الصبر على طاعة الله
الصبر على طاعة الله
صبر المسلم على مشقّة فعل الطاعات أعلى وأفضل من صبره على ترك المحرمات؛ لأنّ المصلحة المترتّبة على فعل الطاعات أحبّ إلى الله -تعالى- من المصلحة الناتجة من ترك الذنوب والمنكرات، والمفسدة الناشئة عن عدم طاعة الله -تعالى- أشدّ بغضاً إليه -سبحانه- من مفسدة وقوع الذنب، ويقول الشيخ عبدالرحمن السعدي- رحمه الله تعالى: الصبر ينقسم إلى ثلاثة أقسام، أوّلها الصبر على أداء الطاعات إلى تمامها، وثانيها الصبر على ترك معصية الله -تعالى- واجتنابها، وأمّا الثالث منها فهو الصبر على تجاوز الأقدار المؤلمة، والمصائب الشديدة.
والصبر هو زاد المسلم في كل أمر، ولا يبلغ الهدف إلّا من صبر عليه؛ فالطاعات التي فيها صعوبات، ومشاقّ مستمرة، تحتاج إلى صبر عظيم عند أدائها، وتحمّل كبير في مشاقّها، ويكون نجاح المسلم فيها بالصبر على فعلها، وتعظم الخسارة إن عجز عن تحمّلها، وتقاعس عن أدائها، ويحتاج العبد المسلم أيضاً إلى صبر عظيم على ترك المعاصي والذنوب التي تهواها نفسه، وتكثر فيها رغبته، وخصوصاً عند قدرته على فعلها، وتتأكّد الحاجة إلى الصبر عند حدوث البلاء، ونزول القضاء؛ لأنّ النفس البشريّة تضعف عند المصائب والشدائد؛ فيصبر المسلم على قضاء الله -تعالى-، ولا يتسخّط عليه؛ فالإنسان يحتاج إلى الصبر في كلّ لحظة من لحظات حياته. ويقول الله -تعالى-: (رَبُّ السَّماواتِ وَالأَرضِ وَما بَينَهُما فَاعبُدهُ وَاصطَبِر لِعِبادَتِهِ هَل تَعلَمُ لَهُ سَمِيًّا)؛ فذكر الله -تعالى- الصبر بصيغة المبالغة؛ فلا بدّ من مجاهدة النفس على أداء حقّ العبودية لله -تعالى-، والصبر على طاعته -جلّ جلاله-.
ويقول الإمام عبدالواحد بن زيد -رحمه الله تعالى-: إذا نوى المسلم الصبر على طاعة الله، صبَّره الله -تعالى- على أدائها، وقوَّاه على فعلها، وإن نوى الصبر على ترك معاصي الله، عصمه الله -تعالى- منها، وكان عوناً ونصيراً له في اجتنابها، وقال -رحمه الله تعالى-: من ظنّ أنّ الله -تعالى- سيُخيّب صبره ويخذله عند تركه لهواه محبّةً لله -تعالى-؛ فقد أساء الظنَّ بسيّده ومولاه، ثم بكى حتى أوشك أن يغمى عليه، ثم قال: "بِأَبِي أَنْتَ يَا مُسْبِغَ نِعْمَةٍ غَادِيَةٍ وَرَائِحَةٍ عَلَى أَهْلِ مَعْصِيَتِهِ فَكَيْفَ يَيْأَسُ مِنْ رَحْمَتِهِ أَهْلُ مَحَبَّتِهِ".
وقد أوصى الله -تعالى- عباده المسلمين بالتواصي فيما بينهم بالصبر؛ فقال: (وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)، وذكر الله -تعالى- التواصي بالصبر بشكل خاص مع كونه جزءاً من التواصي بالحق؛ لأهميته البالغة، وكبير أثره في بلوغ النجاة، وتحقيق السلامة من الخسران في الدنيا والآخرة؛ فالصبر عبادة يتقرب بها المسلم إلى الله -تعالى-، وينال ثوابها منه -سبحانه-.
وسائل الصبر على طاعة الله
للصبر على طاعة الله -تعالى- وسائل عديدة تعين المسلم على امتثال أوامر الله -تعالى- واجتناب نواهيه، وبيان هذه الوسائل فيما يأتي:
- التحلّي بالصبر والثبات عند الشدائد من أعظم صفات المروءة التي يجدر بالمسلم الاتّصاف بها؛ فيتذكر الإنسان أنّ الصبر ضروري لتمام مروءته، وسمو أخلاقه .
- استحضار العاقبة الحسنة التي تلحق الصابرين، والثابتين على حق؛ فالتاريخ يسجّل مواقفهم، ويخلّد أسمائهم في سجلّاته.
- التصديق بقرب الفرج؛ فليس بعد الشدّة إلّا الفرج، ولا يتحقق النصر إلّا بالصبر، ويقول الله -تعالى- مبيّناً ذلك: ( فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا).
- تذكُّر المسلم لضعف الناس، وقصورهم، وأنّهم لا يملكون لأنفسهم أو لغيرهم قدرة على الإحياء أو الإماتة أو النشور، قال -تعالى-: (وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ).
