فضل أواخر سورة الكهف
فضل أواخر سورة الكهف
ختم الله -تعالى- سورة الكهف بآياتٍ عظيمةٍ، وقد حثَّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- على حفظ هذه الآيات وقراءتها على الدَّوام؛ وذلك لما فيها من الفضائل والمعاني ما ليس في غيرها من السُّور، ومن فضائل هذه الآيات ما يأتي:
- يعدُّ حفظ وقراءة خواتيم سورة الكهف عاصماً للمؤمن من فتنة المسيح الدَّجال، وقد أمر رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- مَنْ أدرك المسيح الدَّجال أن يقرأ هذه الآيات في وجهه ليعصمه الله -تعالى- من فتنته العظيمة، قال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: (مَن حَفِظَ عَشْرَ آياتٍ مِن أوَّلِ سُورَةِ الكَهْفِ عُصِمَ مِنَ الدَّجَّالِ)، وفي روايات أخرى: "من أواخر سورة الكهف"، وهذا من أقوى الأحاديث وأصحِّها التي جاءت في فضل قراءة سورة الكهف دون تخصيصِ يومٍ محدَّدٍ لها.
- تبيِّن هذه الآيات العذاب والوعيد الشَّديد الذي أعدَّه الله -تعالى- لمن كفر به، و ما أعدَّه الله -تعالى- للمؤمنين من عظيم الأجر والثَّواب، وتحذِّر أهل الضَّلال وتبيّن لهم أنّ أعمالهم في خسارةٍ، وستذهب سُدىً يوم القيامة ، مع أنّهم كانوا يعتقدون في الدُّنيا أنَّهم أحسنوا وقدَّموا خيراً، ولكن لا وزن لهم ولا وجود في ذلك اليوم العظيم لسوء عملهم وضلالهم، أمَّا الذين آمنوا بربِّهم وعملوا صالحاً فقد وعدهم الله -عزَّ وجل- بالفردوس الأعلى الذي يكون في منتصف الجنَّة وأعلاها، ليُعليَ الله -تعالى- مكانة هؤلاء المؤمنين، فينعمون بها ولا يفكِّرون بالخروج منها أبداً، لشدَّة ما فيها من نعيم.
- تستعرض الآيات الأخيرة في هذه السُّورة نعماً جليلةً أنعمها الله -تعالى- على عباده، فيتأمَّلها المسلم ويتَّعِظُ بها، وقد ضرب الله -تعالى- مثلاً لبيان عظمته وأنَّ كلمات الله -عزَّ وجل- باقيةٌ لا تنفد أبداً، ولو كانت كلماته كالبحر لانتهى البحر على اتِّساعه ونفد قبل أن تنفد كلماته وأوامره -تبارك وتعالى-، وكلمات الله -تعالى- هي أحد صفاته التي تنتهي، فهو يتكلَّم بما يشاء وقتما يشاء، قال -تعالى- فيها: (قُل لَو كانَ البَحرُ مِدادًا لِكَلِماتِ رَبّي لَنَفِدَ البَحرُ قَبلَ أَن تَنفَدَ كَلِماتُ رَبّي وَلَو جِئنا بِمِثلِهِ مَدَدًا).
- تؤكِّد الآيات على بشريَّة النَّبيِّ محمَّد -صلَّى الله عليه وسلَّم- وأنَّه ليس مَلَكاً، بل هو بشرٌ يتَّصف بكلِّ صفات البشر، غير أنَّ الله -تعالى- يمدُّه بوحيٍ من عنده، وفي ذلك ردٌّ على كفَّار قريش الذين لا يقبلون أن يكون نبيِّهم من البشر، وذلك في قوله -تعالى-: (قُل إِنَّما أَنا بَشَرٌ مِثلُكُم يوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلـهُكُم إِلـهٌ واحِدٌ فَمَن كانَ يَرجو لِقاءَ رَبِّهِ فَليَعمَل عَمَلًا صالِحًا وَلا يُشرِك بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا).
- تضمُّ الآية الأخيرة من سورة الكهف أمراً مهمّاً من أمور الدِّين، فهي تحدِّد أساس قبول الأعمال عند الله -تعالى-، وأنَّه لا يُقبل عملٌ عند الله -تعالى- إلَّا إذا وافق أمرين ذُكرا في الآية الكريمة وهما: أن يوافق هذا العمل شرع الله -تعالى- ولا يكون مبتدعاً، وأن يكون خالصاً لله -تعالى- وحده ولا يُشرك معه أحداً سواه، قال الله -تعالى-: (فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا).
فضل سورة الكهف عموما
انفردت سورة الكهف من بين سور القرآن الكريم باشتمالها على الكثير من المعاني، والقيم، والقصص القرآني، وتفصل لبعض علامات السَّاعة الكبرى، وقد ورد عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- العديد من الأحاديث التي تبيِّن فضل سورة الكهف، ومن فضائلها ما يأتي:
- تحمي المؤمن وتعصمه من الوقوع في فتن الدُّنيا وفتنة المسيح الدَّجال عند وقوعها؛ لثبوت الحديث أبي الدَّرداء الذي ذُكر سابقاً.
