أشعار الصبر
قصيدة الصبر الجميل
يقول الجواهري في قصيدته عن الصبر:
ذممَتُ اصطبارَ العاجزينَ وراقني
- على الضُرِّ صبرُ الواثبِ المتطلِّعِ
له ثِقَةٌ بالنفسِ أنْ ستقودُه
- لحالٍ يرجِّي خيرَها أو لمصرع
وما الصبرُ بالأمرِ اليسيرِ احتمالُه
- وإن راحَ ملصوقاً به كلُّ مُدَّعي
ولا هو بالشيء المشرِّفِ أهلَه
- إذا لم تكنْ عُقباه غيرَ التوجّع
ولكنَّه صبرُ الأسودِ على الطَّوى
- تغطّي عليه وثبةُ المتجمِّع
مِحَكُّ طباعٍ آبياتٍ وطُوَّعٍ
- وبَلوى نفوسٍ طامحاتٍ ووُضَّع
يُعنَّى به حُرٌّ لإحقاقِ جريءٍ غايةٍ
- ويَخرُجُ عنه آخرٌ للتضرُّع
فإنْ كنتَ ذا قلبٍ جريءٍ طبيعةً
- على نكبات الدهر لا بالتطبّع
فبورِكَ نسْجُ الصَّبرِ درعاً مضاعفاً
- وبوركْتَ من ذي مِرَّةٍ متدرِّع
قصيدة صبرٌ ينفذ
يقول عبد الله الفيصل :
أرى الصبر أوشك أن ينفذا
- وأوشكت في القرب أن أبعدا
وأوشك قلبي أن يستريح
- وأوشك طرفي أن يرقدا
وكدت أعايش هذا الأنام
- وقد عشت بينهم مفردا
يخيل لي أنني قد أضعت
- شبابي وقلبي وعمري سدى
وأن حياتي وأسبابها
- خطبت بها عندكم فرقدا
تناءيتم زمنا طائلًا
- وبنا كما كان رجع الصدى
فإن تلتق اليوم أشباحنا
- فذاك لقاء غريب المدى
تقربه اليوم دنيا الخيال
- ويبعده كل حاد حدا
يذكرنا كل أمس مضى
- وكل غريب به شدا
وما نحن إلّا الزمان الذي
- عدا في الأنام على من عدا
نصوره صورة في الضمير
- ونبدي على ضعفنا ما بدا
فيحسبنا الناس أقوى على
- يد الدهر مما يكيد العدى
ولكننا إن خلونا إلى
- خواطرنا نستجير الردى
وإن لاح في بابكم عاذل
- مررنا به ركعا سجدا
نحاذر من أن ترانا العيون
- ونخشى على البؤس أن نحسدا
فعد لي حبيبي كما قد عهدت
- على الدهر يا سيدي مسعدا
وخل النواح ودنيا الأنين
- فقد أوشك العمر أن ينفذا
ومد حبيبي إلى من براه
- غرامك عطفا وأهد اليدا
أو اهزأ كما شئت بالذكريات
- وأذهب في الحب كبش الفدا
قصيدة قلعة الصبر
يقول إياد حياتلة:
قَبّلتُ رأسَـكِ مُشتاقـاً فأعطينـي
- يا قلعـة الصّبْـرِ إيمانـاً يُقَوّينـي
مِنْ وهْجِ عينيكِ شمساً أسْتضيئُ بها
- كيْ تُطلعَ الفجرَ من عتْمِ الزّنازيـنِ
إنْ قـدّرَ اللهُ فـي الدّنيـا تفرُّقَنـا
- في جنّةِ الخلْدِ أرجـو أنْ تُلاقينـي
مَعْ سيّدِ الرُّسْلِ يا أمّـي وعترتِـهِ
- نحظى بِرُؤيـةِ رنتيسـي وياسيـنِ
لا أندمُ اليومَ عـنْ حـالٍ أُعايِشُـهُ
- لكنْ تمَنّيْتُ أقضي فـي المياديـنِ
شَرَفُ الشّهادةِ حُلْمٌ كمْ سعيْتُ لـهُ
- في الذوْدِ عنْ أقْدسِ الأقْداسِ والدّينِ
روحي فداؤُكَ يا أقصى، ويا وَطناً
- أسْرى إليهِ النّبي، تِلْكُمْ شرايينـي
حتى يُرفْرِفَ فوقَ القـدْسِ بَيْرَقُنـا
- أوْ رايةُ النّصرِ تعْلو هـامَ حِطّيـنِ
قصيدة أيحلو لمنْ لاَ صبرَ ينجدهُ صبرُ
يقول أبو فراس الحمداني :
أيحلو، لمنْ لاَ صبرَ ينجدهُ، صبرُ
- إذا ما انقضى فكرٌ ألمَّ بهِ فكرُ؟
أممعنةً في العذلِ، رفقاً بقلبهِ!
