أسماء وصفات زوجات الرسول
أسماء زوجات الرسول
السيدة خديجة رضي الله عنها
هي خديجة بنت خويلد بن نوفل، من بني أسد بن عبد العزى، من قريش، وكان والدها زعيم عشيرته، والسيد المُطاع الذي يهابه الجميع، صاحب الكرم والشجاعة، والمكانة الرفيعة في قومه، وأخوه ورقة صاحب الحكمة والرأي السديد، والذي لم يُتابع قومه في شركهم وعبادتهم الأوثان، وأمّها فاطمة بنت زائدة القرشية إحدى نساء قريش وأجملهن، فجمعت السيدة خديجة بين جمال أمها، وقوة أبيها، وحكمة عمها، وتزوّجت السيدة خديجة قبل النبي -صلى الله عليه وسلم- من أبي هالة بن زرارة حتى توفّي عنها، ثم تزوّجت بعده بعتيق بن عائد حتى تُوفّي أيضاً، وقد ورثت منهما المال الوفير والتجارة الرائجة، فكانت من تجّار مكة تدير تجارتها بعقلها وحكمتها، وجمعت السيدة خديجة مع سمعتها التجارية السمعة الطيبة في الجانب الأخلاقي، حتى كانت تُعرف في مكة بالطاهرة، وبسبب هذه السمعة الطيّبة سارع أشراف مكة إلى خطبتها، إلا أنها لم يكن لها رغبة في الزواج لما مرّت به من فقد كلٍّ من أبي هالة وعتيق.
ووافقت سمعتها الطيبة ما انتشر من طيب خلق النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي كان يُعرف بالأمين ، فدفعها ذلك لِأن ترسل إليه وتَعرِض عليه أن يخرج بتجارتها، وأرسلت معه غلامها ميسرة، فرأى من أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عجباً؛ من حسن خلق وصدقٍ وأمانة، إضافة إلى ما شاهده من أمر بحيرة الراهب، لينقل بعد ذلك ما رآه إلى سيدته خديجة، ولما رجع -صلى الله عليه وسلم- بتجارةٍ مباركةٍ مضاعفة الربح، ووافق ذلك الرؤى التي كانت تراها ويعبّرها لها ابن عمها ورقة بالخير، علمت خديجة وقتها أن محمداً هو الرجل المناسب الذي يمكنها أن تقضي بقية حياتها معه، وكان الزواج المبارك الميمون بين أمين مكة وطاهرتها، وأنجبت السيدة خديجة للنبي -صلى الله عليه وسلم- قبل البعثة كلاً من زينب، ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة -رضي الله عنهن-.
وحين نزل الوحي على النبي -صلى الله عليه وسلم- في حراء ، ورجع خائفاً يرتجف ويطلب من أهله أن يزمّلوه؛ كانت له الحضن الدافئ الذي يبعث السكينة والثقة في قلبه، فتقول له: (واللَّهِ، لا يُخْزِيكَ اللَّهُ أبَدًا، واللَّهِ، إنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وتَصْدُقُ الحَدِيثَ، وتَحْمِلُ الكَلَّ، وتُكْسِبُ المَعْدُومَ، وتَقْرِي الضَّيْفَ، وتُعِينُ علَى نَوائِبِ الحَقِّ)، ثم انطلقت به إلى ابن عمها ورقة ليبشّره بالنبوة، وينبّهه لما سيتعرّض له من محاربة قومه له، وكان للسيدة خديجة شرف كونها أول من يدخل في دين الإسلام، ثم بقيت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- عشر سنوات، كانت فيها نِعم معين وخير ناصرٍ له، لتفارقه بعدها وتنتقل إلى الرفيق الأعلى في السنة العاشرة من البعثة، وهذا العام الذي سمّي بعام الحزن .
