أشعار جميلة ومعبرة
قصيدة محاسن الدنيا سراب
يقول أبو العتاهية :
أذَلَّ الحِرْصُ والطَّمَعُ الرِّقابَا
- وقَد يَعفو الكَريمُ، إذا استَرَابَا
إذا اتَّضَحَ الصَّوابُ فلا تَدْعُهُ
- فإنّكَ قلّما ذُقتَ الصّوابَا
وَجَدْتَ لَهُ على اللّهَواتِ بَرْداً،
- كَبَرْدِ الماءِ حِينَ صَفَا وطَابَا
ولَيسَ بحاكِمٍ مَنْ لا يُبَالي،
- أأخْطأَ فِي الحُكومَةِ أمْ أصَابَا
وإنّ لكل تلخيص لوجهًا،
- وإنّ لكل مسألة جوابا
وإنّ لكُلّ حادثةٍ لوَقْتاً؛
- وإنّ لكُلّ ذي عَمَلٍ حِسَابَا
وإنّ لكُلّ مُطّلَعٍ لَحَدّاً،
- وإنّ لكُلّ ذي أجَلٍ كِتابَا
وكل سَلامَةٍ تَعِدُ المَنَايَا؛
- وكلُّ عِمارَةٍ تَعِدُ الخَرابَا
وكُلُّ مُمَلَّكٍ سَيَصِيرُ يَوْماً،
- وما مَلَكَتْ يَداهُ مَعاً تُرابَا
أبَتْ طَرَفاتُ كُلّ قَريرِ عَينٍ
- بِهَا إلاَّ اضطِراباً وانقِلاَبا
كأنَّ محَاسِنَ الدُّنيا سَرَابٌ
- وأيُّ يَدٍ تَناوَلَتِ السّرابَا
وإنْ يكُ منيَةٌ عجِلَتْ بشيءٍ
- تُسَرُّ بهِ فإنَّ لَهَا ذَهَابَا
فَيا عَجَبَا تَموتُ، وأنتَ تَبني،
- وتتَّخِذُ المصَانِعَ والقِبَابَا
أرَاكَ وكُلَّما فَتَّحْتَ بَاباً
- مِنَ الدُّنيَا فَتَّحَتَ عليْكَ نَابَا
ألَمْ ترَ أنَّ غُدوَةَ كُلِّ يومٍ
- تزِيدُكَ مِنْ منيَّتكَ اقترابَا
وحُقَّ لموقِنٍ بالموْتِ أنْ لاَ
- يُسَوّغَهُ الطّعامَ، ولا الشّرَابَا
يدبِّرُ مَا تَرَى مَلْكٌ عَزِيزٌ
- بِهِ شَهِدَتْ حَوَادِثُهُ رِغَابَا
ألَيسَ اللهُ في كُلٍّ قَريباً
- بلى من حَيثُ ما نُودي أجابَا
ولَمْ تَرَ سائلاً للهِ أكْدَى
- ولمْ تَرَ رَاجياً للهِ خَابَا
رأَيْتَ الرُّوحَ جَدْبَ العَيْشِ لمَّا
- عرَفتَ العيشَ مخضاً، واحتِلابَا
ولَسْتَ بغالِبِ الشَّهَواتِ حَتَّى
- تَعِدُّ لَهُنَّ صَبْراً واحْتِسَابَا
فَكُلُّ مُصِيبةٍ عَظُمَتْ وجَلَّت
- تَخِفُّ إِذَا رَجَوْتَ لَهَا ثَوَابَا
كَبِرْنَا أيُّهَا الأتَرابُ حَتَّى
- كأنّا لم نكُنْ حِيناً شَبَابَا
وكُنَّا كالغُصُونِ إِذَا تَثَنَّتْ
- مِنَ الرّيحانِ مُونِعَةً رِطَابَا
إلى كَمْ طُولُ صَبْوَتِنا بدارٍ،
- رَأَيْتَ لَهَا اغْتِصَاباً واسْتِلاَبَا
ألا ما للكُهُولِ وللتّصابي،
- إذَا مَا اغْتَرَّ مُكْتَهِلٌ تَصَابَى
فزِعْتُ إلى خِضَابِ الشَّيْبِ منِّي
- وإنّ نُصُولَهُ فَضَحَ الخِضَابَا