- أيحملُ ذا قلبٌ، ولوْ أنهُ صخرُ؟
عَذيرِي من اللاّئي يَلُمنَ على الهَوَى
- أما في الهوى، لو ذقنًَ طعمَ الهوى عذرُ؟
أطَلْنَ عَلَيْهِ اللّوْمَ حَتى تَرَكْنَهُ
- وَسَاعَتُهُ شَهْرٌ، وَلَيْلَتُهُ دَهْرُ
ومنكرةٍ ما عاينتْ من شحوبهِ
- وَلا عَجَبٌ، ما عَايَنَتهُ، وَلا نُكْرُ
وَيُحمَدُ في العَضْبِ البِلى وهوَ قاطعٌ
- ويحسنُ في الخيلِ المسمومةِ، الضمرُ
وقائلةٍ: "ماذا دهاكَ"؟ ـتعجباًـ
- فقلتُ لها: "يا هذهِ أنتِ والدهرُ!"
أبِالبَينِ؟ أمْ بالهَجرِ؟ أمْ بِكِلَيْهِمَا
- تشاركَ، فيما ساءني، البينُ والهجرُ؟
يُذَكّرُني نَجْداً حَبيبٌ، بأرْضِهَا،
- أيا صاحبيْ نجوايَ، هلْ ينفعُ الذكرُ؟
نطاولت الكثبانُ، بيني وبينهُ،
- وَبَاعَدَ، فيمَا بَيْنَنَا، البَلَدُ القَفْرُ
مفاوزُ لا يعجزنَ صاحبَ همةٍ
- وإن عجزتْ، عنها، الغريريةُ الصبرُ
كَأنّ سَفِيناً، بينَ فَيْدٍ وَحَاجِرٍ
- يحفُّ بهِ، منْ آلِ قيعانهِ، بحرُ
عدانيَ عنهُ: ذودُ أعداءِ منهلٍ
- كثيرٌ إلى ورادهُ النظرُ الشزرُ
وَسُمرُ أعَادٍ، تَلمَعُ البِيضُ بَينَهمْ
- وَبِيضُ أعَادٍ، في أكُفّهِمُ السُّمْرُ
وَقَوْمٌ، مَتى مَا ألْقَهُمْ رَوِيَ القَنَا
- وأرضٌ متى ما أغزها شبعَ النسرُ
وَخَيلٌ يَلُوحُ الخَيرُ بَينَ عُيُونِهَا
- ونصلٌ، متى ما شمتهُ نزلَ النصرُ
إذَا مَا الفَتى أذْكَى مُغَاوَرَةَ العِدى
- فكلُّ بلادٍ حلَّ ساحتها ثغرُ
ويومٍ، كأنَّ الأرضَ شابتْ لهولهِ
- قطعتُ بخيلٍ حشوُ فرسانها صبرُ،
تَسِيرُ عَلى مِثْلِ المُلاءِ مُنَشَّراً
- وَآثَارُهَا طَرْزٌ لأطْرَافِهَا حُمْرُ
أُشَيّعُهُ وَالدّمْعُ مِنْ شِدّةِ الأسَى
- على خدهِ نظمٌ، وفي نحرهِ نثرُ
وعدتُ، وقلبي في سجافِ غبيطهِ
- ولي لفتاتٌ، نحو هودجه، كثرُ
وفيمنْ حوى ذاكَ الحجيجُ خريدةٌ
- لها دونَ عَطفِ السّترِ من صَوْنها سترُ
وفي الكمِّ كفٌّ يراها عديلها
- وفي الخدرِ وجهٌ ليسَ يعرفهُ الخدرُ
فَهَلْ عَرَفاتٌ عَارِفاتٌ بِزَوْرِهَا؟
- وهلْ شعرتْ تلكَ المشاعرُ والحجرُ؟
أمَا اخضَرّ من بُطْنانِ مكةَ ما ذَوَى؟
- أما أعشبَ الوادي أما أنبتَ الصخرُ؟
سَقَى الله قَوْماً، حَلّ رَحلُكِ فيهمُ
- سحائبَ، لا قُلَّ جداها، ولا نزرُ!
قصيدة الطويل
يقول الشاعر محمد حسن أبو المحاسن:
عليك بحسن الصبر فالصبر منحة
- من الله إنّ الله جم مواهبه
فأيسر ما في الصبر تنفيس كربة
- وتفريج غم تعتريك غواربه
وليس بمغن عنك بث وعبرة
- وشكوى زمان لا ترد نوائبه
وأعظم رزء فقد اصطباره
- وإن كثرت أرزاؤه ومصائبه
ومن جد في أمر يعز طلابه
- ينل بجميل الصبر ما هو طالبه
قصيدة ودّعَ الصبرَ محبٌّ ودّعَكْ
يقول ابن زيدون :
ودّعَ الصبرَ محبٌّ ودّعَكْ
- ذائعٌ منْ سرّهِ ما استودَعَكْ
يقرَعُ السّنَّ على أنْ لمْ يكنْ
- زَادَ في تِلْكَ الحُطَا، إذْ شَيّعَكْ
يا أخا البدرِ سناءً وسناً
- حفظَ اللهُ زماناً أطلعَكْ
إنْ يَطُلْ، بَعْدَكَ، لَيلي، فلَكَمْ
- كنت أشكُو قِصَرَ اللّيْلِ مَعَكْ!