السيدة سودة رضي الله عنها
هي سودة بنت زمعة بنت قيس، من بني عبد شمس من قريش، وأمّها الشموس بنت قيس من بني النجار من يثرب المدينة، نشأت السيدة سودة في مكة، وتزوّجت من السكران بن عمرو، ودخلت هي وزوجها في دين الإسلام، وحازوا شرف السبق فكانوا من المسلمين الأوائل الذين اتّبعوا الحقّ من ربهم، ولما هاجر المسلمون الهجرة الأولى إلى الحبشة كانت السيدة سودة وزوجها ضمن ذلك الركب المبارك، ثم ما فتِئوا أن عادوا بعدها إلى مكة مع من عاد حين ظنّ المسلمون أنّ قريشاً دخلت في دين الله -تعالى-، إلا أنّ زوجها لم يلبث أن توفّي في مكة بعد عودته بسبب ما أصابه من المرض في الحبشة، فما أن خَيَّم الحزن على قلبها لفقد زوجها، إلا وجاءتها البشرى بخطبة النبي -صلى الله عليه وسلم- لها، لتكون أمًّا للمؤمنين، وأوّل زوجةٍ للنبي -صلى الله عليه وسلم- بعد خديجة، ولتقوم بعمارة بيت النبوة، ورعاية صغار بنات النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد وفاة أمّهن.
وهاجرت السيدة سودة مع من هاجر إلى المدينة، ولما كبرت في السّن وعلمت حب النبي -صلى الله عليه وسلم- لعائشة، آثرتها بيومها ووهبته لعائشة -رضي الله عنها-، وكانت -رضي الله عنها- صاحبة فُكاهةٍ ودُعابة، ووفاء للنبي -صلى الله عليه وسلم- بعد وفاته، وكانت كذلك صاحبة سخاءٍ وصدقةٍ، فحين جاءها نصيبها من فيء خيبر قامت بتفريقه وتوزيعه بين المحتاجين، وتُوفّيت السيدة سودة -رضي الله عنها- في خلافة معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه-، بِسنة أربع وخمسين للهجرة، واختلف هل هي أوّل زوجات النبي -صلى الله عليه وسلم- وفاةً بعده، أم أنّ زينب بنت جحش كانت قبلها.
السيدة عائشة رضي الله عنها
هي عائشة بنت عبد الله؛ وهو أبو بكر الصديق بن عثمان، وهو أبو قحافة من بني تيم من قريش، وأمّها أم رومان الكنانية، كنَّاها النبي -صلى الله عليه وسلم- بأم عبد الله تكريماً لها مع أنّه لم يكن لها ولد، ومن ألقابها: الصِّدّيقة، وبنت الصِّديق، والحميراء، وقد وُلدت السيدة عائشة في نهاية السنة الرابعة من البعثة في مكة، ونشأت في بيت إسلام، حيث وُلدت بعد أن دخل أبوها وأمّها في دين الله -تعالى-، ثم تزوّج بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في السنة العاشرة من البعثة وعمرها ستّ سنوات، وكان زواجه بها بأمرٍ من الله -عز وجل-، فعن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لها: (أُرِيتُكِ قَبْلَ أنْ أتَزَوَّجَكِ مَرَّتَيْنِ، رَأَيْتُ المَلَكَ يَحْمِلُكِ في سَرَقَةٍ مِن حَرِيرٍ، فَقُلتُ له: اكْشِفْ، فَكَشَفَ فإذا هي أنْتِ، فَقُلتُ: إنْ يَكُنْ هذا مِن عِندِ اللَّهِ يُمْضِهِ، ثُمَّ أُرِيتُكِ يَحْمِلُكِ في سَرَقَةٍ مِن حَرِيرٍ، فَقُلتُ: اكْشِفْ، فَكَشَفَ، فإذا هي أنْتِ، فَقُلتُ: إنْ يَكُ هذا مِن عِندِ اللَّهِ يُمْضِهِ).
