عمل الخير لوجه الله
فعل الخير
أمَر الله -عزّ وجلّ- عباده بفعل الخيرات، وحثهم على المسارعة إلى الطاعات ، فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)، فمن أرقى الغايات التي يسعى الإنسان إلى وصولها ويحرص على أدائها هي فعل الخيرات والمسارعة إليها، وبهذا تسمو إنسانيته، وتكتمل بشريته، ويتشبه بالملائكة، ويتصف بالأخلاق التي اتصف بها الأنبياء والمرسلين، فقد حثّ الدين الإسلامي على فعل الخير مع جميع الناس بغض النظر عن الاختلاف فيما بينهم، سواءً كان في الجنس أو في المعتقد أو في العرق أو في اللون وما إلى ذلك، ومع ذلك فإن الغايات تختلف فيما بين البشر، فمنهم من تظهر أنانيته فيتجبر ويعلو في الأرض بغير الحق، ومنهم ما يكون هدفه فعل الخير والمسارعة إليه.
ويُطلق الخير على كل ما ينتفع به المرء عاجلاً أم آجلاً، وهو نِسبيّ؛ منه ما يقابل بالشر، ومنه ما يقابل بخير آخر لكونه أفضل منه، ويعتبر العمل الخيري في الإسلام كباقي الأمور التي يقوم بها المسلم باستمرار، وهو من الأمور التي يتقرب بها المسلم من الله تعالى، كما أنه جزء من العبادة، وأكثر الله من ذكر العمل الخيري والحث عليه، وجعله سبباً من أسباب الفوز والفلاح، فقال: (اللَّـهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّـهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللَّـهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ* يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)، وإضافة إلى فعل الخير فقد حثّ الله -تعالى- على دعوة الآخرين إليه، كما أن الله -عزّ وجل- يوازن بين ما في الدنيا من المفاتن وما أمَر به من الاتصاف بمكارم الأخلاق ، حيث أن الالتزام بهذه المكارم أبقى أثراً وأدوم نفعاً، وهي الأولى بأن تحظى باهتمام الإنسان ، وهي خير له من الدنيا وما فيها.
التنافس في الخيرات وصوره
حرص رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وصحابته الكرام على التنافس في الطاعات وفعل الخيرات، وجعل الله جزاء ذلك مغفرة منه وجنة عرضها السماوات والأرض، ومدح الله الأنبياء عليهم السلام لما اتصفوا به من المسارعة في الخيرات، فقال سبحانه: (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ)، وحثّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على المنافسة على الصف الأول في الصلاة ، فقال عليه السلام: (لو يَعلَمُ الناسُ ما في النِّداءِ والصفِّ الأولِ، ثم لم يجِدوا إلا أن يَستَهِموا لاستَهَموا عليه، ولو يعلَمون ما في التَّهجيرِ لاستَبَقوا إليه، ولو يَعلَمون ما في العَتَمَةِ والصبحِ لأَتَوهما ولو حَبوًا).
ومن صور التنافس في فعل الخيرات المسابقة إلى إخراج الصدقات، حتى ولو كان المخرِج مقتصراً على نفسه، ولا تكون الصدقة بالمال فقط، فمنها ما يكون بالعمل، ومنها ما يكون بإعانة ذا الحاجة الملهوف، ومنها ما يكون بعمل المعروف، ومن أحب الأعمال إلى الله بفعل الخير نفع الغير ، وكذلك سرور يدخله المسلم على قلب أخيه المسلم، أو يكشف عنه كربة، أو يقضي عنه ديناً، أو يستر عنه عورة، ومن الصدقة أيضا التبسم في وجه الآخرين، ومن الأعمال التي يحبها الله كذلك تعليم الناس الخير، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: (إنَّ اللَّهَ وملائِكتَهُ وأَهلَ السَّماواتِ والأرضِ حتَّى النَّملةَ في جُحرِها وحتَّى الحوتَ ليصلُّونَ على معلِّمِ النَّاسِ الخيرَ).
