فضل صوم شعبان
فضل صوم شعبان
الصيام في شهر شعبان سُنَّةٌ، ويُستحبُّ الإكثار من الصيام فيه؛ لفعل النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فقد ورد عن عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (ما رأيتُ رسولَ اللَّهِ ، في شهرٍ أكْثرَ صيامًا منهُ في شعبانَ)، وعدَّ بعض أهل العلم صيامه كصيام الراتبة لشهر رمضان؛ فهو من السُّنن القبليّة التي يؤدّيها العبد قبل شهر رمضان ، ويُتبع صيام رمضان بصيام ستة أيام من شهر شوال، فتكون كالسُن الراتبة قبل الصَّلاة وبعدها، ومن فضائل صيام شعبان تهيئةُ النفسِ وتعويدها على صيام رمضان الفضيل. والمقصد من الإكثار من صيام شعبان هو التقوّي وتدريب النّفس على صيام شهر رمضان، وليس المراد تخصيص هذا الشهر بالفضل دون غيره، فمن لم يألَف الصوم قبل رمضان فإنَّه قد يصيبه التعب في أول أيام رمضان، مع الحرص على عدم المبالغة في الصيام في شعبان؛ حتى إذا جاء رمضان يكون المسلم بكامل قِواه ليؤدّي صوم رمضان وهو الفريضة، فلا ينشغل بالنافلة عن الفرض؛ لذلك نهى النبيّ عن الصيام بعد مُنتصف شعبان.
وتُرفع أعمال السَّنة إلى الله -سبحانه وتعالى- في شعبان من كُلِّ عام، وتُرفع أعمال الأسبوع في يومي الاثنين والخميس، وتُرفع في كُلِّ يوم، كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ذاك شهرٌ يغفلُ الناسُ فيه عنه، بين رجب ورمضانَ، وهو شهرٌ تُرفَعُ فيه الأعمالُ إلى ربِّ العالمين، و أُحِبُّ أن يُرفَعَ عملي و أنا صائمٌ)، وكل عرض له حكمة عند الله -عزّ وجلّ-، يُطلع عليها من يشاء من خلقه ويُخفيها عمن يشاء في علم الغيب عنده، فإنّه لا يخفى عليه شيء من أعمال عباده -سُبحانه-.
وصيام شعبان له العديد من الفوائد، فصيامه يكون مخفيّاً ويغفل عنه النّاس عادةً، لأنه يقع بين شهرين عظيمين؛ الشهر الحرام وشهر الصيام، وإخفاء النوافل عن النّاس أفضل، فلا يدخل فيها الرياء ، كما أنَّ صيامه فيه مشقّة على النفس؛ لقلّة أهل الطاعة في هذا الشهر، وطبيعة النّفس البشرية تتأثر بمن حولها، وإذا التزم العبد بصيامه دلَّ على وجود الخير فيه، حيث تفرَّد عن غيره من الناس بانشغاله بالطاعة بدلاً من انشغاله بالعادات والشهوات كباقي الناس، كما أنَّه يستشعر حلاوة الصيام ولذّته قبل دخول رمضان، ولأهميّة هذا الشهر فإنَّه يُشرع فيه ما يُشرع في شهر رمضان، فقراءة القرآن من القُربات المُهمّة في هذا الشهر؛ لترويض النفس على طاعة الله، فقد قيل فيه إنَّ شهر شعبان شهر القُرّاء.
إكثار النبي من صوم شعبان
كان رسول -صلى الله عليه وسلم- يُكثر من الصّوم في شعبان؛ تطوّعاً لله -تعالى-، فهو من أكثر الشهور التي صام بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، حيث كان شديد الحرص على صيام ما تيسّر له منه، وهذا ما أكَّدته الأحاديث النبويّة التي جاءت عن هدي الرسول -صلى الله عليه وسلم- في صيام شعبان، ويُعدُّ صيام شعبان أفضل من صيام الأشهر الحرم؛ لقربه من شهر رمضان، وأفضل صيام التطوّع ما كان قبل رمضان وبعده؛ فهي بمنزلة السُّنن الرواتب للفرائض، بحيث تكون مُكمّلة لما في الفرائض من النقص، ويُستحب إحياء هذا الشهر بالطاعة لأنه وقت غفلة النّاس، مع كراهة صيام ما قبل رمضان بيوم أو يومين؛ لئلا يختلط صيام شعبان بصيام رمضان، وحتى يستريح العبد قبل صوم فرض شهر رمضان، مع التنبيه أن حكم إحياء ليلة النّصف من شعبان تخصيصاً لا أصل لها.