ولم يبنِ بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى أصبح عمرها تِسع سنوات في السنة الأولى بعد الهجرة، وتقصّ السيدة عائشة -رضي الله عنها- قصة زفافها فتقول: (تَزَوَّجَنِي النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأَنَا بنْتُ سِتِّ سِنِينَ، فَقَدِمْنَا المَدِينَةَ فَنَزَلْنَا في بَنِي الحَارِثِ بنِ خَزْرَجٍ، فَوُعِكْتُ فَتَمَرَّقَ شَعَرِي، فَوَفَى جُمَيْمَةً فأتَتْنِي أُمِّي أُمُّ رُومَانَ، وإنِّي لَفِي أُرْجُوحَةٍ، ومَعِي صَوَاحِبُ لِي، فَصَرَخَتْ بي فأتَيْتُهَا، لا أدْرِي ما تُرِيدُ بي، فأخَذَتْ بيَدِي حتَّى أوْقَفَتْنِي علَى بَابِ الدَّارِ، وإنِّي لَأُنْهِجُ حتَّى سَكَنَ بَعْضُ نَفَسِي، ثُمَّ أخَذَتْ شيئًا مِن مَاءٍ فَمَسَحَتْ به وجْهِي ورَأْسِي، ثُمَّ أدْخَلَتْنِي الدَّارَ، فَإِذَا نِسْوَةٌ مِنَ الأنْصَارِ في البَيْتِ، فَقُلْنَ علَى الخَيْرِ والبَرَكَةِ، وعلَى خَيْرِ طَائِرٍ، فأسْلَمَتْنِي إلَيْهِنَّ، فأصْلَحْنَ مِن شَأْنِي، فَلَمْ يَرُعْنِي إلَّا رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ضُحًى، فأسْلَمَتْنِي إلَيْهِ، وأَنَا يَومَئذٍ بنْتُ تِسْعِ سِنِينَ)، ولِصِغَر سنّ السّيدة عائشة كانت الجواري يأتينها وتلعب معهنّ، ففي حديث عائشة -رضي الله عنها- تقول: (أنَّهَا كَانَتْ تَلْعَبُ بالبَنَاتِ عِنْدَ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، قالَتْ: وَكَانَتْ تَأْتِينِي صَوَاحِبِي فَكُنَّ يَنْقَمِعْنَ مِن رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، قالَتْ: فَكانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يُسَرِّبُهُنَّ إلَيَّ. وَقالَ في حَديثِ جَرِيرٍ: كُنْتُ أَلْعَبُ بالبَنَاتِ في بَيْتِهِ، وَهُنَّ اللُّعَبُ).
وتميّزت -رضي الله عنها- بحدّة الذكاة وقوّة الحافظة، إذ كانت تحفظ أيامها مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والوقائع التي عايشتها معه، وكانت -رضي الله عنها- أكثر أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- روايةً للحديث، وأوسعهم علماً وفقهاً، فكانت المرجع لما يُشكل على الصحابة من أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يقول أبو موسى الأشعري -رضي الله عنه-: (ما أُشكِلَ علينَا أصحابَ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حديثٌ قطُّ فسألْنَا عنهُ عائشةَ إلا وجدْنَا عندَها منه علمًا)، وقد شهد الصحابة وكبار التابعين لها بالعلم والفقه، والذي اكتسبته بسبب ما كانت تتّصف به من كثرة سؤال واستفهام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لِما يَعرض لها، ولِسعة علم السيدة عائشة فإنها تعدّ من مجتهدي الصحابة الذين لهم نظرٌ واستدلالٌ في النصوص، فهي المجتهدة في تفسير كتاب الله، العالمة بسنّة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأحواله وصفاته.
السيدة حفصة رضي الله عنها
هي حفصة بنت عمر بن الخطاب من بني عدي من قريش، وأمّها زينب بنت مظعون أخت عثمان بن مظعون -رضي الله عنه-، وُلدت في مكة قبل البعثة بخمس سنوات، في العام الذي هدم السيل فيه الكعبة، وكان مولدها في نفس العام الذي وُلدت فيه فاطمة بنت النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقد نَشأت السيدة حفصة -رضي الله عنها- في مكّة في كنف والِدَيْها وتعلّمت القراءة والكتابة في صِغَرها، ثم أسلمت بإسلام والدها الفاروق عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- مع من أسلم من أهل بيته، وتزوّجت السيّدة حفصة بخنيس بن حذافة السهمي -رضي الله عنه-، وهاجرت معه إلى المدينة، فعاشت معه حتى استُشهد -رضي الله عنه- بعد أن جُرح في غزوة أحد، ولم تكن -رضي الله عنها- قد تجاوزت العشرين من عمرها.