- تُرسِّخ في قلب المؤمن العقيدة السَّليمة؛ وذلك من خلال تقديمها للقصص المختلفة، مثل قصَّة أصحاب الكهف، وقصَّة موسى -عليه السَّلام- مع الخضر، إلى جانب قصَّة آدم -عليه السّلام- مع إبليس، وقصَّة ذي القرنين ؛ حيث اشتملت هذه القَصص على العبر والعظات النَّافعة للبشر التي من شأنها أن تُعلِّم الإنسان التَّوحيد والإيمان الصَّحيح.
- تعدُّ نوراً لمن يقرؤها، فهي تُنير بصيرته وتُضيء طريقه، وتُحصِّنه من الاندفاع خلف زخارف الدُّنيا، كما أنَّها من أوائل ما نزل كما روى عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنهما-: (هُنَّ مِنَ العِتَاقِ الأُوَلِ، وهُنَّ مِن تِلَادِي)، وتلادي أي أنَّها من قديم ما حفظ.
- يَنعَم قارئ سورة الكهف بسكينةٍ وراحةٍ تغشاه وتحيطه، فقد صحَّ في ذلك حديث البراء بن عازب -رضي الله عنه- أنَّه قال: (كانَ رَجُلٌ يَقْرَأُ سُورَةَ الكَهْفِ وَعِنْدَهُ فَرَسٌ مَرْبُوطٌ بشَطَنَيْنِ، فَتَغَشَّتْهُ سَحَابَةٌ فَجَعَلَتْ تَدُورُ وَتَدْنُو، وَجَعَلَ فَرَسُهُ يَنْفِرُ منها، فَلَمَّا أَصْبَحَ أَتَى النبيَّ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- فَذَكَرَ ذلكَ له، فَقالَ: تِلكَ السَّكِينَةُ تَنَزَّلَتْ لِلْقُرْآنِ)، والسَّكينة هي شيءٌ خلقه الله -تعالى- يبعث الاطمئنان والارتياح في قلب المسلم، وهناك العديد من الأحاديث التي ترغِّب في قراءة هذه السُّورة، وفي المداومة عليها الخير الكثير، ولكنَّه لم يصحَّ تخصيص يوم محدَّدٍ أو وقتٍ محدَّدٍ لقراءتها كتخصيص ليلة الجمعة، وقراءتها بركة في كلِّ الأيام.
التعريف بسورة الكهف
تعدُّ سورة الكهف من السُّور المكِّيَّة التي نزلت على رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في مكَّة المكرَّمة قبل الهجرة، وقد نزلت عليه بعد سورة الغاشية، وهي إحدى السُّور الخمس التي افتتحت بحمد الله -تعالى-، وجاء ترتيبها في القرآن الكريم السُّورة الثَّامنة عشرة بعد سورة الإسراء، وتليها سورة مريم، وقد اكتسبت موقعاً مميَّزاً في القرآن الكريم لمجيئها في منتصفه في نهاية الجزء الخامس عشر وبداية الجزء السّادس عشر من القرآن الكريم، أمَّا عدد آياتها فهي مئةٌ وعشر آيات، وهي من السُّور الجامعة؛ أي التي تجمع فيها معانٍ مختلفة من مشاهد يوم القيامة، والقصص المختلفة، وأخبار الأمم السَّابقة، وتدور كلُّها حول محور تصحيح العقيدة الإسلاميَّة وغرس الفِكر السَّليم.
سبب نزول سورة الكهف
نزلت سورة الكهف في مكَّة المكرَّمة عندما سأل كفار قريش رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بتحريضٍ من اليهود، وكان هدفهم من هذه الأسئلة إحراج الرسول -عليه الصلاة والسلام- واختباره، فقال اليهود للنَّضْر بن الحارث وعقبة بن أبي مُعَيْطٍ: "سَلُوهُ عن ثلاثٍ فإنْ أخْبَرَكُم بهنَّ فهوَ نبيٌّ مرسَلٌ، وإلا فهوَ رجلٌ مُتَقَوِّلٌ، سلُوهُ عن فِتْيَةٍ ذهبوا في الدهْرِ الأوَّلِ ما كانَ من أمرِهِم؟ فإنَّهُم كانَ لهمْ حديثٌ عجِيبٌ، وسلُوهُ عن رجلٍ طوَّافٍ طافَ مشارِقَ الأرضِ ومغارِبَها ما كان نَبَؤُهُ؟ وسلُوهُ عن الرُّوحِ ماهُوَ؟"، فجاءهم الردُّ من السَّماء بنزول سورة الكهف.