مَضَى عنِّي الشَّبَابُ بِغَيرِ رَدٍّ
- فعنْدَ اللهِ احْتَسِبُ الشَّبَابَا
وما مِنْ غايَةٍ إلاّ المَنَايَا،
- لِمَنْ خَلِقَتْ شَبيبَتُهُ وشَابَا
قصيدة صباح الحب
تقول غادة أحمد السمان :
- وتنمو بيننا يا طفل الرياح
- تلك الألفة الجائعة
- وذلك الشعور الكثيف الحاد
- الذي لا أجد له اسماً
- ومن بعض أسمائه الحب
- منذ عرفتك
- عادت السعادة تقطنني
- لمجرد أنّنا نقطن كوكباً واحداً وتشرق علينا شمس واحدة
- راع أنّني عرفتك
- وأسميتك الفرح الفرح
- وكل صباح انهض من رمادي
- واستيقظ على صوتي وأنا أقول لك:
- صباح الحب أيّها الفرح،،،
- ولأنّي أحب
- صار كل ما ألمسه بيدي
- يستحيل ضوءاً
- ولأنّي أحبك
- أحب رجال العالم كله
- وأحب أطفاله وأشجاره وبحاره وكائناته
- وصياديه وأسماكه ومجرميه وجرحاه
- وأصابع الأساتذة الملوثة بالطباشير
- ونوافذ المستشفيات العارية من الستائر...
- لأنّي أحبك
- عاد الجنون يسكنني
- والفرح يشتعل
- في قارات روحي المنطفئة
- لأنّي أحبك
- عادت الألوان إلى الدنيا
- بعد أن كانت سوداء ورمادية
- كالأفلام القديمة الصامتة والمهترئة...
- عاد الغناء إلى الحناجر والحقول
- وعاد قلبي إلى الركض في الغابات
- مغنياً ولاهثاً كغزال صغير متمرد..
- في شخصيتك ذات الأبعاد اللامتناهية
- رجل جديد لكل يوم
- ولي معك في كل يوم حب جديد
قصيدة لله سلمى حبها ناصب
يقول بشار بن برد بن يرجوخ العُقيلي:
لله سلمى حبُّها ناصبُ
- وأنا لا زوْجٌ ولا خاطبُ
لو كنتُ ذا أو ذاك يوم اللِّوى
- أدَّى إليَّ الحلبَ الحالبُ
أقولُ والعينُ بها عبرةٌ
- وباللِّسَانِ الْعَجَبُ الْعَاجِبُ
يا ويلتي أحرزها "واهبٌ"
- لا نالَ خيراً بعدها واهبُ
سيقتْ إلى "الشَّام" وما ساقها
- إلاَّ الشَّقا والقدرُ الجالبُ
أصبحتُ قد راحَ العدى دونها
- ورحتُ فرداً ليس لي صاحبُ
لا أرْفَعُ الطرْف إِلَى زائرٍ
- كأنَّني غضْبان أوْ عاتِبُ
يا كاهن المصر لنا حاجةٌ
- فانظر لنا: هل سكني آيبُ
قد شفَّني الشوقُ إلى وجهها
- وشاقني المزهرُ والقاصبُ
بَلْ ذَكَّرَتْني ريحُ رَيْحَانَةٍ
- ومدهنٌ جاء به عاقبُ
مجلسُ لهو غاب حسادهُ
- تَرْنُو إِلَيهِ الْغَادَةُ الْكَاعبُ
إِذْ نَحْنُ بالرَّوْحَاء نُسْقَى الْهَوَى
- صِرْفاً وإِذْ يَغْبِطُنَا اللاَّعبُ
