عقوبة السخرية من الآخرين في الإسلام
عقوبة السخرية من الآخرين في الإسلام
نهى الله -عزّ وجلّ- عن السخرية بأنواعها وصورها المختلفة، وجعلها من الأمور المحرّمة في الإسلام، فقال فيها: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) .
ولا يحل لمسلم أن يسخر من أحدٍ لأي سبب كان،وذكر -سبحانه- أنَّ أشدّ أنواع السخرية هي السخرية بدين الله وآياته وأحكامه، لأنّها تُدخِل صاحبها في الكفر وتخرجه من الملّة، وقد وعد الله صاحبها بالعذاب الأليم في نار جهنّم، ثمّ يأتي بعد ذلك الاستهزاء بالمؤمنين.
ويُحدد هذا النوع من الاستهزاء بناءً على الدافع إليه، فإن كان مبنياً على تمسّكهم بالشرع فهو من الاستهزاء بالدين والاستهزاء بالدين كفر، أمّا إن كان بناءً على الاستهزاء بهم دون النظر إن كانوا مُتّبعين شرع الله أم لا فلا يُعدّ من الكفر، لكن صاحبه في خطر عظيم.
جزاء السخرية
قال -تعالى- على لسان نبيّه نوح -عليه السلام- حين سخر قومه منه: (قالَ إِن تَسخَروا مِنّا فَإِنّا نَسخَرُ مِنكُم كَما تَسخَرونَ) ، وبيّن لهم أنّ جزاء سخريتهم منه أنَّه سيسخر منهم حين يُهلكهم الله -تعالى- ويرسل عليهم العذاب.
تحتمل الآية أنّه سيسخر من جهلهم وما هم فيه من الغفلة، ثمّ جعل الله -تعالى- جزاء السخرية هو العذاب الأليم الذي يحيق بصاحبه، فقال: (وَلَقَدِ استُهزِئَ بِرُسُلٍ مِن قَبلِكَ فَحاقَ بِالَّذينَ سَخِروا مِنهُم ما كانوا بِهِ يَستَهزِئونَ) .
ذم السخرية
ثبت في القرآن الكريم والسنة النبوية نصوصاً تذمّ السخرية وتبيَّن أنَّها من الأخلاق المذمومة ، ومنها ما يأتي:
- قال -تعالى-: (زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّـهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) .
- قال -تعالى-: (وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُم مِّنَ الْأَشْرَارِ*أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ) .
- روت أمّ هانئ -رضي الله عنها- فقالت: (عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في قولِه تعالى وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ المُنْكَرَ قال: كانوا يَخْذِفُونَ أهلَ الأرضِ ويَسْخَرُونَ منهم).
- روت عائشة أمّ المؤمنين -رضي الله عنها- فقالت: (قلتُ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم حسبُك من صفيةَ كذا وكذا، قال: غيرُ مُسَدِّدٍ تعني قصيرةً، فقال: لقد قلتِ كلِمَةً لو مُزِجت بماءِ البحرِ لمزجته).
- روى أبو ذر الغفاري -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (لَقِيتُ أبَا ذَرٍّ بالرَّبَذَةِ، وعليه حُلَّةٌ، وعلَى غُلَامِهِ حُلَّةٌ، فَسَأَلْتُهُ عن ذلكَ، فَقالَ: إنِّي سَابَبْتُ رَجُلًا فَعَيَّرْتُهُ بأُمِّهِ).
(فَقالَ لي النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: يا أبَا ذَرٍّ أعَيَّرْتَهُ بأُمِّهِ؟ إنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ، إخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ، جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أيْدِيكُمْ، فمَن كانَ أخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ، فَلْيُطْعِمْهُ ممَّا يَأْكُلُ، ولْيُلْبِسْهُ ممَّا يَلْبَسُ، ولَا تُكَلِّفُوهُمْ ما يَغْلِبُهُمْ، فإنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فأعِينُوهُمْ).