـــذلك قــالت لــيَ الكائنــاتُ
- وحـــدثني روحُهـــا المســـتترْ
ودمــدمتِ الــرِّيحُ بيــن الفِجـاج
- وفــوق الجبــال وتحـت الشـجرْ:
إذا مـــا طمحــتُ إلــى غايــةٍ
- ركــبتُ المُنــى, ونسِـيت الحـذرْ
ولــم أتجــنَّب وعــورَ الشِّـعاب
- ولا كُبَّـــةَ اللّهَـــب المســـتعرْ
ومن يتهيب صعود الجبال
- يعش أبَــدَ الدهــر بيــن الحــفرْ
فعجَّــتْ بقلبــي دمــاءُ الشـباب
- وضجَّــت بصـدري ريـاحٌ أخَـرْ...
وأطـرقتُ, أصغـي لقصـف الرعـودِ
- وعــزفِ الريــاحِ, ووقـعِ المطـرْ
وقـالت لـي الأرضُ - لمـا سـألت:
- أيــا أمُّ هــل تكــرهين البشــرْ?
أُبــارك فـي النـاس أهـلَ الطمـوح
- ومــن يســتلذُّ ركــوبَ الخــطرْ
وألْعــنُ مــن لا يماشــي الزمـانَ
- ويقنـــع بــالعيْشِ عيشِ الحجَــرْ
هــو الكــونُ حـيٌّ, يحـبُّ الحيـاة
- ويحــتقر المَيْــتَ, مهمــا كــبُرْ
فـلا الأفْـق يحـضن ميْـتَ الطيـورِ
- ولا النحــلُ يلثــم ميْــتَ الزهـرْ
ولــولا أمُومــةُ قلبِــي الــرّؤوم
- لَمَــا ضمّــتِ الميْـتَ تلـك الحُـفَرْ
فــويلٌ لمــن لــم تشُــقه الحيـا
- ة, مِــن لعنــة العــدم المنتصِـرْ!
وفــي ليلــة مـن ليـالي الخـريف
- مثقَّلـــةٍ بالأســـى, والضجـــرْ
ســكرتُ بهـا مـن ضيـاء النجـوم
- وغنَّيْــتُ للحُــزْن حــتى ســكرْ
سـألتُ الدُّجـى: هـل تُعيـد الحيـاةُ,
- لمـــا أذبلتــه, ربيــعَ العمــرْ?
فلـــم تتكـــلّم شــفاه الظــلام
- ولــم تــترنَّمْ عــذارى السَّــحَرْ
شعر بم التعلل لا أهل ولا وطن
يقول المتنبي:
بِمَ التّعَلّلُ لا أهْلٌ وَلا وَطَنُ
- وَلا نَديمٌ وَلا كأسٌ وَلا سَكَنُ
أُريدُ مِنْ زَمَني ذا أنْ يُبَلّغَني
- مَا لَيسَ يبْلُغُهُ من نَفسِهِ الزّمَنُ
لا تَلْقَ دَهْرَكَ إلاّ غَيرَ مُكتَرِثٍ
- ما دامَ يَصْحَبُ فيهِ رُوحَكَ البَدنُ
فَمَا يُديمُ سُرُورٌ ما سُرِرْتَ بِهِ
- وَلا يَرُدّ عَلَيكَ الفَائِتَ الحَزَنُ
مِمّا أضَرّ بأهْلِ العِشْقِ أنّهُمُ
- هَوَوا وَمَا عَرَفُوا الدّنْيَا وَما فطِنوا
تَفنى عُيُونُهُمُ دَمْعاً وَأنْفُسُهُمْ
- في إثْرِ كُلّ قَبيحٍ وَجهُهُ حَسَنُ
تَحَمّلُوا حَمَلَتْكُمْ كلُّ ناجِيَةٍ
- فكُلُّ بَينٍ عَليّ اليَوْمَ مُؤتَمَنُ
ما في هَوَادِجِكم من مُهجتي عِوَضٌ
- إنْ مُتُّ شَوْقاً وَلا فيها لهَا ثَمَنُ
يَا مَنْ نُعيتُ على بُعْدٍ بمَجْلِسِهِ
- كُلٌّ بمَا زَعَمَ النّاعونَ مُرْتَهَنُ
كمْ قد قُتِلتُ وكم قد متُّ عندَكُمُ
- ثمّ انتَفَضْتُ فزالَ القَبرُ وَالكَفَنُ
قد كانَ شاهَدَ دَفني قَبلَ قولهِمِ
- جَماعَةٌ ثمّ ماتُوا قبلَ مَن دَفَنوا
مَا كلُّ ما يَتَمَنّى المَرْءُ يُدْرِكُهُ
- تجرِي الرّياحُ بمَا لا تَشتَهي السّفُنُ
رَأيتُكُم لا يَصُونُ العِرْضَ جارُكمُ
- وَلا يَدِرُّ على مَرْعاكُمُ اللّبَنُ
جَزاءُ كُلّ قَرِيبٍ مِنكُمُ مَلَلٌ
- وَحَظُّ كُلّ مُحِبٍّ منكُمُ ضَغَنُ
وَتَغضَبُونَ على مَنْ نَالَ رِفْدَكُمُ
- حتى يُعاقِبَهُ التّنغيصُ وَالمِنَنُ
فَغَادَرَ الهَجْرُ ما بَيني وَبينَكُمُ
- يَهماءَ تكذِبُ فيها العَينُ وَالأُذُنُ
تَحْبُو الرّوَاسِمُ مِن بَعدِ الرّسيمِ بهَا
- وَتَسألُ الأرْضَ عن أخفافِها الثَّفِنُ
إنّي أُصَاحِبُ حِلمي وَهْوَ بي كَرَمٌ
- وَلا أُصاحِبُ حِلمي وَهوَ بي جُبُنُ
وَلا أُقيمُ على مَالٍ أذِلُّ بِهِ
- وَلا ألَذُّ بِمَا عِرْضِي بِهِ دَرِنُ
سَهِرْتُ بَعد رَحيلي وَحشَةً لكُمُ
- ثمّ استَمَرّ مريري وَارْعَوَى الوَسَنُ
وَإنْ بُلِيتُ بوُدٍّ مِثْلِ وُدّكُمُ
- فإنّني بفِراقٍ مِثْلِهِ قَمِنُ
أبْلى الأجِلّةَ مُهْري عِندَ غَيرِكُمُ
- وَبُدِّلَ العُذْرُ بالفُسطاطِ وَالرّسَنُ
عندَ الهُمامِ أبي المِسكِ الذي غرِقَتْ
- في جُودِهِ مُضَرُ الحَمراءِ وَاليَمَنُ
وَإنْ تأخّرَ عَنّي بَعضُ مَوْعِدِهِ
- فَمَا تَأخَّرُ آمَالي وَلا تَهِنُ
هُوَ الوَفيُّ وَلَكِنّي ذَكَرْتُ لَهُ
- مَوَدّةً فَهْوَ يَبْلُوهَا وَيَمْتَحِنُ.