وَقَدْ أرَى «سَلْمَى» لَنَا غَايَةً
- أيام يجري بيننا الآدبُ
يأيُّها اللاَّئمُ في حبِّها
- أمَا تَرَى أنِّي بهَا نَاصبُ
«سَلْمَى» ثَقَالُ الرِّدْف مَهْضُومَةٌ
- يأبى سواها قلبي الخالبُ
غنَّى بها الراكبُ في حسنها
- ومثلها غنَّى به الرَّاكبُ
ليست من الإنس وإن قلتها
- جنِّيَّةً قيلَ: الْفَتَى كَاذِبُ
لاَ بلْ هيِ الشَّمْسُ أُتيحَتْ لَنَا،
- وسواسُ همٍّ زعمَ الناسبُ
لو خرجت للناس في عيدهم
- صلى لها الأمرد والشائبُ
تلكَ المنى لو ساعفت دارها
- كانت "لعمرو" همَّهُ عازبُ
أرَاجعٌ لي بَعْضَ مَا قَدْ مَضَى
- بالميث أم هجرانها واجبُ
قَدْ كُنْتُ لاَ ألْوي عَلَى خُلَّة ٍ
- ضَنَّتْ وَلاَ يُحْزِنُنِي الذَّاهِبُ
ثُمَّ تَبَدَّلْتُ عَلَى حُبِّهَا
- يا عجبًا ينقلبُ الذَّاهبُ
وصاحبٍ ليسَ يصافي النَّدى
- يَسُوسُ مُلْكاً وَلَهُ حَاجِبُ
كالْمَأجَنِ الْمَسْتُورِ إِذْ زُرْتُهُ
- فِي دَارِ مُلكٍ لَبْطُهَا رَاعِبُ
ظَلَّ ينَاصِي بُخْلُهُ جُودَهُ
- فِي حَاجَتِي أيُّهُمَا الْغَالِبُ
أصْبَحَ عَبَّاساً لِزُوَّارِهِ
- يبكي بوجه حزنهُ دائبُ
لما رأيتُ البخل ريحانهُ
- والْجُودُ مِنْ مَجْلِسِهِ غَائِبُ
وَدَّعْتُهُ إِنّي امْرُؤٌ حَازِمٌ
- عَنْهُ وعَنْ أمْثَالِهِ نَاكِبُ
أصفي خليلي ما دحا ظلهُ
- ودَامَ لي مِنْ وُدِّهِ جَانِبُ
لاَ أعْبُدُ الْمَالَ إِذَا جَاءنِي
- حق أخٍ أو جاءني راغبُ
وَلَسْتُ بالْحَاسِبِ بَذْلَ النَّدَى
- إنّ البخيل الكاتبُ الحاسبُ
كذاك يلقاني وربَّ امرئٍ
- لَيْسَ لَهُ فَضْلٌ ولاَ طَالِبُ
قصيدة أَتاك الورد محبوباً مصوناً
يقول عبد الله بن المعتز بالله :
أَتاكَ الوَردُ مَحبوباً مَصوناً
- كَمَعشوقٍ تَكَنَّفَهُ الصَدودُ
كَأَنَّ بِوَجهِهِ لَمّا تَوافَت
- نُجومٌ في مَطالِعِها سُعودُ
بَياضٌ في جَوانِبِهِ اِحمِرارٌ
- كَما اِحمَرَّت مِنَ الخَجَلِ الخُدودُ
قصيدة نسخت بحبي آية العشق من قبلي
يقول ابن الفارض :
نسخْتُ بِحَبّي آية العِشْقِ من قبلي
- فأهْلُ الهوى جُندي وحكمي على الكُلّ
وكلُّ فَتىً يهوى فإنّي إمَامُهُ
- وإني بَريءٌ من فَتىً سامعِ العَذْلِ
ولي في الهوى عِلْمٌ تَجِلّ صفاتُهُ
- ومن لم يُفَقّهه الهوى فهْو في جهل
ومن لم يكنْ في عِزّةِ الحبِّ تائهاً
- بِحُبّ الذي يَهوى فَبَشّرْهُ بالذّل
