فضل ليلة الإسراء والمعراج
فضل ليلة الإسراء والمعراج
فضّل الله ليلة الإسراءِ والمعراجِ عن غيرها بفضائل عديدة، وفيما يأتي بيانٌ لهذه الفضائل:
- معجزة أيّد الله بها نبيّه -صلى الله عليه وسلم-: كانت هذه الرحلة مُعجزة كبرى من المُعجزات التي أيّد الله بها نبيّه، فصلّى بالأنبياء، ورأى من آياتِ ربّه الكبرى، وشاهد جبريل على صورته التي خلقه الله عليها، وصعد حتى وصل إلى سدرة المنتهى، قال -تعالى-: (أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى* وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى* عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَى*عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى* إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى* مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى* لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى).
- الأمر بالصلاة وفرضها: فقد امتازت الصلاة بأنّ الله فرضها من فوق سبع سماوات، في حين أنّ غيرها من الفروض والعبادات كان الوحي يتنزّل بها إلى رسول الله، وفي ذلك دليل على أهميّة الصلاة وعظم مكانتها، ومن فضلها أيضاً أنّ الله فرضها خمسون صلاة في اليوم والليلة بدايةً، ثمّ خفّفها لخمس صلواتٍ بأجر خمسين.
- حادثة شقِّ الصدر: وهو أمرٌ يتناسب مع الرسالة التي بعث الله بها نبيّه، وفي ذلك تهيئة للنبي -صلّى الله عليه وسلّم- لما سيواجهه في رحلة الإسراء والمعراج؛ معنوياً وجسدياً، حيث أرسل الله جبريل فشقّ صدره وغسله بماء زمزم وملأه إيماناً وحكمة، فقد ثبت عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-: (أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ أتاهُ جِبْرِيلُ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ وهو يَلْعَبُ مع الغِلْمانِ، فأخَذَهُ فَصَرَعَهُ، فَشَقَّ عن قَلْبِهِ، فاسْتَخْرَجَ القَلْبَ، فاسْتَخْرَجَ منه عَلَقَةً، فقالَ: هذا حَظُّ الشَّيْطانِ مِنْكَ، ثُمَّ غَسَلَهُ في طَسْتٍ مِن ذَهَبٍ بماءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ لأَمَهُ، ثُمَّ أعادَهُ في مَكانِهِ). فإن صَلُح القلب صَلُحت باقي الأعضاء، قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (ألَا وإنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً: إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وإذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، ألَا وهي القَلْبُ).
- البُراق: وهو من أعظم ما كرّم الله به رسوله في ليلة الإسراء والمعراج ، حيث أرسل له جبريل يحمله على البراق، فأعزّه الله وكرّمه كما يكرِم أهل الجنّة بدخولها راكبين، وقد أخذ رسول الله بالأسباب فلمّا نزل عنها ربطها كي لا تفلت، وهو أمرٌ لا يتنافى مع التوكُّل. والبُراق هو دابّةٌ تُشبه سائر الدّواب، وحجمه متوسطٌ بين الحمار والبغل.
- المسجد الأقصى : وفيه إشارة ودلالة لعموم رسالة النبيِّ محمد وعالميّتها، فدعوته عامة لكلّ بلد، كما صلّى إماماً بالأنبياء فيه، وفيه دلالة على أنّ رسالة سيّدنا محمد ناسخة لجميع الرسالات السماوية قبله، والإمامة بحدّ ذاتها تدلّ على الاقتداء، فقد اقتدى به الأنبياء حينما صلّوا خلفه، وكانت دعوتهم جميعاً إلى الإيمان بالله والابتعاد عن الشرك، كما ربطت هذه الرحلة بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى، ودعت إلى شدّ الرحال إليهما، والعمل على تطهير مثل هذه الأماكن المقدسة من كل شرك.
- علوّ الله -تبارك وتعالى-: فقد صعد رسول الله إلى السماوات العُلا حتى وصل إلى سدرة المنتهى وكلّمه الله -تعالى-، قال -تعالى-: (ثمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ).
- تأكيد هوية القدس الإسلامية، والتخفيف عن رسول الله ومواساته وتثبيته: فقد لاقى النبي من قومه الأذى والإعراض، ثم وقعت حادثة الطائف التي رفض فيها أهل الطائف دعوة رسول الله وآذوه، وفي ذات الوقت كان قد فقد زوجته خديجة وعمّه أبو طالب ، اللّذَيْن كانا لهما دوراً كبيراً في مناصرته، فحزن رسول الله عليهما حزناً شديداً، فكانت رحلة الإسراء والمعراج تخفيفاً من الله -تعالى- لقلب نبيّه.
