علامات قوة الايمان
علامات قوّة الإيمان
تدّل على قوّة الإيمان العديد من العلامات والأمارات التي تنعكس على سلوك صاحبها، يُذكر منها:
- التزام شرع الله -تعالى-؛ بفَعْل الأوامر، والوقوف عند الحدود والنّواهي، كما قال -سُبحانه-: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّـهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).
- تعلُّق القلب بالله وحده، والاعتماد عليه دون مَن سواه؛ إذ إنّ العبد يؤمن بأنّ الله هو الخالق الرازّق المدبّر لشؤون الخَلْق، فلا يسأل إلّا أيّاه، ولا يخشى، ولا يتوكّل إلّا عليه، قال -تعالى-: (أَلَيْسَ اللَّـهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ).
- دَفْع وساوس الشيطان ، وعدم الاسترسال معها؛ إذ إنّها تُضعف الإيمان، ولذلك قال النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (فإذا وجدَ ذلكَ أحدُكُم فليقلْ: آمنتُ باللهِ ورسولِهِ).
- محبّة أهل الإيمان، وموالاتهم، واستشعار الأخوّة الإيمانيّة، قال النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (إنَّ المُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا وشَبَّكَ أصَابِعَهُ).
- العصمة من الأخلاق الرذيلة، والتحلّي بكريمها، ولذلك فإنّ الله -جلّ وعلا- إن أراد الدعوة إلى خُلُقٍ كريمٍ؛ نادى عباده بوصف الإيمان، المُقتضي للاستجابة لأمر الله ونَهْيه، كقَوْله -سُبحانه-: (يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَكونوا مَعَ الصّادِقينَ).
- الثبات في المِحن، ومُجابهة الفِتن، فإنّ الله جعل الدُّنيا دار بلاءٍ وابتلاءٍ، قال -تعالى-: (وَنَبلوكُم بِالشَّرِّ وَالخَيرِ فِتنَةً)، والمؤمن الصادقُ راسخٌ رسوخ الجبال عند مواجهة الفتن، لا تؤثّر فيه الأهواء، ولا يُغيّره ازدراءُ الناس، يستصحب تقوى الله -عزّ وجلّ- في كلّ حالٍ.
- الصبر عند المصائب؛ رضاً بقضاء الله وقدره، واحتساباً للأجر من عنده، فالمؤمن يتقلّب بين الصبر والشُّكر، كما قال النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له).
- المواظبة على أداء الصلاة جماعةً، استجابة لنداء الله؛ فهي من دلائل صلاح القلب، ونور البصيرة، كما أنّ التهاون فيها من دلائل ضعف الإيمان، قال -تعالى-: (وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ).
- التسليم التام لأمر الله -عزّ وجلّ-، والاحتكام إلى كتابه، وسنّة نبيّه -صلّى الله عليه وسلّم- عند التنازع، فلا يكمل إيمان العبد إلّا بذلك، كما قال -سُبحانه-: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).
طُرق زيادة قوّة الإيمان
تجدر الإشارة إلى أهمّ طُرق زيادة الإيمان، وهي:
- العلم: والمُراد به العلم الذي يقرّب من الله -سُبحانه-، ويٌبتغى به نَيْل رضاه؛ كالعلم بالله، وأسمائه، وصفاته، وآياته الدالّة على قدرته، والعلم بسيرة نبيّه -صلّى الله عليه وسلّم-، وما فيها آدابٍ، وأخلاقٍ، وأحكامٍ، وتشريعاتٍ ربانيّةٍ، كما قال -سُبحانه-: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ).
- العبادة: فإنّ التقرّب من الله -جلّ وعلا- بشتّى أنواع القُربات؛ من صلاةٍ، وصيامٍ، وصدقةٍ، وبرٍّ بالوالدين، وأمرٍ بالمعروف، ونهيٍ عن المُنكر، وغير ذلك؛ ممّا يقوّي الإيمان، ويرتقي بها العبد في درجات اليقين .
- الذِّكْر والتدبّر: فذِكْر الله -جلّ وعلا- طمأنينةٌ للقلب، وجلاءٌ له من الهموم والغموم، وتطهيرٌ للنَّفس من أدرانِ الذنوب ، وقوةٌ للإيمان، كذلك التدبّر في آيات الله الكونيّة، وغيرها، قال -تعالى-: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ*الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّـهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)، فدعا الله أرباب العقول إلى التفكّر في خَلْق السماوات والأرض، والنَّظر في آيات قُدرته، وبيّن أنّ ذلك مع الذِّكْر؛ من أسباب زيادة الإيمان، والخوف منه -سُبحانه-.
- الصمت الحكيم: فيكون الكلام حين يكون نافعاً، والصمت حينما يكون الصمت أنفع من الكلام؛ فإنّ كثرة الكلام سببٌ للوقوع في الخطأ، وهو جالبٌ لقسوة القلب، وضعف الإيمان، قال النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أوْ لِيَصْمُتْ).