إذا جادَ أقوامٌ بمالٍ رأيْتَهُمْ
- يَجودونَ بالأرواحِ مِنْهُمْ بِلا بُخل
وإن أودِعوا سِراً رأيتَ صُدورهم
- قُبوراً لأسرارٍ تُنَزّهُ عن نَقلِ
وإن هُدّدوا بالهَجْرِ ماتوا مَخافَةً
- وإن أوعِدوا بالقَتْلِ حنّوا إلى القتل
لَعَمري هُمُ العُشّاقُ عندي حقيقةً
- على الجِدّ والباقون منهم على الهَزْل
قصيدة لا تبغ شر امرئ شرًا من الداء
يقول بشار بن برد:
لا تَبغِ شَرَّ اِمرِئٍ شَرّاً مِنَ الداءِ
- وَاِقدَح بِحِلمٍ وَلا تَقدَح بِشَحناءِ
ما لي وَأَنتَ ضَعيفٌ غَيرَ مُرتَقَبٍ
- أُبقي عَلَيكَ وَتَفري غَيرَ إِبقاءِ
مَهلاً فَإِنَّ حِياضَ الحَربِ مُترَعَةٌ
- مِنَ الذُعافِ مُرارٌ تَحتَ حَلواءِ
أَحينَ طُلتَ عَلى مَن قالَ قافِيَةً
- وَطالَ شِعري بِحَيٍّ بَعدَ أَحياءِ
أَلزَمتَ عَينَكَ مِن بَغضائِنا حَوَلاً
- لَو قَد وَسَمتُكَ عادَت غَيرَ حَولاءِ
اِطلُب رِضايَ وَلا تَطلُب مُشاغَبَتي
- لا يَحمِلُ الضَرِعُ المُقوَرُّ أَعبائي
أَنا المُرَعَّثُ لا أَخفى عَلى أَحَدٍ
- ذَرَّت بِيَ الشَمسُ لِلداني وَلِلنائي
يَغدو الخَليفَةُ مِثلي في مَحاسِنِهِ
- وَلَستَ مِثلي فَنَم يا ماضِغَ الماءِ
إِنّي إِذا شَغَلَت قَوماً فِقاحُهُمُ
- رَحبُ المَسالِكِ نَهّاضٌ بِبَزلاءِ
يَثوي الوُفودُ وَأُدعى قَبلَ يَومِهُمُ
- إِلى الحِباءِ وَلَم أَحضُر بِرَقّاءِ
لَو كانَ يَحيى تَميمِيّاً أَسَأتُ بِهِ
- لَكِنَّهُ قُرَشِيٌّ فَرخُ بَطحاءِ
يَحيى فَتىً هاشِمِيٌّ عَزَّ جانِبُهُ
- فَلا يُلامُ وَإِن أَجرى مَعَ الشاءِ
نِعمَ الفَتى مِن قُرَيشٍ لا نُدافِعُهُ
- عَنِ النَبِيِّ وَإِن كانَ اِبنَ كَلّاءِ
ما زالَ في سُرَّةِ البَطحاءِ مَنبِتُهُ
- مُقابَلاً بَينَ بَرديٍّ وَحَلفاءِ
يا أَسَدَ الحَيِّ إِن راحوا بِمَأدُبَةٍ
- وَثَعلَبَ الحَيِّ إِن ذافوا لِأَعداءِ
لا تَحسَبَنّي كَأَيرٍ بِتَّ تَمسَحُهُ
- كَيما يَقومُ وَيَأبى غَيرَ إِغفاءِ
قَد سَبَّحَ الناسُ مِن وَسمي أَبا عُمَرٍ
- فَهَل رَبَعتَ عَلى تَسبيحَ قَرّاءِ
كَوَيتُ قَوماً بِمِكواتي فَما صَبَروا
- عَلى العِقابِ وَقَد دَبّوا بِدَهياءِ
وَرُبَّما أَغرَقَ الأَدنى فَقُلتُ لَهُ
- إِن كانَ مِن نَفَري أَو نَجلَ آبائي
قُل ما بَدا لَكَ مِن زورٍ وَمِن كَذِبٍ
- حِلمي أَصَمُّ وَأُذني غَيرُ صَمّاءِ