وتقدّم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يطلب الزواج بالسيدة حفصة من أبيها الذي كان قد عرض على أبي بكر وعثمان بن عفان الزواج بها قبل ذلك، فلم يُجِبه إلى ذلك أحدٌ منهم، ويفصح عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- عن تلك الحادثة فيقول: (أتَيْتُ عُثْمَانَ بنَ عَفَّانَ، فَعَرَضْتُ عليه حَفْصَةَ، فَقالَ : سَأَنْظُرُ في أمْرِي، فَلَبِثْتُ لَيَالِيَ ثُمَّ لَقِيَنِي، فَقالَ: قدْ بَدَا لي أنْ لا أتَزَوَّجَ يَومِي هذا، قالَ عُمَرُ: فَلَقِيتُ أبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ، فَقُلتُ: إنْ شِئْتَ زَوَّجْتُكَ حَفْصَةَ بنْتَ عُمَرَ، فَصَمَتَ أبو بَكْرٍ فَلَمْ يَرْجِعْ إلَيَّ شيئًا، وكُنْتُ أوْجَدَ عليه مِنِّي علَى عُثْمَانَ، فَلَبِثْتُ لَيَالِيَ ثُمَّ خَطَبَهَا رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأنْكَحْتُهَا إيَّاهُ، فَلَقِيَنِي أبو بَكْرٍ، فَقالَ: لَعَلَّكَ وجَدْتَ عَلَيَّ حِينَ عَرَضْتَ عَلَيَّ حَفْصَةَ فَلَمْ أرْجِعْ إلَيْكَ شيئًا؟ قالَ عُمَرُ: قُلتُ: نَعَمْ، قالَ أبو بَكْرٍ: فإنَّه لَمْ يَمْنَعْنِي أنْ أرْجِعَ إلَيْكَ فِيما عَرَضْتَ عَلَيَّ، إلَّا أنِّي كُنْتُ عَلِمْتُ أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قدْ ذَكَرَهَا، فَلَمْ أكُنْ لِأُفْشِيَ سِرَّ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ولو تَرَكَهَا رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قَبِلْتُهَا).
عاشت السيّدة حفصة في بيت النبوّة حتى وفاته -صلى الله عليه وسلم-، وكان قد عرف عنها -رضي الله عنها- كثرة الصيام بالنهار، وطول القيام بالليل، وكان ذلك سبباً في أمر الله لنبيّه ألا يطلّقها حين همّ بذلك بسبب ما كان من شأنها هي وعائشة مما لا يخلو أن تقع فيه النساء من الغيْرة بين الزوجات، فنزل جبريل وأوحى للنبيّ بأن لا يطلّق حفصة؛ فإنها صوّامة قوّامة، وإنها من نساء الجنة، ومع شهرة السيدة حفصة بالعبادة، إلا أنّه كان لها كذلك منزلةٌ علميّةٌ رفيعةٌ، فَرَوت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أحاديث كثيرة، وروى وتعلّم منها عددٌ من الصحابة والتابعين. وقد عاشت السيدة حفصة في المدينة النبويّة بجوار الحبيب محمد -صلى الله عليه وسلم- حتى تُوفّيت في السنة الخامسة والأربعين من الهجرة، ودُفنت بالبقيع.
السيدة زينب بنت خزيمة رضي الله عنها
هي زينب بنت خزيمة بن عبد الله من بني هلال من قريش، نَشَأت -رضي الله عنها- في مكّة، وعاشت الأيام التي سبقت بِعثة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وسمعت عن صدقه وأمانته وحكمته قبل البعثة، وقد عُرفت السيدة زينب برحمتها وعطفها وتفقّدها للمساكين، حتى لُقّبت وعُرفت في مكة بـأم المساكين ، ولا زالت تُعرف بتلك الصفة بعد إسلامها حتى وفاتها، فلمّا بُعِث النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، رأت في ذلك الدّين ما يوافق فطرتها ورحمتها وإحسانها، فكانت من المسلمات الأوائل، وتحمّلت ما تحمّله المسلمون من أذى المشركين في تلك الأيام.