- الاعتبار من أحوال الأُمم السابقة: فقد دعا الله عباده إلى السياحة في الأرض، والنَّظر في أحوال مَن سلف، للاتعاظ والاعتبار بحالهم، قال -تعالى-: (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ).
- الدُّعاء: بأن يُقبل العبد على ربّه، وخالقه، ومدبّر أموره، ويسأله الهداية والزيادة في الإيمان، والثبات على ذلك، فإنّ الهداية تُطلب ممّن يملكها، ولا يملك هدايةَ الخلق أحدٌ إلّا الله.
- صُحبة الصالحين الأخيار: فصُحبة الأخيار تُورث رقّةً في القلب، وثباتاً على الإيمان.
- التحلّي بكريم الأخلاق: قال النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (أكملُ المؤمنين إيمانًا أحسنُهم خُلقًا)، فجُعل كمال الإيمان مرتبطاً بحُسْن الخُلق .
ثمرات قوة الإيمان
تترتّب العديد من الثمرات والآثار على صلاح العبد، وقوّة إيمانه، يُذكر منها:
- نَيْل رضا الله -سُبحانه-.
- الفوز بالآخرة؛ بدخول الجنّة، والنّجاة من النّار.
- دَفْع الله عن المؤمنين ما يسوؤهم من أمر الدُّنيا والآخرة، وتأييدهم بالنَّصر.
- تحقيق اليقين، والطمأنينة، وحُسْن الظنّ بالله.
- تحقيق الإخلاص لله -جلّ وعلا- في عبوديته، والنَّصيحة للخَلْق.
- الإعانة على تحمل مشقّة الطاعة، وترك الفواحش والرذائل.
- الإعانة على تحمّل ألوان البلاء التي تُصيب العبد؛ من فقرٍ، أو مرضٍ، وغيرها.
- حُسْن التوكّل على الله ؛ بالاعتماد عليه، وتفويض الأمر إليه، فلا توكّل دون إيمانٍ، ولا إيمانٍ دون توكّلٍ، فالتوكّل يتأثّر تأثُّراً مُباشِراً بالإيمان قوةً وضعفًا، إذ إنّه من لوازم الإيمان، ومُقتضياته، وأصل جميع مقامات الإيمان، وأعمال الإسلام، فمنزلته منها بمنزلة الرأس من الجسد.
التعريف بقوّة الإيمان
قوّة الإيمان؛ ثمرةٌ من ثمار خشية الله -تبارك وتعالى-، فإذا تملّك قلبُ العبد خشيةَ الله، حصلت له قوّةُ الإيمان ، وهي القوة التي تضعف أمام سلطانها كلّ قوّةٍ، فلا قوّة تعلو عليها، يظهر ذلك جليّاً في قصة موسى -عليه الصلاة والسلام-، حينما تغلّب على سحرة فرعون، وقذف الله في قلوبهم الإيمان، وآتاهم قوةً عجيبةً، وقفوا بها أمام جبروت فرعون، بعد أن كانوا أذلّاء ينتظرون منه العطيّة، فخروا لله سُجّداً.
وقد خاصمهم فرعون بكلّ طُغيانٍ وتكبُّرٍ، وهدّدهم بالصَّلْب وتقطيع الأيدي والأرجل، فما زادهم ذلك إلّا إيماناً وثباتاً، وقالوا له: (لَن نُؤثِرَكَ عَلى ما جاءَنا مِنَ البَيِّناتِ وَالَّذي فَطَرَنا فَاقضِ ما أَنتَ قاضٍ إِنَّما تَقضي هـذِهِ الحَياةَ الدُّنيا)، وألهمهم الله -جلّ وعلا- أن قالوا له كلاماً كان خُلاصة ما بعث الله به الرُّسل، فقالوا: (إِنَّهُ مَن يَأتِ رَبَّهُ مُجرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَموتُ فيها وَلا يَحيى*وَمَن يَأتِهِ مُؤمِنًا قَد عَمِلَ الصّالِحاتِ فَأُولـئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ العُلى).
وقوّة الإيمان، وخشية الله؛ كلٌّ منهما يؤدّي إلى الآخر، ومتضمّنٌ له، فقويّ الإيمان، وَجِلٌ من ربّه -سُبحانه وتعالى-، يراقبه، ويسارع إلى فعل الواجبات، ويَحذر من فعل المُحرّمات، ومَن كان ذلك حاله؛ فهو على خيرٍ، أمّا مَن كان في إيمانه ضعفٌ؛ فيكون على النقيض من ذلك؛ فيتساهل في ترك الواجبات، وفعل المُحرّمات؛ كعقوق الوالدين ، والغيبة، والنميمة، وغير ذلك.