أشعار ابن الرومي
ضحك الربيع إلى بكى الديم
ضحك الربيعُ إلى بكى الديم
- وغدا يسوى النبتَ بالقممِ
من بين أخضرَ لابسٍ كمماً
- خُضْراً، وأزهرَ غير ذي كُمَم
متلاحق الأطراف متسقٌ
- فكأنَّه قد طُمَّ بالجَلم
مُتَبلِّجِ الضَّحواتِ مُشرِقها
- متأرّجُ الأسحار والعتم
تجد الوحوشُ به كفايتَها
- والطيرُ فيه عتيدة ُ الطِّعَم
فظباؤه تضحى بمنتطَح
- وحمامُه تَضْحِي بمختصم
والروضُ في قِطَع الزبرجد والـ
- ياقوتُ تحت لآلئ تُؤم
طلٌّ يرقرقه على ورقٍ
- هاتيك أو خيلانُ غالية
وأرى البليغَ قُصورَ مُبْلغِه
- فغدا يهُزُّ أثائثَ الجُمم
والدولة ُ الزهراءُ والزمن الـ
- هارُ حسبُك شافَيْى قَرَم
إن الربيعَ لكالشَّباب وإنْ
- صيف يكسعه لكالهرم
أشقائقَ النُّعمانِ بين رُبَى
- نُعمانَ أنتِ محاسنُ النِّعم
غدتِ الشقائقُ وهْي واصفة
- آلاء ذي الجبروت والعظم
تَرَفٌ لأبصارٍ كُحلنَ بها
- ليُرين كيف عجائبُ الحكم
شُعَلٌ تزيدك في النهار سنًى
- وتُضيءُ في مُحْلَوْلك الظُّلمِ
أعجب بها شعلاً على فحم
- لم تشتعل في ذلك الفحم
وكأنما لُمَعُ السوادِ إلى
- ما احمرَّ منها في ضُحَى الرَهَم
حَدَقُ العواشق وسِّطَتْ مُقَلاً
- نَهلت وعلّت من دموع دم
يا للشقائق إنها قِسَمٌ
- تُزهى بها الأبصارُ في القسم
ما كان يُهدى مثلَها تُحفاً
- إلا تطوّل بارئِ النسم
دع اللوم إن اللوم عون النوائب
دعِ اللَّومَ إنّ اللَّومَ عونُ النوائِبِ
- ولا تتجاوز فيه حدَّ المُعاتِبِ
فما كلُّ من حطَّ الرحالَ بمخفِقٍ
- ولا كلُّ من شدَّ الرحال بكاسبِ
وفي السعي كَيْسٌ والنفوسُ نفائسٌ
- وليس بكَيْسٍ بيعُها بالرغائبِ
وما زال مأمولُ البقاء مُفضّلاً
- على المُلك والأرباحِ دون الحرائبِ
حضضتَ على حطبي لناري فلا تدعْ
- لك الخيرُ تحذيري شرورَ المَحاطبِ
وأنكرتَ إشفاقي وليس بمانعي
- طِلابي أن أبغي طلابَ المكاسبِ
ومن يلقَ ما لاقيتُ في كل مجتنىً
- من الشوك يزهدْ في الثمار الأَطايبِ
أذاقتنيَ الأسفارُ ما كَرَّه الغِنَى
- إليَّ وأغراني برفض المطالبِ
فأصبحتُ في الإثراء أزهدَ زاهدٍ
- وإن كنت في الإثراء أرغبَ راغبِ
حريصاً جباناً أشتهي ثم أنتهي
- بلَحْظي جناب الرزق لحظَ المراقبِ
ومن راح ذا حرص وجبن فإنه
- فقير أتاه الفقر من كل جانبِ
يا خليلي تيمتني وحيد
يا خَلِيلَيَّ تَيَّمَتْني وَحيدُ
- ففؤادي بها معنَّى عميدُ
غادة ٌ زانها من الغصن قدٌّ
- ومن الظَّبي مُقلتان وجِيدُ
وزهاها من فرعها ومن الخديـ
- ن ذاك السواد والتوريد
أوقد الحسْنُ نارَه من وحيدٍ
- فوق خدٍّ ما شَانَهُ تخْدِيدُ
فَهْيَ برْدٌ بخدِّها وسلامٌ
- وهي للعاشقين جُهْدٌ جهيدُ
لم تَضِرْ قَطُّ وجهها وهْو ماءٌ
- وتُذيبُ القلوبَ وهْيَ حديدُ
ما لما تصطليه من وجنتَيْها
- غير تَرْشافِ رِيقِها تَبْريدُ