وقد تزوّجت السيدة زينب وهي في سن السادسة عشر، واختلفت الروايات في زواجها، فقيل إنها تزوجت عبد الله بن جحش -رضي الله عنه- ابن عمّة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وعاشت معه حتى استُشهد في غزوة أحد، وقيل إنها تزوّجت الطفيل بن الحارث بن عبد المطلب ابن عم النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلمّا مات تزوّجت بأخيه عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب حتى استُشهد في غزوة بدر ، وقد هاجرت السيدة زينب وزوجها مع من هاجر من المسلمين إلى المدينة، وعاشت معه حتى تُوفّي، ثمّ تقدّم النبي -صلى الله عليه وسلم- لخطبتها بعد فقد زوْجها إكراماً لها ولزوجها، وجبراً لخاطرها، فما لبثت بعد ذلك أن أصابها المرض الذي تُوفّيت فيه في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهي ما زالت في سنّ الثلاثين من عمرها، فصلّى عليها النبي -صلى الله عليه وسلم-، ودُفنت بالبقيع.
السيدة زينب بنت جحش رضي الله عنها
هي زينب بنت جحش بن رئاب المخزومية القرشيّة، وأمّها أميّة بنت عبد المطلب عمة النبي -صلى الله عليه وسلم-، فهي بنت عمة النبي -صلى الله عليه وسلم-، نشأت في مكة في بيت شرفٍ ونسبٍ، وكانت ممن أسلم وبايع النبي -صلى الله عيه وسلم-، ولم تتزوّج السيّدة زينب حتى هاجرت إلى المدينة، فعرض عليها النبي -صلى الله عليه وسلم- الزواج من مولاه زيد بن حارثة ، مع أنها كانت من سيّدات مكة وصاحبة حسبٍ ونسبٍ، وزيد -رضي الله عنه- كان من الموالي، فأراد -صلى الله عليه سلم- أن يغيّر المعايير والقيم والأعراف التي يُفاضَل فيها الناس، ليكون الميزان هوالإيمان والتقوى.
رَضِيَت السيّدة زينب بأمر النبي -صلى الله عليه وسلم-، فتزوّجت بزيد بن حارثة، لكن لم يحصل التوافق بينهما، فطلّقها زيد، ليأتي الأمر الإلهي للنبي -صلى الله عليه وسلم- بالزواج من السيدة زينب، ليُبطل بذلك ما كان سائداً في الجاهلية من عادة تبنّي الأبناء وتحريم أزواج الأبناء بالتبنّي، فتزوّج النبي -صلى الله عليه وسلم- من زينب التي كانت زوجة ابنه بالتبنّي، يقول الله -تعالى-: (فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا)، فكان لها شرف الدخول في زمرة أمّهات المؤمنين، وأَوْلم لها النبي -صلى الله عليه وسلم- ما لم يُولِم لأحدٍ من نسائه، فأولم لها بشاة، ودعا الناس إليها، ونزل في تلك الوليمة الأمر بالحجاب حين أطال الناس الجلوس بعد الوليمة، مما آذى النبي -صلى الله وعليه وسلم-، لكنّه أخفاه.
وقد عُرفت السيدة زينب بالصيام والقيام، والعمل بيدها؛ كالخياطة والغزل ونحوه، واشتُهرت كذلك بكثرة الصّدقة وإنفاق مالها على الفقراء والمسكين، وكانت تُباهي بقيّة نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن الله هو الذي زوّجها من فوق سبع سماوات، وقد تُوفّيت -رضي الله عنها- في سنة عشرين من الهجرة، وكان عمرها ثلاثاً وخمسين سنة، وكانت أوّل أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- لحوقاً به هي أو سودة بنت زمعة على قولين لأهل السِّيَر، وصلّى عليها عمر بن الخطاب -رضي الله عنها- وشهِد دفْنها، ودُفنت بالبقيع.