ومما ورد من أسباب كثرة صيام النبيّ -صلى الله عليه وسلم- في شعبان؛ أنّ هذا الشهر كان الناس يغفلون عن صيامه كما ورد سابقاً في المقال، حيث كانوا ينشغلون عنه بصيام رجب، فيهملون صيام شعبان الذي يأتي بعده، وذُكر من الأسباب أيضاً أنَّه اعتاد على صيام ثلاثة أيام من كل شهر، فربما اجتمع عليه عدداً من هذه الأيام التي كان لا يصومها بسبب سفرٍ أو أيِّ انشغال آخر، فكان يصوم هذه الأيام المتراكمة من صيام ثلاثيات كل شهر في شعبان، وقيل إنَّه كان يصوم شعبان ليُشارك زوجاته في الصيام اللّواتي تأخّر قضاؤهنّ لرمضان؛ إرفاقاً بهن، لأنَّ زوجات النبيّ -رضي الله عنهن- كانوا يقضون ما عليهنّ من رمضان في شهر شعبان، فيصوم النبيّ معهم أكثر شعبان؛ ليكون عوناً لهنّ على قضاء عليهنّ.
حكم الصيام بعد النصف من شهر شعبان
ذهب جمهور العلماء إلى جواز صيام النصف من شعبان وما بعده، وقد استدلّوا بحديث عمران بن حصين أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال له أو لآخر: (أَصُمْتَ مِن سُرَرِ شَعْبَانَ؟ قالَ: لَا، قالَ: فَإِذَا أَفْطَرْتَ، فَصُمْ يَومَيْنِ)، وهذا بسبب تفسيرهم لكلمة السُّرَر التي بمعنى: الوَسط، أمّا الحنابلة؛ فذهبوا إلى كراهيّة صيام النصف من شعبان، وقد استدلّوا بحديث أبي هريرة أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إذا انتصف شعبان، فلا تصوموا حتى يكونُ رمضانُ)، واستدلَّ الشافعية بنفس الحديث الذي استدلّ به الحنابلة فقالوا بالتحريم؛ وسبب التحريم أنَّ صيام ما بعد النِّصف من شعبان قد يُضعف الشخص عن صيام رمضان.
ويُستثنى عند الشافعية من حُرمة صيام ما بعد النّصف من شعبان وصيام يوم الشك أن يكون صيام ذلك اليوم لعادةٍ اعتاد عليها العبد، أو وصل صيامه بيوم مما قبل النصف الثاني من شعبان، أمّا الذي لا يتعوّد على عادة معينة كصوم الاثنين أو الخميس، أو صيام الرواتب، فلا يصوم إذا انتصف شعبان، غير أنّه إذا اعتاد وكان له صيام رواتب فيجوز له أن يصوم بشرط أن لا يصوم قبل رمضان بيوم أو يومين؛ حتى لا يدخل صيامه في صيام يوم الشك، وحتى يستريح العبد من الصيام فيدخل على رمضان وهو بقوة ونشاط، ولئلا يختلط النفل بالفرض.
مكانة شهر شعبان
سُمِّي شعبان بهذا الاسم، من الشَّعب؛ وهو الاجتماع، لأنَّه يجتمع فيه الخير الكثير كرمضان، وقيل لأنَّ العرب كانوا يتشعّبون فيه بالأرض لطلب الماء، وقيل لأنّه شَعَب بين شهرَي رمضان ورجب، وقيل لأنّ العرب تكون في رجب ممتنعة عن القتال و الحرب؛ لأنه من الأشهر الحُرم، فتتشعّب في شهر شعبان، كما أنّ رسول الله قد أحبَّ هذا الشهر وفضّله على غيره؛ فأكثر من الصِّيام فيه؛ لأنّ الأعمال تُرفع لله فيه؛ ليزرع في قلب المؤمن خصلة الحياء من الله، فمن عَلِم بذلك يحرص على أن يُعرض عمله على الله وهو في طاعة، كما أنَّ هذا الشهر فرصة للتوبة إلى الله، وطلب المغفرة منه، والصفح بين البشر ونزع الحقد من القلوب، بالإضافة إلى اعتباره شهر يُراجع فيه العبد أعماله في أيامه السابقة، فيحرص المسلم على سقاية ما تم زرعه في شهر رجب من الطاعات حتى يحصد في شهر رمضان، وهو طريقٌ للجنان، وتدريبٌ لرمضان، وفيه الدعاء بأن يُبلَّغ العبد رمضان، وفرصة للدخول في جوٍّ روحانيٍّ قبل رمضان مع القرآن، واستشعار لذّة القرب من الله بقيام الليل والإكثار من الطاعات، ويتزوّد المسلم فيه بالمعلومات الفقهية التي تهمّه بشأن الصيام.