مثْلُ ذاك الرضابِ أطفأ ذاك ال
- وَجد لَوْلا الإباءُ والتَّصرِيدُ
وغَريرٍ بحسنها قال صِفْها
- قلت أمْران هَيِّنٌ وشديدُ
يسهل القول إنها أحسن الأشْ
- ياءِ طُرّاً ويعْسرُ التحديدُ
شمسُ دَجْنٍ كِلا المنيرَيْن من شم
- سٍ وبدْرٍ من نُورها يستفيدُ
تتجلَّى للناظرين إليها فشقى
- بحسنها وسعيد
ظبية تسكن القلوب وترعا
- ها، وقُمْرِيَّة ٌ لها تغريدُ
تتغنّى ، كأنها لاتغنّى من
- سكونِ الأوصالِ وهي تُجيدِ
لا تَراها هناك تَجْحَظُ عينٌ
- لك منها ولا يَدِرُّ وريدُ
من هُدُوٍّ وليس فيه انقطاع
- وسجوٍّ وما به تبليد
مَدَّ في شأو صوتها نَفَسٌ كا
- فٍ كأنفاس عاشقيها مَديدُ
وأرقَّ الدلالُ والغُنْجُ منه
- وبَراهُ الشَّجا فكاد يبيدُ
فتراه يموت طَوْراً ويحيا
- مستلذٌّ بسيطُه والنشيد
فيه وَشْيٌ وفيه حَلْيٌ من النَّغْ
- مِ مَصوغٌ يختال فيه القصيدُ
طاب فُوها وما تُرَجِّعُ فيه
- كلُّ شَيْءٍ لها بذاك شهيدُ
ثغبٌ ينقع الصدى وغناءٌ
- عنده يوجد السرورُ الفقيد
فلها الدَّهْرَ لاثِمٌ مُسْتَزيدٌ
- ولها الدهر سامع مُسْتَعيدُ
بكاؤكما يشفي وإن كان لا يجدي
بكاؤكُما يشفي وإن كان لا يجدي
- فجودا فقد أودى نظيركمُا عندي
بُنَيَّ الذي أهدتهُ كفَّاي للثَّرَى فيا عزَّة
- المهدى ويا حسرة المهدي
ألا قاتل اللَّهُ المنايا ورميها
- من القومِ حَبّات القلوب على عَمدِ
توخَّى حِمَامُ الموت أوسطَ صبيتي
- فلله كيف اختار واسطة َ العقدِ
على حين شمتُ الخيرَ من لَمَحاتِهِ
- وآنستُ من أفعاله آية َ الرُّشدِ
طواهُ الرَّدى عنِّي فأضحى مَزَارهُ
- بعيداً على قُرب قريباً على بُعدِ
لقد أنجزتْ فيه المنايا وعيدَها
- وأخلفَتِ الآمالُ ماكان من وعدِ
لقد قلَّ بين المهد واللَّحد لبثُهُ
- فلم ينسَ عهد المهد إذ ضمَّ في اللَّحدِ
تنغَّصَ قَبلَ الرَّيِّ ماءُ حَياتهِ
- وفُجِّعَ منه بالعذوبة والبردِ
ألحَّ عليه النَّزفُ حتى أحالهُ
- إلى صُفرة الجاديِّ عن حمرة الوردِ
وظلَّ على الأيدي تساقط نَفْسْه
- ويذوِي كما يذوي القضيبُ من الرَّنْدِ
فَيالكِ من نفس تساقط أنفساً
- تساقط درٍّ من نِظَام بلا عقدِ
عجبتُ لقلبي كيف لم ينفطرْ لهُ
- ولو أنَّهُ أقسى من الحجر الصَّلدِ
بودِّي أني كنتُ قُدمْتُ قبلهُ
- وأن المنايا دُونهُ صَمَدَتْ صَمدِي
ولكنَّ ربِّي شاءَ غيرَ مشيئتي
- وللرَّبِّ إمضاءُ المشيئة ِ لا العبدِ
وما سرني أن بعتُهُ بثوابه
- ولو أنه التَّخْليدُ في جنَّة الخُلدِ
ولا بعتُهُ طَوعاً ولكن غُصِبته
- وليس على ظُلمِ الحوداث من معدِي
وإنّي وإن مُتِّعتُ بابنيَّ بعده
- لَذاكرُه ما حنَّتِ النِّيبُ في نجدِ
وأولادنا مثلُ الجَوارح أيُّها
- فقدناه كان الفاجع البَيِّنَ الفقدِ
لكلٍّ مكانٌ لا يسُدُّ اختلالهُ
- مكانُ أخيه في جَزُوعٍ ولا جلدِ