السيدة أم سلمة رضي الله عنها
هي هند بنت أبي أميّة المخزوميّة القرشيّة، تزوّجت بأبي سلمة -رضي الله عنه- حتى تُوفّي عنها، فأمرها النبي -صلى الله عليه وسلم- أن تقول: "اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها"، وكانت تظنّ أنها لن تجد مثله، فأبدلها الله وعوّضها بخيرٍ منه، فقد تقدّم لها النبي -صلى الله عليه وسلم- وتزوّجها، وقد رَوَت السيدة أم سلمة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- عدداً من الأحاديث، وعُرفت -رضي الله عنها- بالحكمة وسداد الرأي، وعاشت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى انتقل إلى الرفيق الأعلى، وعاشت بعده طويلاً حتى تُوفّيت في سنة تسعٍ وخمسين للهجرة، وقيل سنة اثنين وستين للهجرة.
السيدة جويرية رضي الله عنها
هي جويرية بنت الحارث بن ضرار من بني المصطلق، وكان أبوها سيّد قومه، تزوّجت من ماتع بن صفوان والذي كان من ألدّ أعداء النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلمّا كانت غزوة بني المصطلق قُتل زوجها فيها، وكانت السيدة جويرية من ضمن السبي الذي أُخذ في تلك الغزوة ، وكانت -رضي الله عنها- في قسم ثابت بن قيس، فكاتبَتْه على تسعِ أُواق، وطلبت من النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يُعينها، فَعَرض -صلى الله عليه وسلم- عليها الزواج وأن يدفع ذلك عنها ذلك فقبلت، ورُوي أنّ أباها قدّم تلك الأُواق التسع ليُعتقها، فخيّرها النبي -صلى الله عليه وسلم- بين الرجوع مع أبيها أو الإسلام والزواج به، فاختارت الإسلام والنبي -صلى الله عليه وسلم-، ولما سمع المسلون بذلك أعتقوا ما بأيديهم من السبي إكراماً للنبي -صلى الله عليه وسلم- بعد أن أصبحوا أصهارًا له، فلمّا رأى بنو المصطلق إحسان النبي وأصحابه لهم دخلوا في دين الإسلام، وتركوا عداوتهم للنبي -صلى الله عليه وسلم-، فكانت امرأةً مباركةً على قومها.
السيدة أم حبيبة رضي الله عنها
هي أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان القرشية، أسلمت السيدة أمّ حبيبة ثم تزوّجت بعبيد الله بن حبيش، ثم هاجرت معه مع من هاجر إلى الحبشة فِرارًا من بطش قريش حتى لا تُفتَن في دينها، إلا أنّ زوجها تُوفّي عنها وهي في الحبشة، فبقيت بلا مُعيل، وتخشى إن رجعت لمكة وأبيها أن تُفتَن في دينها، فهو ما زال يومها على الشرك، وإن هاجرت إلى المدينة لم تجد من يتولّى أمرها، فلمّا سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأمرها، أرسل إلى النجاشي ليخطبها له، فخطبها له وأصدقها أربعمئة دينار، وأرسل بها إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة مع شرحبيل بن حسنة -رضي الله عنه-، وكان ذلك في السنة السابعة من الهجرة، وعمرها يومئذٍ سبعاً وثلاثين عاماً، ولما سمع أبو سفيان بذلك رضي به، وكان في ذلك الزواج تأليفٌ لقلب أبي سفيان.
السيدة صفيّة رضي الله عنها
هي السيدة صفية بنت حيي بن أخطب من بني النضير، كان أبوها من زعماء بني النضير وأشدّ اليهود الذين نصبوا العداء للنبي -صلى الله عليه وسلم-، وتزوّجت السيدة صفية بسلام بن مشكم، ومن بعده كنانة بن أبي الحقيق حتى قُتل يوم خيبر ، وكانت السيّدة صفيّة من ضمن سبي خيبر، وأخذها دحية الكلبي -رضي الله عنه-، إلا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- استرجعها منه حين أُخبر أنّها سيدة بني النضير، فأعتقها -صلى الله عليه وسلم- وتزوّجها، وقد علّمها النبي -صلى الله عليه وسلم- أن تردَّ على بقيّة أزواجه بأنَّ أباها هارون، وعمّها موسى، وزَوْجها محمد -صلى الله عليه وسلم-، وقد رَوَت السيّدة صفيّة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قرابة عشرة أحاديث، وعاشت السيّدة صفيّة بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى أن تُوفّيت في سنة خمسين من الهجرة في شهر رمضان.