- تعزيز مشاعر الأبوّة وإظهارها، حيث شاهد رسول الله آدم -عليه السلام- يفرح لفرح بني البشر ويحزن لحزنهم، وهذا هو حال جميع الآباء تجاه أبنائهم.
- قول الحق مهما كانت نتائجه، حيث أخبر رسول الله قومه بما حدث معه في هذه الليلة، ولم يأبه لتصديقهم له أو تكذيبهم.
مفهوم الإسراء والمعراج
يُعرّف الإسراء بأنّه مرافقة سيّدنا محمد -صلّى الله عليه وسلّم- لجبريل -عليه السّلام- ليلاً من المسجد الحرام بمكة المكرمة إلى المسجد الأقصى في يت المقدس، ركوباً على البراق، أمّا المعراج؛ فهو صعودهما معاً من المسجدِ الأقصى إلى السماوات العُلا، وقد ورد ذكر هذه الرحلة في القرآن الكريم والسنة النبويّة وأثبتها الصحابة -رضوان الله عليهم-، قال -تعالى-: (سُبحانَ الَّذي أَسرى بِعَبدِهِ لَيلًا مِنَ المَسجِدِ الحَرامِ إِلَى المَسجِدِ الأَقصَى الَّذي بارَكنا حَولَهُ لِنُرِيَهُ مِن آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّميعُ البَصيرُ)، وقد كان الإسراء والمعراج وعودة رسول الله إلى مكة في الليلة نفسها.
أحداث الإسراء والمعراج
وقعت حادثة الطائف التي رفض فيها أهل الطائف دعوة رسول الله وآذوه، ثم جاءت بعدها رحلة الإسراء والمعراج ليثبّت الله بها قلب نبيّه، حيث أسرى الله -عزّ وجلّ- نبيّه بصحبة جبريل -عليه السلام- على دابة البراق ليلاً، من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، فربط النبيّ الدابة عندما وصل بحلقةٍ على باب المسجد، ودخل وأمّ بالأنبياء، ثم صعد به جبريل على البراق حتى وصلا إلى السماءِ الدنيا، فاستفتح له جبريل ففُتح له ووجد بها آدم -عليه السلام-، ثمّ إلى السماء الثانية فوجد بها يحيى وعيسى بن مريم -عليهما السلام-، ثمّ إلى الثالثة فوجد بها يوسف -عليه السلام-، ثمّ إلى الرابعة فوجد بها إدريس -عليه السلام-، ثمّ إلى الخامسة فوجد هارون -عليه السلام-.
ثمّ صعَد إلى السماء السادسة فوجد موسى -عليه السلام-، ثمّ إلى السماء السابعة فوجد إبراهيم -عليه السلام-، وفي كل سماءٍ كان يُرحَّب به ويقرّ النبيّ الموجود فيها بنبوّته -عليه أفضل الصّلاة والسّلام-، ثم عرج به جبريل حتى وصل سدرة المنتهى والبيت المعمور، ثمّ منها إلى الله -سبحانه وتعالى-، ففرض عليه خمسون صلاة، فلما عاد ومرّ على موسى سأله عمّا فرضه الله عليه، فأخبره النبيّ، فطلب منه أن يعود ويطلب من الله أنّ يُخفّف عن أمته، فنظر سيدنا محمد إلى جبريل فأجابه، فعاد خفّفها إلى أربعين صلاة، وما زال يفعل ذلك حتى صارت خمس صلواتٍ في اليوم والليلة.
وعُرض على رسول الله في هذه الليلة الخمر واللّبن، فأخذ اللّبن، وشاهد أربعة أنهر؛ اثنان ظاهران وهما النيل والفرات، فدلّ ذلك على انتشار رسالة الإسلام، وآخران باطنين، ورأى الجنّة والنار، وخازن النار، ومَن يأكلون أموال اليتامى بغير حقٍّ وهم يُعذَّبون في النار، ومن يتعاملون بالرّبا، والزُّناة، وكلّ من هؤلاء يُعذَّب في النار بنوعٍ من العذاب، فلمّا حلّ الصباح أخبر رسول الله قومه بما حدث معه، لكنّهم عارضوه وكذّبوه وطلبوا منه أن يصف لهم بيت المقدس، فوصفها لهم وصفاً دقيقاً صحيحاً، ورغم استغرابهم من دِقّة ما يقوله لهم إلّا أنّهم ازدادوا كفراً وإعراضاً وتكذيباً وعناداً، ولم يصدّقة حينها إلا أبا بكر -رضي الله عنه-، ولذلك سُمّي بالصدّيق.