وفعل الخير يبقى مستمراً إلى أن تقوم الساعة، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنْ قامَتِ الساعةُ وفي يدِ أحدِكمْ فَسِيلةٌ، فإنِ استطاعَ أنْ لا تقومَ حتى يَغرِسَها فلْيغرِسْهَا)، وممّن حرص على المسابقة في الخير من أصحاب رسول الله، سيدنا بلال بن رباح -رضي الله عنه- مثلاً، فقد سمِع رسول الله دفّ نعليه في الجنة ، ولّما سأله عن سبب ذلك أجابه بلال -رضي الله عنه- بأنه لم يتطهر طهوراً في ليل أو نهار إلا صلّى بعده ما تيسر له من الركعات، فقد كان سبّاقاً إلى الجنة بوضوئه وصلاته، وها هو أبو بكر -رضي الله عنه- لم يجد طريقاً وعلِم أن فيه أجراً وخيراً إلا سلكه، ولما سأل رسول الله أصحابه عمّن كان صائماً ومن تبع جنازة ومن أطعم مسكيناً ومن عاد مريضاً، كان أبو بكر من فعل كل هذا، ورُوي الكثير كذلك عن الصحابة؛ كعمر بن الخطاب، وأبي بكر الصديق، وأبي طلحة الانصاري في مسارعتهم إلى فعل الخير ونفع الغير رضي الله عنهم جميعاً.
ثمرات العمل الصالح في الدنيا والآخرة
خلق الله السماوات والأرض، وجعل في الأرض زينة و فيها الحياة والموت ، وجعل الغاية والحكمة من الخلق هي العمل الصالح الحسن، فقال تعالى: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ)، ويكون العمل صالحاً إن كان العبد مخلصاً فيه مبتغياً وجه الله، وكان على وفق الشرع، كما يجب أن يكون متأسياً فيه برسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وغير ذلك من الأعمال هو ما كان عملاً طالحاً، وفيما يأتي بيان لثمرات العمل الصالح بشكلٍ مفصّل:
- الاستخلاف في الأرض وتمكين الدين، والأمن بعد الخوف في الدنيا والآخرة، قال تعالى: (وَعَدَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا)، وتحقيق الأمن والاهتداء.
- الحياة الطيبة وتكفير السيئات، والثبات على الحق حتى الممات، وما يتبع ذلك من دخول الجنة والرفعة في الدرجات، ومما يتفضل الله به على أهل الإيمان أنهم بعد ندمهم على المعصية وتوبتهم منها؛ يكفّر الله عنهم سيئاتهم ويرفع درجاتهم، ويجعل ندمهم عليها في عداد حسناتهم.
- الشهادة بالعمل الصالح للمسلم يعدّ من تعجيل البشرى له في الدنيا قبل الآخرة .
- كلما أكثر المسلم وزاد من العمل الصالح زاده الله رفعة ودرجة، وكلما أنفق نفقة يحتسبها لله كانت له أجراً، حتى وإن كانت واجبة في حقه.
- نيل الكرم من الله تعالى؛ فإن الله يجازي عباده على أحسن ما يصدر منهم من أعمالهم الصالحة، لا أوسطها ولا أدناها، ثم يضاعف الله هذا الثواب أيضاً.
- تفريج الكربات، فرُبّ صدقة سر أخرجها العبد لوجه الله تعالى، ورُبّ ذهابٍ إلى صلاة الفجر والناس نيام، فرّجت على المؤمن ضيقته وشدّته، فيرضيه الله -تعالى ولا يخذله.
نماذج للتعود على فعل الخير
من رحمة الله -تعالى- أنه من كان معتادا على فعل الخير، ثم قصّر فيه في يوم من الأيام لعذر أو ظروف طارئة، فإن الله يكتب له الأجر والثواب حتى وإن لم يفعله، وهذا يجعل المؤمن دائم الصلة بالله، وحسناته مستمرة لا تنقطع، ويجعل البركة في أيامه وأوقاته، ومن الوسائل والنماذج التي تساعد على الاعتياد على عمل الخير ما يأتي:
- النوم على طهارة قبل النوم.
- تلاوة القرآن الكريم وختمه في الشهر.
- صوم عدّة أيام من كل شهر.
- الحرص على التبكير للصلاة دائما.
- استحضار نية الخير كل يوم، ومع كل عمل وقول، بأن يقصد المسلم ما يفعله من الأعمال الصالحة طيلة اليوم لوجه الله تعالى.
- التصدّق باستمرار.
- أن يكون للإنسان عبادات خفيّة لا يعلمها أحد إلا الله.
- مساعدة الآخرين ونفعهم، فهي من أعظم العبادات التي يحبها الله تعالى، وفيها إدخال السرور على قلب المسلم، فينفع الإنسان غيره بالعلم، أو المال، أو الكلمة الطيبة والنصيحة وغيرها، فقد رُوي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (أفضلُ الأعمالِ أن تُدخِلَ على أخيك المؤمنِ سرورًا، أو تقضي عنه دَيْنًا، أو تطعمَه خبزًا).