السيدة ميمونة رضي الله عنها
هي ميمونة بنت الحارث بن حزن بن هلال القرشيّة، كان أبوها سيدًا من سادات قريش، وأمّها هند بنت عوف إحدى سيّدات مكة أيضاً، وُلدت السيدة ميمونة قبل البعثة بستّ سنوات، ونشأت في بيت والديها في مكة، ولم يدخلا في دين الله، وكانت صغيرة السن، فبقيت على دين والديها، وقد تزوّجت السيدة ميمونة بأبي رهم بن عبد العزى، فعاشت معه في مكة، وكانت تتردّد إلى بيت أختها أم الفضل زوجة العباس بن عبد المطلب وتسمع عن الإسلام والمسلمين، فدخل الإسلام قلبها وتأثّرت به، إلا أنّ زوجها ما زال على الشّرك وهي ما زالت في عصمته، لكنّها اختصمت معه في أحد الأيّام وانتهى الأمر بطلاقها.
ومكثت في مكة بعد ذلك تكتم إيمانها، ولمّا كانت عمرة القضاء ودخل النبي -صلى الله عليه وسلم- مكة، أرسلت ميمونة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- العبّاس عمّ النبي -صلى الله عليه وسلم- يعرض عليه الزواج منها، فوافق النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأصدقها أربعمئة درهم، وبنى بها في طريقه إلى المدينة بمنطقة سرف، وقد عاشت السيدة ميمونة بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- قرابة الخمسين سنة، وبعدها أصابها المرض وهي في طريق عودتها من الحجّ، فلمّا وصلت منطقة سرف وافتها المنيّة في نفس المكان الذي بنى بها النبي -صلى الله عليه وسلم- فيه.
صفات زوجات الرسول أمّهات المؤمنين
أمّهات المؤمنين هنّ القدوة والأسوة لكل فتاةٍ مسلمة، وذلك أنّهن أكمل النساء صفات، ومما تميّزْن به:
- تقوى الله -تعالى-، والذي يلزم منه عدم الخضوع بالقول للرجال الأجانب، يقول الله -تعالى-: (إِنْ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ).
- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يقول تعالى: (وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً)، فالمرأة كالرجل في هذا الباب.
- العفّة وعدم التبرّج والسفور، ولو في أقل صوره، يقول -تعالى-: (وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى).
- الحشمة والستر والحجاب الكامل، يقول -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً).
- إقامتهن للصلاة ، وتأديتهنّ للزكاة، وتبليغهنّ لدين الله -تعالى-، وذلك استجابةً لقوله -تعالى-: (وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ)، وقوله -تعالى-: (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ).
فضل زوجات الرسول
هو لقبٌ خاصٌّ بزوجات النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهو لقب تكريمٍ وتشريفٍ لهنّ، خلّده الله في كتابه في قوله -تعالى-: (وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ)، وإنما أريد بإطلاق لفظ أمهات المؤمنين الحكم المترتّب على كونهنَّ أمّهات من تحريم الزواج بهن، كما في قوله -تعالى-: (وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا ۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا).
وقد كان لأمّهات المؤمنين الفضل الكبير في نشر تعاليم الدين بين نساء المؤمنين، وتعليمهنّ أحكام الإسلام، بالذات ما كان من عائشة -رضي الله عنها- وما كان من حرصها على الاستزادة من العلم وتعليمه، ولم يقتصر دورهنّ على تعليم النساء، بل كان لهنّ دورٌ في تعليم الصحابة أيضاً، ببيان الأحكام المتعلّقة بحياة النبيّ الشخصيّة بين أزواجه -صلى الله عليه وسلم- التي لم يكن يطّلع عليها أحدٌ غير أزواجه، فكُنّ -رضي الله عنهنّ- المرجع في مثل هذه الأمور.