- التماس العطاء في البلاء؛ فكثيراً ما يصير البلاء الشديد إلى عطاء مديد، لحكمة منه -سبحانه وتعالى-، وذلك لعِظَمِ لطفه بعباده المؤمنين.
- أخذ العبرة من سير المرسلين -عليهم السلام، وأتّباع الصالحين، واستحضار المسلم لأنواع المصائب والشدائد التي تعرّض لها الانبياء والمرسلون، وصبرهم عليها مع كونهم أكرم الخلق على الله -تعالى-، وأرفعهم منزلة؛ فذلك يشعره بأنّه امتداد لذلك الطريق الطويل الذي سار عليه الأنبياء والمرسلون -عليهم السلام-، ومن تبعهم من أهل التقوى والدين.
- التوكّل على الله -تعالى- في كل أمر، والبراءة من الحول والقوة إلّا بالله؛ فالعبد المسلم يعلم أنّه لا سبيل للثبات إلّا بعون الله وقوّته، ولا صبر له على الشدائد إلا بتصبير الله -تعالى- له؛ فلا طاقة للإنسان على رد ما وقع من الأقدار، ولا قوّة له على معارضتها؛ فالمسلم يستسلم لله -تعالى- ويفوّض أمره إليه، ويوقن بأن الأمر كله بيد الله -تعالى-؛ فيحسن الظنّ به، ويتوكّل عليه في كلّ أموره.
- تذكُّر المسلم بأنّ الابتلاء سنّة الله -تعالى- في خلقه، كما أنّ معرفة البلاء، والاستعداد له يساعده على الصبر عند الشدائد، يقول الله -تعالى- مبيّناً حكمته من البلاء: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّـهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ).
- الإيمان الجازم بأقدار الله -تعالى-، ويقين المسلم بأنّ الخير أو الشرّ الذي يصيبه لم يكن ليخطئه، وأن ما أخطأه من ذلك لم يكن ليصيبه.
- تحقيق تقوى الله -تعالى-، فالتقوى والصبر مترابطتان متلازمتان، قال الله -تعالى- في قصّة نبيّه يوسف -عليه السلام-: (إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصبِر فَإِنَّ اللَّـهَ لا يُضيعُ أَجرَ المُحسِنينَ).
- اللجوء إلى الله -تعالى- بالدعاء، والتضرّع بين يديه؛ فالدعاء من أعظم ما يثبّت المسلم عند البلاء، ويزيد في صبره، وهو من الأمور التي يُرد بها القدر؛ فعن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا يَرُدُّ القدرَ إلَّا الدُّعاءُ).
- الثبات أمام الإغراءات والشهوات الدنيويّة المتعدّدة، وتذكّر الإنسان للثناء المترتّب على صموده وثباته، كما هو حال الأبطال السابقين الذين أحبهّم الناس لصبرهم وثباتهم في وجه الإغراءات، واتّخاذ أمثال أولئك الأبطال قدوة يقتدي بها في حياته.
أنواع الصبر على طاعة الله
للصبر على طاعة الله -تعالى- ثلاثة أنواع، وبيانها آتياً:
- الصبر قبل أداء الطاعة؛ ويكون ذلك بالنيّة الصحيحة الخالية من الرياء والسمعة، والاستعداد لأدائها، والعزم على فعلها، والوفاء بها كاملة من غير نقصان.
- الصبر أثناء أداء الطاعة؛ وذلك باستحضار مراقبة الله -تعالى- للعبد عند أدائها، خاشعاً له -سبحانه-، وقيامه بها على أكمل وجه، مستوفيةً للآداب والسنن.
- الصبر بعد الانتهاء من الطاعة؛ وذلك بكتمانها، وعدم الجهر بها بين الناس، والتخلّص من الرياء والعُجب والسمعة، لأنّهن أسباب في إبطال العبادة، وحبوط الأجر والثواب.
تعريف الصبر
يُعرّف الصبر في الشرع؛ بأنّه خلق من أخلاق النفس الفاضلة، والتي تحمل المسلم الصبور على اجتناب الأعمال والأقوال السيئة المذمومة شرعاً، وذهب بعض السلف إلى أنّ الصبر هو صمود القلب وثباته عند وقوع المصائب والشدائد. والصبر أحد أهم الأخلاق التي راعتها الشريعة الإسلامية رعاية شديدة، وأولتها عناية عظيمة؛فقد ذكره الله -تعالى- في كتابه الكريم في عدة مواضع، ويقول الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله تعالى-: جاء ذكر الصبر في تسعين موضعاً من القرآن الكريم ، وقد ورد ذكر الصبر ومدحه في السنّة النبويّة كذلك؛ فعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: (إنَّ نَاسًا مِنَ الأنْصَارِ سَأَلُوا رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأعْطَاهُمْ، ثُمَّ سَأَلُوهُ، فأعْطَاهُمْ، ثُمَّ سَأَلُوهُ، فأعْطَاهُمْ حتَّى نَفِدَ ما عِنْدَهُ، فَقَالَ: ما يَكونُ عِندِي مِن خَيْرٍ فَلَنْ أدَّخِرَهُ عَنْكُمْ، ومَن يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ، ومَن يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ ومَن يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ، وما أُعْطِيَ أحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ).