عقوبة الكبر في الإسلام
عقوبة الكبر في الإسلام
حرّم الشّرع الكِبر وذمّه وصاحبه في نصوصٍ شرعيةٍ من الكتاب والسنّة، بل وعدّه بعض أهل العلم كابن حجر الهيثمي من كبائر الذنوب المستحقة للعقوبة في الدنيا والآخرة، قال -تعالى-: (وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ)، وقال أيضاً: (تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)، وورد عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (مَن جرَّ ثوبَهُ خيلاءَ لم ينظُرِ اللَّهُ إليهِ يومَ القيامةِ، فقالَت أمُّ سَلمةَ: فَكَيفَ يصنَعُ النِّساءُ بذيولِهِنَّ؟ قالَ: يُرخينَ شبرًا، فقالت: إذًا تنكشفَ أقدامُهُنَّ، قالَ: فيُرخينَهُ ذراعًا، لا يزِدنَ علَيهِ)، وأشار أهل العلم إلى عقوبة المتكبرّ في الدنيا والآخرة باستقرائهم للنّصوص الشّرعية من الكتاب والسنّة.
عقوبة الكِبر في الدنيا
ينال المتكبّر عقوباتٍ دنيويةٍ دلّت عليها نصوصٌ شرعيّةٌ صحيحةٌ، يُذكر منها:
- الضلال وعدم الهداية: فالمتكبّر والمتعاظم بنفسه في الدنيا بشهواته واتّباع أهوائه عن أوامر الله -تعالى- يُعاقب على تكبّره بصرف الله له عن فهم آياته وتدبّرها والاهتداء بها، إذ إنّ القرآن الاهتداء بالقرآن لا يناله إلّا مَن عرف قيمة الدنيا، فصرف قلبه عنها وعن مشاغلها إلى خالقه، قال -تعالى-: (سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ)، وهذا من أسوأ ما قد يناله المتكبّر من عقوبةٍ.
- زوال النعم وتكالب المصائب: فعن سلمة بن الأكوع -رضي الله عنه- عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (أنَّ رَجُلًا أَكَلَ عِنْدَ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ بشِمَالِهِ، فَقالَ: كُلْ بيَمِينِكَ، قالَ: لا أَسْتَطِيعُ، قالَ: لا اسْتَطَعْتَ، ما مَنَعَهُ إلَّا الكِبْرُ، قالَ: فَما رَفَعَهَا إلى فِيهِ)، فحُرم الرجل من رفع يده بسبب استكباره.
- عدم قبول التوبة: فالعاصي لربّه إمّا أن يكون عاصياً لاستئثاره شهوته عن قبول الحقّ، وإمّا أن يكون عصيانه تكبّراً واستعظاماً، فمَن كانت معصيته بسبب شهوته؛ تقبل منه التوبة النصوح ، أمّا من كانت معصية لتكبّره واستعظامه؛ فيُخشى عليه من عدم قبول توبته واستحقاقه لعذاب الله ولعنته جزاءً له، وهذا ما أكّد عليه قول سفيان بن عُيينة حيث قال في شأن ذلك: "مَن كانت معصيتُه في شهوةٍ، فأرجو له التوبة، فإنَّ آدم -عليه السلام- عصَى مشتهياً، فغُفِر له، فإذا كانتْ معصيتُه من كِبْرٍ، فأخْشَى عليه اللَّعْنة، فإنَّ إبليس عصَى مستكبراً فلُعِن".
عقوبة الكِبر في الآخرة
ينال المتكبّر عقوبةً مقررةً شرعاً يستحقها في الحياة الآخرة كما دلّت على ذلك نصوصٌ شرعيةٌ، بيان ذلك فيما يأتي:
- التعرّض للذلّ والمهانة في المحشر: دلّ على ذلك ما ورد عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (يُحشَرُ المتَكَبِّرونَ يومَ القيامةِ أمثالَ الذَّرِّ في صُوَرِ الرِّجالِ يغشاهمُ الذُّلُّ من كلِّ مَكانٍ، يُساقونَ إلى سجنٍ في جَهَنَّمَ يسمَّى بولُسَ تعلوهُم نارُ الأَنْيارِ يَسقونَ من عُصارةِ أَهْلِ النَّارِ طينةَ الخبالِ).
- الحرمان من دخول الجنة: وردت نصوصٌ عدّةٌ تدل على أنّ الكِبر سببٌ من أسباب دخول النار والحرمان من الجنة، قال -تعالى-: (وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ)، والمثوى هو المأمن والمسكن، وأخرج الإمام مسلم في صحيحه عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَن كانَ في قَلْبِهِ مِثْقالُ ذَرَّةٍ مِن كِبْرٍ).