قصيدة صبراً بني على الزمان
يقول أبو مسلم البهلاني:
صبراً بُنيّ على الزمان وصرفه
- إن الزمان محارب الأحرار
أين الفرار عن المقدر للفتى
- إنّ الأمور رهائن المقدار
وكل الأمور إلى المهيمن إنّه
- تدبيره يقضي على الأفكار
ماذا تريد من الزمان وصرفه
- أفلا اتكلت على المعين الباري
أترى الزمان مؤثراً في نفسه
- والأمر مرجعه إلى مختاري
واصبر فإنّك ناجح إن كنت في
- نوب الصروف بمنهج الصبار
واجعل صلاحك مسلكاً لتنال من
- بر الكريم مواهب الأبرار
كم كربة نزلت وضاق نطاقها
- فتفرجت باللطف والأيسار
ما خاب من وكل الأمور لربه
- فهو المفرج كربة الأعسار
قصيدة لا الصبر ناصره
يقول ابن أفلح العبسي في قصيدته عن الصبر:
لا الصّبرُ ناصرُهُ إن ضامه كمَدٌ
- يومَ الرّحيل ولا السّلوانُ مُنجِدُه
فلم أطاع عذولاً ما يسهِّدُه
- إذا غفا كلُ طرْفٍ ما يسهِّدُهُ
هل حلّ بالعَذْلِ لاحٍ من أخي كمَدٍ
- ما ظلّ بالحبّ داعي الوجد يعقِدُه
لولا الغُرورُ وما تجْني مطامِعُه
- لذَمّ طيْفَ الكرى من باتَ يحمَدُه
وكلّ من لا يرى في الأمر مصدَرَهُ
- قبل الوُرودِ أراهُ الحتْفَ مورِدُه
كحائنٍ ظنّ مولانا العزيز على
- إمهالهُ مُهمِلاً من بات يرْصُدُه
الصّادق العزمِ لا جبنٌ يريّثُه
- إن رامَ أمراً ولا عجزٌ يفنّدُه
في كلّ يومٍ له حمدٌ يجمّعهُ
- بما توخّاهُ من مالٍ يبدّدُه
جمُّ المواهبِ ما ينفكّ من سرَفٍ
- لُجَينُه يشتكي منه وعسجَدُه
غمْرُ الرِّداءِ وَهوبٌ ما حوته على ال
- أيّام من طارفٍ أو تالدٍ يدُه
يعتدّ بالفضلِ للعافي ويشكرُه
- كأنّ عافيهِ يحبوهُ ويرفِدُهُ
موفّقُ السّعي والتّدبيرُ منجِحُه
- وثاقبُ الرّأي في الجُلّى مسدّدُه
حسنُ الرّشادِ له فيما يحاولُه
- من المقاصد هاديه ومُرشدُهُ
فما يَطيشُ له سهمٌ يفوّقُه
- في كل ما يتحرّاهُ ويقصِدُه
إذا تماثلتِ الأحسابُ فاخرةً
- أضاء في الحسَبِ الوضّاحِ محتِدُه
يُزْهى بجدّيْنِ أضحى سامياً بهما
- فما ترى عينُه من ليس يحسُدُه
يا أحمدُ الحمدُ ما أصبحت تكسِبُه
- بالفضلِ والفضلُ ما أصبحت توردُه
ليَهْنِ مجدَك نُعمى ظلّ حاسدُها
- يغيظُه ما رأى منها ويُكمدُه
جاءتك تسحَبُ ذيلَ العزّ من ملِك
- ما أيّد اللهُ إلا من يؤيّدُه
لم يلقَ غيرَك كُفؤاً يرتضيهِ لما
- إليك أضحى من التّدبيرِ يُسندُهُ
ألقى إليكَ زِمام الأمرِ معتقداً
- أنّ الأمانةَ فيمن طاب مولدُه
فاجعَلْ عِياذَك شكرَ الناسِ تحرزُه
- وانظرْ لنفسك من ذكرٍ تخلّدُه
وليَهْن جدَّك أعداءٌ ظفِرتَ بهم
- وقد عراهم من الطّغيانِ أنكدُه
نوَوْا لك المَكرَ غدراً فاستزلّ لهم
- عن ذاك أيمنُ تدبيرٍ وأحمدُه
من كلّ أخيبَ خانته مكايدُه
- فيما نواهُ وأرداهُ تردّدُه
ما أبرموا الرّأيَ في سوء بغوْك به
- إلا وعاد سحيلاً منك مُحصَدُه
ولا ورى زندُ كيدٍ منهمُ أبداً
- إلا وحدُّك بالإقبالِ يُصلِدُه