عبيد بن الأبرص
عبيد بن الأبرص
عبيد بن الأبرص أحد أشهر الشعراء الجاهليين الذين لا يزال اسمهم حاضراً، وذا صيت كلما ذُكِر الشعر الجاهلي والمعلقات تحديداً، فهو أحد أصحاب المعلَّقات ، اسمه الكامل هو عبيد بن الأبرص بن جشم بن عامر، أبو زياد الأسدي ولقّب بأبي دُودان نسبة إلى بني دودان بن أسد بن خزيمة.
نشأة عبيد بن الأبرص
تعتبر الأخبار عن نشأة عبيد بن الأبرص قليلة جداً، لكنَّها تُرجح أنه قد نشأ في نجد من الجزيرة العربية ، حيث تقول المصادر التاريخية إن قبائل بني أسد قد نزلت هناك وجاورت غيرها من القبائل، مثل غطفان وطيء وغنيم، ويعتبر إقليم نجد واحداً من أجمل الأقاليم في ذلك الوقت وأكثرها تميزاً من ناحية الطبيعة والأرض.
وقد تأثر عبيد بن الأبرص بنشأته في هذا الإقليم، فظهر ذلك في قصائده، التي أبرز فيها هذا الجمال ووصفه وزاد في وصفه، حتى أنَّ طبيعة شعره، امتازت بالجزالة والحكمة.
وقد شارك عبيد بن الأبرص مع قومه حياتهم، فشاركهم حروبهم ضد الغساسنة ومعاناتهم مع الملك حجر بن الحارث الكندي، وشارك إلى جانب قومه في الصراعات مع القبائل الأخرى في الجوار، كما صار لسان قومه والناطق باسمهم حين احترف الشعر.
عبيد بن الأبرص والشعر
عُرِف عبيد بن الأبرص كواحد من أشهر الشعراء الجاهليين، ولكن سبب إنشاده للشعر يقول فيه بعض المؤرّخين أنه قد خرج في أحد الأيام ليقوم برعي الأغنام مع أخت له تدعى ماوية، فمنعه أحد الرجال عن الماء، وضربه هو وأخته، فرفع يديه ودعا الله بأن ينتقم له من هذا الرجل قائلاً: "اللهم إن كان فلان قد ظلمني ورماني بالبهتان فأدلني منه".
وكان من أثر هذه الحادثة عليه أن أطلقت لسانه بالشعر، حيث وضع رأسه ونام بعد هذه الحادثة، وذكر أنه أتاه آت في المنام بكبة من شعر ألقاها في فمه، ثم قال: قم، فقام وهو يرتجز.
وقد كانت أول ما قال قصيدة يهجو فيها ذاك الرجل، وكانت أول شعر يقوله عبيد بن الأبرص، وقد قال في هذه القصيدة:
أيا بني الزنية ما غرّكم
- فلكم الويل بسربال الحجر.
وقد كتب بعد هذه القصيدة شعراً كثيراً حتى صار شاعر بني أسد بلا منازع وأحد أهمِّ شعراء العرب ، ومن قصائده المعروفة قوله:
لمن الدار أقفرت بالجنابِ
- غير نؤيٍ ودمنة كالكتابِ
غيَّرتها الصَّبا ونفح الجنوبِ
- وشمال تذرو دُقاق الترابِ
فتراوَحنها وكلُّ مُلِثٍ
- دائم الرعد مُرجحنَّ السحابِ.
معلقة عبيد بن الأبرص
ذكرنا أنَّ عبيد بن الأبرص شاعر مجيد، وقد كان من أصحاب المعلقات، والمعلقات هي مجموعة من القصائد اشتهرت في الجاهلية، حتى قيل إنها لشدة حسنها كانت تعلَّق على جدار الكعبة، أما معلقة عبيد بن الأبرص فقد ألحقها التبريزي فيما بعد بالمعلقات العشر، وقد ذكرت في المجمهرات، ويقول عبيد في مطلع معلقته:
أقفر من أهله ملحوب
- فالقطبيّات فالذنوب
فراكس فثعيلبات
- فذات فرقين فالقليب
فعردةٌ فقفا حبرٍّ
- ليس بها منهم عريب
إن بدّلت أهلها وحوشاً
- وفيّرت حالها الخطوب
أرضٌ توارثها الجدوب
- فكلٌّ من حلّها محروب
إما قتيل وإما هالكٌ
- والشيبُ شينٌ لمن يشيبُ
إن يكُ حوّل منها أهلها
- فلا بديٌّ ولا عجيبُ
فكلُّ ذي نعمةٍ مخلوسٌ
- وكلُّ ذي أملٍ مكذوبُ
وكل ذي إبل موروثٌ
- وكلُّ ذي سلبٌ مسلوبُ
عيناك دمعهما سروب
- كأن شأنيهما شعيب
واهية أو معين ممعن
- من هضبةٍ دونها لهوبُ
أو فلجُ وادٍ ببطن وادٍ
- للماء من تحتها سكوبُ
وفاة عبيد بن الأبرص
عاش عبيد بن الأبرص زمناً طويلاً وقد كانت نهايته حكاية مأساوية، حيث حصلت في يوم البؤس الخاص بالمنذر بن ماء السماء، وقد كان المنذر يقتل أي شخص يفد عليه في هذا اليوم، وقد كان سوء الحظ ملازماً لعبيد بن الأبرص حين كانت الوفادة من نصيبه في هذا العام، ورغم أنَّ المنذر كان عارفاً بمقام عبيد وبقيمة شعره، إلا أنه لم يتراجع عن قتله وبرر ذلك قائلاً له:
"لا بدّ لك من الموت، ولو أنَّ النعمان ابني جاءني في يوم بؤسي هذا لذبحته"، ثمَّ خيره بأي الطرق يحبُّ أن يقتل، فأجابه عبيد قائلاً: ثلاث خصال كسحابات عادِ، واردها شر ورَّاد، ومعادها شر معاد، ولا خير فيها لمرتادِ، وإن كنت لا محالة قاتلي، فاسقني الخمر حتى إذا ماتت مفاصلي وذهلت ذواهلي، فشأنك وما تريد"، وقد كان له ما طلب.